الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيفا، ومعدن الذهب والفضة سمي معدنا لإثبات الله فيه جوهرهما، وإثباته إياه في الأرض حتى عدن، أي: ثبت فيها. . . (1)
وهي عبارة عن المواد الخام التي تحتاج إلى صناعة وصياغة، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (2)
إن أرزاق الله وأنعامه وأفضاله قديما وحديثا تترى، فما زالت الأرض تخرج من كنوزها بإذن ربها، بل كلما تقدم العلم الحديث اكتشف واستخرج نوعا من الكنوز التي أوجدها الله في داخل الأرض بأشكال وأنواع مختلفة لخدمة الإنسان، كالذهب والفضة، والماس، والحديد بأنواعه، والبترول بأنواعه؛ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وحديثا أصبح الاقتصاد العالمي يعتمد اعتمادا كليا على ما يستخرج من باطن الأرض، بل وأصبحت البلاد الغنية بالمعادن الجامدة والسائلة من أغنى البلاد في العالم، والبلاد الإسلامية من هذه البلاد التي حباها الله هذه النعم؛ لتشكر الله، وتستعين بهذه النعم على نشر دين الله، وصد أعداء الله، والتمكين لأولياء الله على أرض الله.
(1) لسان العرب 13/ 279، 280.
(2)
سورة الملك الآية 15
32 -
الصناعة:
هي حرفة الصانع، وعمله: الصنعة. والصناعة: ما تستصنع من أمر، وهي المهارة باليدين. والصنع: الرزق (1).
(1) لسان العرب 8/ 208.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده (1)» .
قال ابن حجر: قال أهل اللغة: رجل أخرق: لا صنعة له. وقال: الضائع هو: ذو الضياع من فقر أو عيال، وقيل: إنها مصحفة من الصانع (3).
لكن الشرع المطهر أشار إلى عدد من الصناعات، منها:
أ- صناعة السفن: السفن: القشر. والسفينة: الفلك؛ لأنها تسفن وجه الماء، أي تقشره. وقيل: سميت سفينة لأنها تلزق على وجه الأرض (4). وهي تصنع من الحديد والخشب والبترول وغير ذلك؛ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (5)
(1) انظر فتح الباري 4/ 303 رقم 2072.
(2)
صحيح البخاري العتق (2518)، صحيح مسلم الإيمان (84)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 163)، سنن الدارمي الرقاق (2738).
(3)
انظر فتح الباري 5/ 148 رقم 2518.
(4)
لسان العرب 13/ 209 - 211.
(5)
سورة النحل الآية 14
وقال عز وجل: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} (1) وقال عز من قائل: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} (2) وقال تعالى: {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3)
إن صناعة السفن مهنة قديمة، عرفتها البشرية، وأشار إليها الإسلام، وهي مهنة مربحة؛ لكثرة استخدامها ولتعدد مهامها؛ ومنها: استخدامها وسيلة مواصلات، ووسيلة صيد، وهي من أعظم وسائل الرزق.
ب- صناعة السيارات والقطارات والطائرات والعربات وغير ذلك: إن العلم الحديث ابتدع بدعا جميلة ومهمة لم تكن من قبل، وفرت على الإنسان الجهد والمال والوقت؛ وخاصة في مجال المواصلات، والنقل.
والإسلام أشار إلى هذه الوسائل في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4) فقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (5) فيه إشارة إلى الوسائل الحديثة للمواصلات؛ وفي صناعة وسائل المواصلات دفعة قوية للاقتصاد، بل إن الشركات والدول المصنعة لهذه الوسائل من
(1) سورة المؤمنون الآية 22
(2)
سورة الإسراء الآية 66
(3)
سورة الروم الآية 46
(4)
سورة النحل الآية 8
(5)
سورة النحل الآية 8
أغنى وأثرى الشركات والدول العالمية؛ لأنها أصبحت من ضروريات الحياة ومستلزماتها، ومعظم هذه الوسائل مصنوعة من الحديد والبترول (المعادن) والخشب وغير ذلك.
ج- صناعة المعادن (الحديد، النحاس، الرصاص، الذهب، الفضة، وغير ذلك. . .): قال تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} (1) وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (2) وقال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3) وقال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (4) قال ابن كثير: يعني صنعة الدروع، قال قتادة: إنما كانت الدروع قبله صفائح، وهو أول من سردها حلقا. . . (5)
وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} (6){يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (7) قال
(1) سورة الكهف الآية 96
(2)
سورة سبأ الآية 10
(3)
سورة الحديد الآية 25
(4)
سورة الأنبياء الآية 80
(5)
تفسير ابن كثير 5/ 352 ط الشعب.
(6)
سورة سبأ الآية 12
(7)
سورة سبأ الآية 13
ابن كثير: وقوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} (1) قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء الخرساني، وقتادة، والسدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد: القطر: النحاس. ثم قال: المحاريب: هي المساجد، والقصور، قاله: قتادة.
والتماثيل هي الصور، قاله: عطية العوفي، والضحاك، والسدي.
أما الجواب فهي جمع جابية، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء.
والقدور الراسيات: هي الثابتات في أماكنها لا تتحول، ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها، كذا قال مجاهد والضحاك وغيرهما.
وقال عكرمة: أثافيها منها (2).
إن صناعة المعادن من أهم أسباب ووسائل تحصيل الأرزاق، سواء كان في القديم أو في الحديث، لكن صناعة المعادن في الأعصار الحديثة أكثر وأشمل وأدق منها في القديم، سواء من هذه المعادن ما كان سائلا أو جامدا، بل تكاد تكون الصناعات المعدنية حديثا هي المقوم الأساسي للاقتصاد عالميا، على مستوى الأفراد والشركات والدول والتجمعات.
ويدخل تحت هذه الصناعات المعدنية صناعة الأسلحة، ووسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، ووسائل الاتصالات، بل وحتى وسائل رفاهية الحياة في كل جوانبها، بل وفي جوانب التربية والتعليم، والترفيه، وغير ذلك.
ولا شك أن هذا تقدم نوعي في حياة البشر في جوانب الأغراض السلمية، أما في جوانب الأسلحة المدمرة فهو خطر
(1) سورة سبأ الآية 12
(2)
تفسير ابن كثير 6/ 487، 488.
عظيم يهدد الإنسانية، نسأل الله العافية.
د- صناعة الغزل والنسيج والحياكة: ويشمل الصوف والقطن والكتان، بل وحتى البترول وغير ذلك؛ قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} (1) قال ابن كثير: قال العوفي عن ابن عباس: الرياش: اللباس (2). وقال عز وجل: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (3) قال ابن كثير: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (4) وهي الثياب من القطن والكتان والصوف، {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} (5) كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك " (6) وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (7) وهذا فيه إشارة إلى هذه المهنة المشروعة.
وأخرج البخاري في الصحيح بسنده من حديث سهل بن سعد، قال: «جاءت امرأة ببردة، قال سهل: هل تدري ما البردة؟ قال: نعم، هي الشملة منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فحسنها رجل من القوم، فقال: يا رسول الله، اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء
(1) سورة الأعراف الآية 26
(2)
تفسير ابن كثير 4/ 510.
(3)
سورة النحل الآية 80
(4)
سورة النحل الآية 81
(5)
سورة النحل الآية 81
(6)
تفسير ابن كثير 4/ 510.
(7)
سورة النحل الآية 92
الله في المجلس، ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه (1)».
الإنسان في أمس الحاجة إلى اللباس والسرابيل التي تقي الإنسان البرد والحر؛ ولذلك امتن الله على عباده في إنزاله اللباس لنستر به عوراتنا، ونستخدمه في حاجاتنا الضرورية والكمالية.
ولهذا أصبحت مهنة الغزل والنسيج والحياكة مهنة رابحة؛ أنشئت لها المصانع الضخمة، والأسواق العالمية المتخصصة لهذا الأمر، وهي مهنة معروفة قديما ومشهورة حديثا.
هـ- صناعة الجلود: قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} (2) قال ابن كثير: {مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا} (3) أي: من الأدم، يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر. . . " (4) اهـ.
وأخرج البخاري في الصحيح بسنده من حديث سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صارت شنا (5). وأخرج مسلم بسنده من حديث عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) انظر فتح الباري 3/ 143 رقم 1277.
(2)
سورة النحل الآية 80
(3)
سورة النحل الآية 80
(4)
تفسير ابن كثير 4/ 509.
(5)
انظر فتح الباري 11/ 569 رقم 6686.
«إذا دبغ الإهاب فقد طهر (1)» .
إن صناعة الجلود قديما وحديثا مهنة معروفة، تدر على أهلها أموالا طائلة، وخاصة في الأعصار المتأخرة، حيث أصبحت الجلود مادة خاما مهمة جدا لنمو كثير من الصناعات الجلدية، مثل: الأحذية، وبعض الملابس، وبعض الأثاث المهم للناس، على مستويات متعددة، ومتنوعة، وقد أنشئت لهذه الجلود كثير من المصانع المهمة والمتطورة للاستفادة منها.
وحرفة النجارة (صناعة الخشب): أخرج مسلم في الصحيح بسنده من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان زكريا نجارا (2)» .
إن وجود الغابات الكبيرة والعظيمة في كثير من أقطار العالم له أهميته؛ حيث تقطع هذه الأشجار، وتنشأ لها المصانع والمناجر الضخمة، وتصدر إلى جميع أقطار الدنيا. وتستخدم الأخشاب في صناعة متطلبات الحياة؛ من منازل، وسفن، وسيارات، وقطارات، وغير ذلك.
وأصحاب هذه المهنة المعروفة منذ القدم يغلون ثروات كبيرة؛ لأنها من أسباب حصول الأزراق.
ز- الصناعة العمرانية: وهي الأبنية والقصور المشيدة؛ قال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (3){الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (4){وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} (5) وقال سبحانه: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} (6)
(1) صحيح مسلم 1/ 273 رقم 366.
(2)
صحيح مسلم 4/ 1847 رقم 2379.
(3)
سورة الفجر الآية 7
(4)
سورة الفجر الآية 8
(5)
سورة الفجر الآية 9
(6)
سورة الأعراف الآية 74