المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: مناقشة أدلة الجمهور: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌تنبيه:

- ‌أولا: سد الذرائع:

- ‌ثانيا: الحاجز الذي ينبغي أن يكون بين المصلي والمقبرة التي تكون أمامه:

- ‌ استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة

- ‌ رجل حينما ينتقض عليه وضوءه بسبب البول يتأخر برؤه

- ‌ توضأ قبل أن يستنجي وبعد أن توضأ استنجى

- ‌ هل يلزم الإنسان أن يستنجي كل مرة يريد أن يتوضأ فيها

- ‌ ينزل من قمة الذكر ماء أبيض أو ماء مثل الصمغ ويتيمم بالتراب

- ‌ حديث: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم صيام الثالث عشر

- ‌الشهر كله محل لصيام ثلاثة أيام وكونها في البيض أفضل

- ‌الأيام البيض تصام على حسب التقويم وللمسلم جمعها وتفريقها

- ‌النوافل يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها

- ‌يستحب صيام الأيام البيض ولو من شعبان

- ‌من لم يكمل صيام الأيام البيض يحسب له أجر ما صام منها

- ‌صيام الاثنين والخميس

- ‌فضل صيام الاثنين والخميس على الأيام البيض

- ‌حكم قضاء الست بعد شوال

- ‌المشروع تقديم القضاء على صوم الست

- ‌صيام الست سنة وليس بواجب ومن لم يستطع إكمالها لعذر شرعي

- ‌لا حرج في وصل صوم القضاء بصوم الست من شوال

- ‌حديث النهي عن صوم يوم السبت غير صحيح

- ‌جواز صوم يوم السبت تطوعا

- ‌حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌ما جاء في صيام عشر ذي الحجة من أحاديث والجمع بينها

- ‌ليلة القدر هي أفضل الليالي

- ‌ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

- ‌قد ترى ليلة القدر بالعين

- ‌ما هو الاعتكاف

- ‌يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة

- ‌حكم التفرغ للعبادة في رمضان

- ‌‌‌الماتريديةربيبة الكلابية

- ‌الماتريدية

- ‌ التعريف:

- ‌ النشأة والتطور:

- ‌ مصادر التلقي:

- ‌ الأصول والمبادئ:

- ‌ أشهر الرجال والفرق:

- ‌ الانتشار في العصر الحاضر:

- ‌ التقويم:

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌الكلابية

- ‌ التعريف:

- ‌ النشأة والتطور:

- ‌ مصادر التلقي:

- ‌ الأصول والمبادئ:

- ‌ أشهر الرجال والفرق:

- ‌ الانتشار في العصر الحاضر:

- ‌ التقويم:

- ‌ مراجع للتوسع:

- ‌حكم الطهارة من الحدث للطواف

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: المراد بالطهارة:

- ‌المطلب الثاني: أقوال العلماء:

- ‌المطلب الثالث: تحرير رأي ابن تيمية في المسألة:

- ‌المطلب الرابع: الأدلة:

- ‌المطلب الخامس: مناقشة أدلة الجمهور:

- ‌المطلب السادس: الرأي المختار، وسبب الاختيار:

- ‌الخاتمة:

- ‌الرزق: مصدره، أسباب حصوله وزيادته، حلاله وحرامه

- ‌التمهيد:

- ‌الرزق دلالة ومفهوما:

- ‌علاقة الرزق بالقضاء والقدر:

- ‌الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر:

- ‌مصدر الرزق:

- ‌الله طيب لا يقبل إلا طيبا:

- ‌الإنفاق من فضل الله واجب شرعي ودليل إيماني:

- ‌أمر الله عباده الصالحين بالأكل من الطيبات:

- ‌شروط الرزق الحلال:

- ‌أسباب حصول الرزق وزيادته:

- ‌ إقامة الصلاة:

- ‌ تقوى الله:

- ‌ الاستغفار:

- ‌ الإنفاق والسخاء:

- ‌ التوكل على الله:

- ‌ صلة الأرحام:

- ‌ فعل الطاعات:

- ‌ الحج والعمرة:

- ‌ تلاوة القرآن:

- ‌ البكور:

- ‌ التزوج بالنساء الصالحات:

- ‌ إنجاب الأولاد:

- ‌ حمد الله تعالى وشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة:

- ‌ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك:

- ‌ قضاء الحوائج وتفريج الكربات:

- ‌ الدعاء:

- ‌ الغنائم والفيء:

- ‌ العمل الوظيفي:

- ‌ الجعل والإجارة:

- ‌ الوصايا:

- ‌ الإرث:

- ‌ الصداق:

- ‌ ما يأخذه المحتاج من أموال الزكاة والصدقة:

- ‌ ما يؤخذ من النفقة الواجبة:

- ‌ التجارة والسفر لابتغاء الرزق:

- ‌ الرعي:

- ‌ الزراعة وإحياء الموات:

- ‌ الصيد:

- ‌ الاحتطاب:

- ‌ اللقطة:

- ‌ استخراج ما في باطن الأرض من معادن:

- ‌ الصناعة:

- ‌الأسباب المنقصة للرزق:

- ‌الرزق الحرام:

- ‌مسألة التحلل الأول في الحج

- ‌اختلاف أهل العلم فيما يحصل به التحلل الأول للمحرم:

- ‌حصول التحلل الأول برمي جمرة العقبة وحدها:

- ‌حصول التحلل الأول بفعل اثنين من الثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف بالبيت:

- ‌أدلة مذاهب أهل العلم في التحلل الأول من الإحرام:

- ‌مسألة: هل يتم التحلل بدون السعي لمن عليه سعي

- ‌مسألة: بأي شيء يكون التحلل من العمرة

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءعن حكم الزواج المدني

- ‌دعوة إلى مساعدة مسلمي كوسوفا

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الخامس: مناقشة أدلة الجمهور:

الثاني: وقالوا: إن الأصل براءة الذمة. وعدم وجوب الطهارة إلا بالدليل ولا دليل صريح صحيح على وجوبها (1).

(1) سيأتي مزيد تفصيل لأدلة هذا القول وحججه عند الحديث على مناقشة أدلة الجمهور.

ص: 184

‌المطلب الخامس: مناقشة أدلة الجمهور:

لما كانت هذه المسألة من أهم المسائل التي دار فيها الخلاف - مما يتعلق بالطواف- ويتكرر الكلام فيها وإثارتها في كل عام خاصة مع النساء الحيض، اللاتي يأتيهن الدم قبل أن يطفن للزيارة، ويتعذر عليهن البقاء بمكة إلى حين أن يطهرن، فهل يطفن وهن حائضات، لأنه لا دليل صريح على اشتراط الطهارة؟ أم أنهن يدخلن في حكم أهل الضرورة، فيصح الطواف منهن لا من غيرهن لأنهن مضطرات إلى ذلك، أم أن الطهارة شرط لصحة الطواف، فلا يصح إلا بالطهارة منهن أو من غيرهن. . . إلخ؟ لما كانت هذه المسألة من أهم المسائل أطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الكلام عليها، وناقش أدلة المشترطين للطهارة القائلين بعدم صحة طواف الحائض، وإن كانت مضطرة للرجوع إلى بلدها.

ص: 184

وسأشير إلى خلاصة ما ناقش به الجمهور في أدلتهم وقولهم، وما يمكن أن يجاب على ذلك- سائلا الله التوفيق والسداد- جاعلا ذلك في ثلاثة جوانب، ليتسنى إيضاح ذلك مرحلة مرحلة دون تداخل بينها.

الجانب الأول: القول بوجوب الطهارة في الطواف.

الجانب الثاني: القول باشتراطها لصحة الطواف.

الجانب الثالث: القول بعدم صحة طواف الحائض، ولو اضطرت لذلك.

الجانب الأول: القول بوجوب الطهارة في الطواف:

ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القائلين بوجوب الطهارة من عدة جوانب يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 -

عدم ورود الدليل الموجب للطهارة في الطواف.

2 -

عدم ورود الدليل المانع للمحدث من الطواف.

3 -

الأدلة على عدم وجوب الطهارة في الطواف.

1 -

عدم ورود الدليل الموجب للطهارة في الطواف:

من المقرر لدى العلماء أن الأصل براءة الذمة وعدم إشغالها إلا بدليل يقتضي ذلك، ولذا ذهب شيخ الإسلام إلى أن الطهارة من الحدث لا تشترط في الطواف، لعدم الأدلة على الوجوب فقال: " فليست محظورات الصلاة محظورة فيه ولا واجبات الصلاة واجبات فيه، كالتحليل والتحريم. فكيف يقال: إنه مثل الصلاة فيما يجب لها ويحرم فيها؟ فمن أوجب له الطهارة الصغرى فلا بد له من دليل شرعي، وما أعلم ما يوجب ذلك.

ص: 185

فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه " (1).

وقال ابن القيم: " لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عمره ولا في حجته، مع كثرة من حج معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع "(2).

2 -

عدم ورود الدليل المانع للمحدث من الطواف:

وتقرير هذا الأمر كسابقه، فكما أن الأصل براءة الذمة، وعدم إشغالها إلا بدليل يقتضي ذلك، فإن القول: بعدم صحة طواف المحدث، أو القول: بمنعه من الطواف. يقتضي تكليفه بالتطهر للطواف، وإشغال لذمته بوجوب الطهارة للطواف. وهذا الرفع للبراءة الأصلية لا بد من دليل شرعي يدل عليه، وليس هناك دليل مسلم يمنع المحدث من الطواف. يقول شيخ الإسلام في تقرير ذلك:

" والاحتجاج بقوله: «الطواف بالبيت صلاة (3)» حجة ضعيفة، فإن غايته أن يشبه بالصلاة في بعض الأحكام، وليس المشبه كالمشبه به من كل وجه، وإنما أراد أنه كالصلاة في اجتناب المحظورات التي تحرم خارج الصلاة. . . فليست محظورات الصلاة محظورة فيه "(4). وقال: " ولم تأت سنة تمنع المحدث منه "(5).

(1) مجموع الفتاوى 26/ 199

(2)

تهذيب السنن 1/ 52

(3)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(4)

مجموع الفتاوى 26/ 198، 199

(5)

المرجع السابق 26/ 202

ص: 186

3 -

الأدلة على عدم وجوب الطهارة في الطواف:

يمكن إجمال هذه الأدلة التي بثها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في ثنايا بحثه ومناقشاته. فيما يلي:

أ- صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا بكر عام تسع لما أمره على الموسم، ينادي:«ألا يطوف بالبيت عريان (1)» ولم ينقل أحد عنه أنه أمر الطائفين بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، كما أمر المصلين (2).

أي: فدل ذلك على أن الطهارة ليست واجبة، إذ لو كانت واجبة لأمر بها، فأمر أبا بكر أن ينادي: ألا يطوف بالبيت إلا طاهر.

ب- الأصل عدم وجوب الطهارة حتى يرد الدليل، ولا دليل على وجوبها.

ذلك أن الأصل ألا تشغل الذمة بشيء إلا بدليل يدل على ذلك، وقد تقدم بيان أن الشارع لم يأمر بالطهارة للطواف، ولم ينه المحدث عن الطواف. فالأصل براءة الذمة وأن الطهارة ليست واجبة في الطواف. وليس القول بوجوب الطهارة أيضا محل إجماع. بل مجال نظر واجتهاد، فليس لأحد أن يحتج

(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (3092).

(2)

مجموع الفتاوى 26/ 176

ص: 187

بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص أو الإجماع، أو دليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء.

ج- مناقشة أدلة الموجبين للطهارة:

ليس كل من استدل بدليل صح دليله، أو استقام استدلاله، فإذا أمكن مناقشة أدلة الموجبين للطهارة وبيان ضعفها، كان الرجوع إلى الأصل من براءة الذمة وعدم إلزامها بشيء، أمرا لازما لا مناص منه لكل منصف.

ونأخذ ذلك دليلا دليلا:

1 -

حديث عائشة رضي الله عنها وأن أول شيء بدأ به عليه الصلاة والسلام حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت.

في الواقع لم أقف له على مناقشة لهذا الحديث لكن لعله يمكن القول في مناقشته:

ليس في الحديث ما يدل على اشتراط الطهارة أو وجوبها، إذ لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بها، أو نهاهم عن الطواف محدثين، غاية ما يدل عليه الحديث استحباب الطهارة في الطواف. وهذا لا خلاف فيه.

ص: 188

2 -

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «الطواف بالبيت صلاة (1)» . . . .

الجواب عن هذا الحديث من وجهين:

الأول: أن هذا الحديث ضعيف، لم يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح وقفه على ابن عباس.

والثاني: غاية ما في هذا الحديث تشبيه الطواف بالصلاة في بعض الأحكام، ولا يعني ذلك أنه يشبهها من كل الوجوه، ولا أنه يشترط له ما يشترط لها من الطهارة. وإنما أراد أنه كالصلاة في اجتناب المحظورات التي تحرم خارج الصلاة. فالفوارق بين الطواف والصلاة أكثر من الجوامع، فإنه يباح فيه الكلام، والأكل، والشرب، والعمل الكثير، وليس فيه تحريم ولا تحليل، ولا ركوع ولا سجود، ولا قراءة ولا تشهد، وإنما اجتمع هو والصلاة في عموم كونه طاعة وقربة، وخصوص كونه متعلقا بالبيت. وهذا لا يعطيه شروط الصلاة، كما لا يعطيه واجباتها وأركانها.

بل إن قياس الحج على الصلاة غير صحيح إذ كيف يقاس ما يجب في العمر مرة واحدة، بما يجب في اليوم والليلة خمس

(1) سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

ص: 189

مرات، وإذا لم يصح قياسه على الصلاة فكيف يقاس بعض أفعاله وهو الطواف بالصلاة؟!

وغاية ما يمكن قوله أن يشبه بالصلاة في اشتراط الطهارة، وهذا لا يقتضي المنع من الطواف عند العجز عنها كشروط الصلاة.

3 -

حديث عائشة رضي الله عنها وقوله صلى الله عليه وسلم: «واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت (1)» ومثله حديث «أحابستنا هي (2)» ؟.

والجواب عنه:

أن الحديث يدل على منع الحائض من الطواف وليس فيه ما يدل على منع المحدث، أو إيجاب الطهارة من الحدث. ومنعها من الطواف، لأنه مختص بالمسجد، وهي ممنوعة منه لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (3)» .

وسيأتي مزيد مناقشة لهذا الاستدلال عند الحديث على الجانب الثالث.

4 -

قولهم: إنها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة شرطا فيه كالصلاة.

(1) صحيح البخاري الحيض (294)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي الطهارة (290)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273).

(2)

صحيح البخاري المغازي (4401)، سنن أبو داود المناسك (2003)، سنن ابن ماجه المناسك (3072)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 82)، موطأ مالك الحج (822)، سنن الدارمي المناسك (1917).

(3)

رواه أبو داود في الطهارة، باب في الجنب يدخل المسجد 1/ 60 (232)، وابن خزيمة 2/ 284 (1327) وقد ضعف الحديث جماعة منهم: البيهقي، وابن حزم، وعبد الحق الأشبيلي وغيرهم ووافقهم الألباني، وصححه آخرون منهم: ابن خزيمة، والشوكاني، وحسنه ابن القطان، وقال ابن سيد الناس: ولعمري، إن التحسين لأقل مراتبه. انظر: معالم السنن 1/ 77، نصب الراية 1/ 193، تلخيص الحبير 1/ 139، تحفة المحتاج لابن الملقن 1/ 203، نيل الأوطار 1/ 229، الإرواء1/ 196.

ص: 190

والجواب عنه من وجهين:

(أحدهما) ليس كل عبادة متعلقة بالبيت يجب لها الطهارة فضلا عن اشتراطها. فالنظر إلى البيت عبادة ولا يشترط له الطهارة. واشتراط الطهارة للصلاة لا لكونها متعلقة بالبيت بل لكونها صلاة. ولهذا اشترطت لها قبل التحول إلى الكعبة، وفي صلاة النافلة ولو كان غير متوجه لها.

(الثاني) أن هذا القياس معارض بمثله. إذ يقال: عبادة من شرطها المسجد، فلم تكن الطهارة شرطا فيها كالاعتكاف. وقد قال الله تعالى:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1).

وليس إلحاق الطائفين بالركع السجود أولى من إلحاقهم بالعاكفين، بل إلحاقهم بالعاكفين أشبه. فإن المسجد شرط في كل منهما بخلاف الركع السجود.

فإن قيل: الطائف لا بد أن يصلي ركعتي الطواف، والصلاة لا تكون إلا بطهارة.

فالجواب عليه: أن وجوب ركعتي الطواف فيه نزاع، ولو قيل: بوجوبهما، لم تجب الموالاة بينهما وبين الطواف. وليس اتصالهما بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة، ولو خطب محدثا ثم توضأ وصلى الجمعة جاز، فجواز طوافه محدثا ثم يتوضأ ويصلي ركعتي الطواف أولى بالجواز.

الجانب الثاني: القول باشتراط الطهارة لصحة الطواف:

ناقش شيخ الإسلام رحمه الله القول باشتراط الطهارة لصحة

(1) سورة البقرة الآية 125

ص: 191

الطواف من وجوه:

1 -

أن التسليم بدلالة الأحاديث على وجوب الطهارة، لا يلزم منه التسليم باشتراطها. وقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى القول بوجوب الطهارة، ولم يجعلوا ذلك شرطا لصحته، فلو طاف محدثا صح طوافه وأجزأه وعليه دم لإخلاله بهذا الواجب، فالقول باشتراط الطهارة لصحة الطواف لم يدل عليه نص، ولا إجماع، بل فيه النزاع قديما وحديثا.

2 -

أن غاية أدلة المشترطين للطهارة قوله: «الطواف بالبيت صلاة (1)» . وعلى التسليم بدلالة الحديث على وجوب الطهارة، لا يلزم منه القول باشتراطها. للفوارق الكثيرة بين الصلاة والطواف، فلا يلزم من اشتراط ذلك في الصلاة اشتراطه في الطواف.

الجانب الثالث: القول بعدم صحة طواف الحائض، ولو اضطرت لذلك:

لعل محور كلام شيخ الإسلام رحمه الله دائر على هذا الجانب، فقد أشار إلى أن هذه المسألة مما عمت بها البلوى واحتاجها الناس ولم يجد للعلماء قبله في ذلك تفصيلا فلذلك خاض غمارها، وكشف أستارها، وسبر أغوارها.

إذ قال: " ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علما وعملا لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري، فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به "(2). وقد ناقش مسألة طواف الحائض من جهتين:

(1) سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(2)

مجموع الفتاوى، 26/ 241.

ص: 192

(الأولى) علة منع الحائض من الطواف.

(الثانية) منع الحائض من الطواف عند الضرورة مخالف لمقاصد الشريعة.

(الأولى) علة منع الحائض من الطواف:

ناقش شيخ الإسلام رحمه الله علة منع الحائض من الطواف وأنها لا تخلو من أحد ثلاثة أمور:

1 -

أن يكون ذلك لحرمة المسجد.

2 -

أن يكون ذلك للطواف نفسه لأنها ممنوعة منه.

3 -

أن يكون لمجموعهما، بحيث لو انفرد أحدهما لم يحرم.

1 -

منع الحائض من الطواف لحرمة المسجد:

أشار رحمه الله إلى أن المنع قد يكون لحرمة المسجد، لأن الحائض ممنوعة من اللبث فيه.

(فأجاب عن ذلك): بالفرق بين اللبث والمرور، إذ قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد أذن للحائض بالمرور بالمسجد، ولم يأذن باللبث فيه (1)، ولهذا ذهب أكثر العلماء كالشافعي، وأحمد وغيرهما إلى الفرق بين المرور واللبث، جمعا بين الأحاديث.

(1) كما في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض.

ص: 193

ومقتضى هذا إلحاق الطواف بالمرور، لا باللبث، فلا تكون ممنوعة منه، خاصة إذا احتاجت إليه.

ولو قيل: بأن الطواف لبث بالمسجد، وهي ممنوعة من ذلك لحرمة المسجد.

فالجواب: إن لبث الحائض في المسجد للضرورة جائز كما لو خافت من يقتلها إذا لم تدخل المسجد، أو كان البرد شديدا. . .، فيجوز لها حينئذ الطواف للضرورة، كما يباح سائر المحرمات مع الضرورة.

2 -

منع الحائض من الطواف لمعنى في نفس الطواف:

هذا المنع لا يقتضي أن يكون الحيض مانعا من صحة الطواف، ولا أن تكون الطهارة منه شرطا لصحة الطواف، بل قد يكون واجبا، فيصح طوافها وتجبره بدم. كمذهب أبي حنيفة والرواية الثانية عن أحمد.

فاشتراط الطهارة من الحيض لصحة الطواف ليس محل إجماع، بل مجال نظر واجتهاد، والخلاف فيه قديم، وممن نقل عنهم التسهيل في هذا عطاء، إذ نقل عنه في ذلك أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف، فإنها تتم طوافها. فهذا صريح عن عطاء

ص: 194

أن الطهارة من الحيض ليست شرطا. وقوله مما اعتد به أحمد. وممن نقل عنهم ذلك عائشة رضي الله عنها فقد قال سعيد بن منصور: ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين، فأتمت بها عائشة بقية الطواف (1).

والناس إنما تلقوا منع الحائض من الطواف من حديث عائشة (2).

ولو سلم القول باشتراط الطهارة من الحيض لصحة الطواف. فلا يلزم من ذلك عدم صحة الطواف منها عند العجز منه للضرورة، يبين ذلك أن ستر العورة شرط لصحة الطواف، بل إن اشتراطه أصرح من اشتراط الطهارة، والنهي عنه آكد لوجوه:

أحدها: أن طواف العريان منهي عنه بالقرآن والسنة، وطواف الحائض منهي عنه بالسنة وحدها.

الثاني: أن كشف العورة حرام في الطواف وخارجه.

الثالث: أن طواف العريان أقبح شرعا وعقلا وفطرة من طواف الحائض. فإذا صح طوافها مع العري للحاجة، فصحة طوافها مع الحيض للحاجة أولى وأحرى.

ومما يؤكد ذلك أن وجوب الطهارة في الصلاة آكد من

(1) انظر: القرى ص 265، هداية السالك 2/ 763

(2)

إن صح ذلك عنها، كان مذهبا لها، وروايتها مقدمة على رأيها. انظر: القرى للطبري ص 265.

ص: 195

وجوبها في الطواف. فإن الصلاة بلا طهارة مع القدرة باطلة بالاتفاق، وأما طواف الحائض بغير عذر ففي صحته قولان مشهوران، وإذا كانت شروط الصلاة تسقط للعجز عنها، فسقوطها في الطواف عند العجز عنها أولى وأحرى.

3 -

منع الحائض من الطواف للأمرين السابقين:

إن كان منعها من الطواف لمجموع السببين السابقين، كان الكلام على هذا التقدير كالكلام على التقديرين الأولين. قال ابن القيم:" وبالجملة فلا يمتنع تخصيص العلة لفوات شرط، أو لقيام مانع "(1).

(الثانية) منع الحائض من الطواف عند الضرورة مخالف لمقاصد الشريعة:

أشار رحمه الله إلى الاحتمالات التي يمكن أن تؤمر بها الحائض، وقد أوصلها إلى خمسة احتمالات، وزادها ابن القيم ثلاثة فكملت بذلك ثمانية احتمالات، لا يمكن أن تؤمر الحائض بغيرها، ثم فندها واحدا واحدا، حتى لم يبق إلا الوجه الذي اختاره.

وسأشير إلى كل واحد من هذه الاحتمالات وجوابه عليها باختصار:

1 -

أن يقال لها: أقيمي بمكة وإن رحل الركب حتى تطهري وتطوفي، وإن حصل لها بالمقام بمكة ما حصل من الضرر.

الجواب عليه: إن هذا لا يجوز أن تؤمر به الحائض، لما فيه من الفساد في دينها ودنياها ما يعلم بالاضطرار أن الله ينهى

(1) إعلام الموقعين 3/ 35.

ص: 196

عنه فضلا عن أن يأمر به.

2 -

أن يقال لها: أن ترجع من غير طواف، وتبقى على ما هي عليه من إحرامها، إلى أن يمكنها الرجوع ويمتنع عليها أن تتزوج، وإن كانت ذات زوج أن يقربها زوجها، ولو أقامت على ذلك سنين.

والجواب عليه: إن هذا لا يجوز أن تؤمر به الحائض أيضا، لثلاثة أوجه:

أ- أن الله لم يأمر أحدا أن يبقى محرما إلى أن يموت، ولا خلاف بين العلماء أن المحصر إذا كان دوام الإحرام يحصل به ضرر يزول بالتحلل، فله التحلل ولو كان الإحصار بمرض. ومعلوم أن هذه المرأة إذا دام إحرامها تبقى ممنوعة من الوطء، وفي هذا ضرر كبير.

ب- أن هذه إذا أمكنها العود فعادت مع الوفد يمكن أن يصيبها الحيض مدة مقامهم بمكة، فيلزمها أن تعود مرة أخرى.

ج- أن في هذا القول إيجاب سفرين كاملين على الإنسان للحج من غير تفريط منه ولا عدوان، وهذا خلاف الأصول.

3 -

أن يقال: إذا عجزت عن المقام حتى تطهر، فلها أن تتحلل كما يتحلل المحصر مع بقاء الحج في ذمتها، فمتى قدرت

ص: 197

على الحج لزمها.

الجواب عليه: أن الإحصار أمر عارض يمنع من الوصول إلى البيت في وقت الحج، وهذه متمكنة من البيت، فجعلها كالمحصر موجب للقول بعدم وجوب الحج عليها؛ لأن المسلم لا يؤمر بحج يحصر فيه، فقيام العذر الموجب للتحلل بالإحصار يمنع إيجاب الحج عليها ابتداء، ويلزم من هذا القول القول الرابع وهو:

4 -

أن يقال: لا يجب الحج على المرأة إذا علمت أو غلب على ظنها أنها تحيض في أيام الحج، وهي عاجزة عن البقاء للطواف.

والجواب عليه: أن هذا القول يلزم منه سقوط الحج عن كثير من النساء، وهذا باطل فإن العبادات لا تسقط بالعجز عن بعض شرائطها، ولا عن بعض أركانها، بل يفعل المقدور عليه؛ لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (2)» . وبالجملة فهذا القول لا يعلم به قائل.

(1) سورة التغابن الآية 16

(2)

متفق عليه، رواه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) 8/ 142، ومسلم في الحج، باب فرض الحج مرة في العمر9/ 100.

ص: 198

وقبل أن أشير إلى الاحتمال الخامس الذي ارتضاه، أشير إلى الاحتمالات الثلاثة التي أوردها ابن القيم، وإن كانت مبثوثة في ثنايا كلام ابن تيمية، وهي:

5 -

أن يقال: يسقط طواف الإفاضة للعجز عن شرطه.

الجواب عليه: أن هذا مع أنه لا قائل به، فلا يمكن القول به؛ لأنه ركن الحج الأعظم، وهو الركن المقصود لذاته.

6 -

أن يقال: إذا علمت أو خشيت مجيء الحيض في وقته، جاز لها أن تقدمه على وقته، فتطوف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة.

الجواب عليه: أن هذا كسابقه لا يعلم به قائل، وهو يختلف عما نقله البصريون عن مالك فيمن طاف وسعى قبل التعريف، ثم رجع إلى بلده ناسيا، أو جاهلا، أن هذا يجزيه عن طواف الإفاضة؛ لأن هذا معذور، بخلاف من طاف متعمدا.

7 -

أن يقال: لها أن تستنيب من يحج عنها كالمعضوب، وقد أجزأ عنها الحج، وإن انقطع حيضها بعد ذلك.

الجواب عليه: أن هذا كسابقيه لا يعرف به قائل، وذلك لأن المعضوب الذي يجب عليه الاستنابة هو الذي أيس من زوال عذره، فلو كان يرجو زوال عذره كالمرض العارض، لم يكن له أن يستنيب، وهذه لا تيأس من زوال عذرها، لجواز أن تبقى إلى زمن اليأس وانقطاع الدم. وهو رجوع إلى الاحتمال الرابع.

وحيث ردت الاحتمالات السبعة المتقدمة، وتبين فساد القول بها، لم يبق إلا الاحتمال الثامن، والذي يتعين القول به.

وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه عليه تلميذه ابن القيم

ص: 199