الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر والمئة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟. قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ.
وهذا أصرح في مطابقة الترجمة من الذي قبله؛ لقوله فيه "فلما انصرف" قوله عن زيد بن خالد لم يختلف على صالح في ذلك، وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله عن أبي هريرة. أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين؛ لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعًا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأَمة إذا زنت فلعله سمع منهما هذا فحدّث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإنما يجمعهما لاختلاف لفظهما كما نشير إليه وقد صرّح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة، وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها ابن عباس في شاة ميمونة كما مرّ في الطهارة وحديثه عنه في قصة هرقل كما مرّ في بدء الوحي.
وقوله: "صلّى لنا" أي (لأجلنا) أو اللام بمعنى الباء أي: صلى (بنا) وفيه جواز إطلاق ذلك مجازًا وإنما الصلاة لله تعالى. وقوله: "بالحديبية" بالمهملة والتصغير وتخفيف يائها وتثقل وقال ابن المديني الحجازيون يخففون الياء، والعراقيون يشددونها وأكثر المحدثين يشددونها وهي قرية على مرحلة من مكة. قيل سميت ببير هناك، وقيل سميت بشجرة هناك حدباء بعضها في الحل وبعضها في الحرم وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت.
وقوله: "على إثر" بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء. وقوله: "سماء" أي: مطر وأطلق عليه سماء؛ لأنه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء. وقوله: "كانت من الليل" كذا للأكثر وللمستملي والحموي من الليلة بالإِفراد.
وقوله: "فلما انصرف من صلاته أو من مكانه"، وقوله:"هل تدرون" لفظ استفهام معناه التنبيه وفي رواية سفيان عن صالح عند النسائي "ألم تسمعوا ما قال ربُّكم الليلة". وهذا من الأحاديث
الإِلهية وهي يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة.
وقوله: "أصبح من عبادي" هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} فإنها إضافة تشريف. وقوله: "فذلك مؤمنٌ بي وكافرٌ بالكوكب" بالتنوين فيهما وللأربعة مؤمن بغير تنوين، وثبت قوله (بي) لأبي ذرٍّ وسقطت لغيره وسقطت (واو) وكافر لأبي ذرٍّ وابن عساكر.
وقوله: "وأما مَنْ قال بنَوء كذا وكذا" النَوء بفتح النون وسكون الواو في آخره همزة. قال ابن قتيبة معنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، وهو مأخوذ من ناء إذا سقط. وقال آخرون بل النوء طلوع نجم منها، وهو مأخوذ من ناء إذا نهض ولا تخالف بينهما في الوقت؛ لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق سقط حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرًا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة، فإنّ لكل منها ثلاثة عشر تقريبًا، فالنوء هو السقوط أو الطلوع، وتسمية الكوكب بالنوء تسمية للفاعل بالمصدر.
وقوله: "كذا وكذا" قد عرف أن كذا يرد على ثلاثة أوجه: الأول أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما مركبتين من (كاف) التشبيه و (ذا) الإِشارة نحو رأيت عمرًا فاضلًا، ورأيتُ زيدًا كذا وتدخل عليها حينئذ هاء التنبيه نحو هكذا عرشك. الثاني: أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيًا بها عن غير عدد كما في الحديث: "أنه يُقالُ للعبدِ يومَ القيامةِ أتذكرُ يومَ كذا وكذا فعلتَ كذا وكذا" وكما في هذا الحديث فإنه كناية عن الكوكب. والثالث: أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنيًا بها عن العدد كما تقول لي عليه كذا درهمًا.
وقوله: "فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإِيمان. ولأحمد عن معاوية الليثي مرفوعًا "يكونُ الناسُ مجدبينَ فَيُنزلُ الله عليهم رزقًا من السماءِ من رزقهِ فيصبحونَ مشركينَ يقولونَ مطرنَا بنوءِ كذا". ويحتمل أن يراد به كفر النعمة ويرشد إليه ما في رواية معمر عن صالح: "فأما مَنْ حمدني على سُقياي وأثنى عليَّ فذلكَ آمنَ بي". وفي رواية سفيان عند النَّسائيّ والإِسماعيليّ نحوه. وقال في آخره: "وكفر بي"، وقال:"كفرَ نعمتي". وفي رواية أبي هريرة عند مسلم "قال الله: ما أنعمتُ على عبادي من نعمةٍ إلَاّ أصبحَ فريقٌ منهم كافرينَ بها". وله في حديث ابن عباس: "أصبحَ مِنَ الناس شاكرٌ ومنهم كافرٌ". وحمله على الأول كثير من أهل العلم وقال الشافعي في "الأُم" من قال: "مطرناَ بنوءِ كذا وكذا" على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا، فذلك كفر كما قال عليه الصلاة والسلام؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا. ومَنْ قال:"مطرنا بنوء كذا" على معنى مطرنا في وقت كذا فلا كفر أو غيره من الكلام أحب إليّ منه حسمًا للمادة، وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث. وحكى ابن قتيبة أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكره الشافعي قال: وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم، وإما بعلامته فأبطل