الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة مذاهب أهل العلم في التحلل الأول من الإحرام:
لم أجد دليلا لقول من قال: التحلل الأول يحصل بالحلق أو التقصير فقط.
وأما قول من قال: يحصل التحلل الأول من الإحرام بالرمي وحده، فدليله حديث عائشة، وأم سلمة، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء» .
أخرجه أبو داود (1) وأشار إليه الدارقطني (2)، والطحاوي (3) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة به.
قال أبو داود: هذا حديث ضعيف؛ الحجاج لم ير الزهري، ولم يسمع منه.
وأخرجه أحمد (4)، وابن خزيمة (5)، والدارقطني (6)، والطحاوي (7) وابن أبي شيبة (8)
(1) سنن أبي داود (2/ 499) رقم (1978).
(2)
سنن الدارقطني (2/ 276) رقم (187).
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 228).
(4)
مسند أحمد (6/ 143).
(5)
صحيح ابن خزيمة (4/ 302) رقم (2937).
(6)
سنن الدارقطني (2/ 276) رقم (185، 186، 187).
(7)
شرح معاني الآثار (2/ 228).
(8)
الجزء المفقود ص 241 رقم (186).
وإسحاق (1)، والبيهقي (2)، وأبو يعلى (3) من طريق الحجاج بن أرطاة أيضا عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم وحلقتم، فقد حل لكم الطيب والثياب إلا النكاح» .
قال البيهقي: هذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة.
وقال الزيلعي: " قال الدارقطني: لم يروه غير الحجاج بن أرطاة "(4). وقال الحافظ ابن حجر: " ومداره على الحجاج، وهو ضعيف، ومدلس. وقال البيهقي: إنه من تخليطاته "(5) اهـ.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر. قالت: فصار إلي. قالت: فدخل علي وهب بن زمعة، ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب: "هل أفضت بعد أبا عبد الله "؟ قال: لا والله يا رسول الله. قال: " انزع عنك القميص " قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه. ثم قالوا: ولم يا رسول الله؟ قال: " إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن
(1) مسند إسحاق بن راهويه (2/ 431) رقم (452، 453، 454).
(2)
سنن البيهقي (5/ 136).
(3)
مسند أبي يعلى (7/ 441) رقم (4464).
(4)
نصب الراية (3/ 81).
(5)
تلخيص الحبير (2/ 260).
تحلوا- يعني من كل ما حرمتم منه إلا من النساء- فإذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به». . . الحديث. أخرجه أحمد (1) وأبو داود (2)، والحاكم (3)، والبيهقي (4)، من طريق محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، به.
قال النووي: " وهذا الإسناد صحيح، والجمهور على الاحتجاج بمحمد بن إسحاق إذا قال: " حدثنا "، وإنما عابوا عليه التدليس. والمدلس إذا قال: " حدثنا " احتج به. وإذا ثبت أن الحديث صحيح، فقد قال البيهقي: " لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به " هذا كلام البيهقي. قلت: فيكون الحديث
(1) مسند أحمد (6/ 295).
(2)
سنن أبي داود (2/ 509) رقم (1999).
(3)
المستدرك (1/ 489).
(4)
سنن البيهقي (5/ 136).
منسوخا، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا ينسخ، ولا ينسخ، لكن يدل على ناسخ. والله أعلم " (1) اهـ.
قلت: ونص البيهقي هكذا: " وقد رويت تلك اللفظة في حديث أم سلمة، مع حكم آخر، لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول بذلك " اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: " وذكر ابن حزم أنه مذهب عروة بن الزبير "(2) اهـ.
قلت: ابن حزم لم يصحح الحديث.
وإليك نصه: " ولا يصح؛ لأن أبا عبيدة، وإن كان مشهور الشرف والجلالة في الرياسة، فليس معروفا بنقل الحديث، ولا معروفا بالحفظ، ولو صح لقلنا به مسارعين إلى ذلك. وقد قال به عروة بن الزبير "(3) اهـ.
قلت: أبو عبيدة وثقه الحافظ الذهبي في الكاشف. وقال الحافظ في التقريب: مقبول. أما المتنازع فيه من الحديث فلفظ: «فإذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به» . أما لفظ: «إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء» -فما زال أهل العلم يستدلون به على حصول التحلل الأول بالرمي، والحلق معا، كما فعل ابن قدامة (4)
(1) المجموع شرح المهذب (8/ 165).
(2)
التلخيص الحبير (2/ 260).
(3)
المحلى لابن حزم (7/ 189).
(4)
المغني لابن قدامة (5/ 309).
والزيلعي (1) وعلى حصوله بالرمي فقط كما فعل ابن قدامة أيضا (2).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل: والطيب؟ فقال ابن عباس: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذاك أم لا؟» أخرجه الإمام أحمد هكذا مرفوعا، من طريق وكيع، ثنا سفيان عن سلمة، عن الحسن العرني، عن ابن عباس، به (3).
قال النووي: " هكذا رواه النسائي وابن ماجه مرفوعا، وإسناده جيد إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا: يقال: إن الحسن العرني لم يسمع ابن عباس. ورواه البيهقي موقوفا على ابن عباس، والله تعالى أعلم "(4) اهـ.
قلت: الحديث جاء من طريق وكيع أيضا، وعبد الرحمن بن مهدي عند أحمد (5) ومن طريق يزيد هو ابن هارون عند أحمد
(1) نصب الراية (3/ 81).
(2)
المغني (5/ 310).
(3)
مسند الإمام أحمد (1/ 134).
(4)
المجموع شرح المهذب (8/ 163).
(5)
مسند أحمد (1/ 344).
أيضا (1) ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عند النسائي (2)، وابن ماجه (3) ومن طريق وكيع وعبد الرحمن بن مهدي عند ابن ماجه أيضا (4)، ومن طريق وكيع عند ابن أبي شيبة (5)، ومن طريق أبي عاصم وهو الضحاك بن مخلد النبيل عند الطحاوي (6)، ومن طريق عبد الرزاق وابن وهب عند البيهقي (7) -ثمانيتهم عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن بن عبد الله العرني، عن ابن عباس، موقوفا عليه.
وعلى هذا لم يروه النسائي وابن ماجه مرفوعا حسب ما وقفت عليه، وإنما جاء مرفوعا عند أحمد كما تقدم فقط. وأكثر ما فيه أنه قال له رجل:" والطيب؟ " فقال: " أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب هو؟.
قال الطحاوي: " وفيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، ولم يخبر بالوقت الذي فعل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد يجوز أن يكون ذلك من
(1) مسند أحمد (1/ 369).
(2)
سنن النسائي (5/ 277).
(3)
سنن ابن ماجه (2/ 1011) رقم (3041).
(4)
سنن ابن ماجه (2/ 1011) رقم (3041).
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود ص 241.
(6)
شرح معاني الآثار (2/ 229).
(7)
سنن البيهقي (5/ 136).، ومحمد بن كثير عند الطبراني 05 الكبير للطبراني (12/ 140) رقم (12705).
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحلق، ويجوز أن يكون بعده.
إلا أن أولى الأشياء بنا، أن نحمل ذلك على ما يوافق ما قد ذكرناه عن عائشة رضي الله عنها، لا على ما يخالف ذلك، فيكون ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من ذلك كان بعد رميه الجمرة، وحلقه، على ما في حديث عائشة رضي الله عنها " (1) اهـ.
هذا من حيث دلالة الحديث على المسألة، أما من حيث إسناده فقال الشوكاني:" قال في البدر المنير: إسناده حسن، كما قاله المنذري، إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا: يقال: إن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس "(2) اهـ.
قلت: وقال العلائي في الحسن العرني: " قال أحمد بن حنبل: لم يسمع من ابن عباس شيئا "(3) اهـ.
وقال الحافظ في التقريب: ثقة أرسل عن ابن عباس وهو من الرابعة.
الحاصل: أن الحديث فيه مقال، لكن قال عبيد الله المباركفوري:" وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، فيصح الاحتجاج بها على أنه يحل بالرمي كل محرم من محرمات الإحرام سوى النساء "(4) اهـ.
(1) شرح معاني الآثار (2/ 229).
(2)
نيل الأوطار (5/ 81)، والسيل الجرار (2/ 205).
(3)
جامع التحصيل ص (166) رقم (136).
(4)
مرقاة المفاتيح (9/ 323).
وقد استدل بعضهم (1) بحديث عائشة رضي الله عنها، على أن الرمي وحده يحصل به التحلل الأول. وذلك بلفظ: قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع، للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة، يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت» . أخرجه أحمد (2)، وأبو عوانة (3) وعزاه الحافظ ابن حجر للإسماعيلي (4)، من طريق روح - وهو ابن عبادة - ثنا ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة، قالت. . . إلخ.
قلت: الحديث بهذا اللفظ تفرد به روح، عن ابن جريج وقد خالفه جماعة، رووه عن ابن جريج بهذا الإسناد نفسه، بدون زياده:«حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة، يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت» . فرواه عثمان بن الهيثم بن الجهم العبدي عند البخاري (5)، وأبي عوانة (6). ورواه محمد بن بكر البرساني عند أحمد (7)، ومسلم (8)، وأبي بكر
(1) انظر (حجة الوداع) للألباني، الطبعة السابعة 1405 هـ، ص (81)، و (المنهاج) للشريم ص (77).
(2)
مسند أحمد (6/ 244)
(3)
مسند أبي عوانة، القسم المفقود ص (300).
(4)
فتح الباري (10/ 372).
(5)
صحيح البخاري (7/ 61)، كتاب اللباس، باب الذريرة رقم (81).
(6)
مسند أبي عوانة، القسم المفقود ص (300).
(7)
مسند الإمام أحمد (6/ 200).
(8)
صحيح مسلم (2/ 847) رقم (1189).
الشافعي (1) والمزي (2). ورواه محمد بن عبد الله الأنصاري عند أحمد (3) والبيهقي (4)، والمزي (5). ورواه سعيد بن سالم عند الشافعي (6) وأبي عوانة (7). ورواه هشام بن سليمان المخزومي عند ابن عبد البر (8) وأبي عوانة (9) -خمستهم عن ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل، والإحرام» . فالاستدلال بهذا اللفظ على أن التحلل الأول يحصل بالرمي بدون الحلق ضعيف؛ لوجوه:
1 -
تفرد روح بهذه الزيادة.
2 -
اتفاق الشيخين على إخراجه في صحيحهيما بدونها.
ولا ريب أن اتفاقهما هو الراجح.
3 -
كثرة العدد الذين رووه عن ابن جريج بدونها.
4 -
أن قيد «وحين رمى جمرة العقبة (10)» لا يقتضي مباشرة الفعل
(1) الغيلانيات ص (193) رقم (495).
(2)
تهذيب الكمال (21/ 415).
(3)
مسند أحمد (6/ 200).
(4)
السنن الكبرى (5/ 136).
(5)
تهذيب الكمال (21/ 415).
(6)
مسند الشافعي ص (120).
(7)
مسند أبي عوانة، القسم المفقود ص (300).
(8)
التهذيب لابن عبد البر (19/ 299).
(9)
مسند أبي عوانة، القسم المفقود ص (300)، ووقع عنده: أبو هشام.
(10)
مسند أحمد بن حنبل (6/ 244).
مطلقا، انظر إلى قولها:«حين أحرم (1)» فإن معناه: حين أراد الإحرام.
ولهذا فإنها قيدت قولها: «وحين رمى جمرة العقبة (2)» بقولها: «قبل الطواف بالبيت (3)» وهذا القيد بالقبلية ظرف واسع.
5 -
أن تطييب عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم جاء مقيدا بوقت إرادة زيارة البيت للطواف.
ولا ريب أنه في هذا الوقت قد فعل الرمي والذبح والحلق.
قال الإمام النسائي: أنبأ أحمد بن حرب الطائي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة، قالت:«كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أجد لحرمه ولحله وحين يريد أن يزور البيت (4)» . إسناده صحيح رجاله ثقات.
قال السندي في شرح الحديث في قولها: «وحين يريد أن يزور البيت (5)» : " الظاهر أن الواو زائدة، أي: ولحله حين يريد. . . إلخ. أو التقدير: وكان لحله، حين يريد أن يزور. . . إلى آخره. والله أعلم "(6) اهـ.
وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة - في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من رمى الجمرة، ثم حلق أو قصر، ونحر هديا- إن كان معه- فقد حل ما حرم عليه
(1) صحيح البخاري الغسل (270)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 244).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (6/ 244).
(3)
مسند أحمد بن حنبل (6/ 244).
(4)
المجتبى (5/ 138)، والكبرى (338) رقم (3671).
(5)
المجتبى (5/ 138)، والكبرى (338) رقم (3671).
(6)
حاشية السندي على المجتبى للنسائي (5/ 138).
في الحج إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت "-:" هذا قول عمر وابن عمر، وقد روت عائشة خلاف ذلك، قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين، بعدما حلق قبل أن يزور البيت (1)» فأخذنا بقولها، وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا " اهـ. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وقد ترجم الإمام البخاري لحديثها بلفظ: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين، حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها (2)» بقوله: " باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة ".
وترجم ابن حبان لحديثها بلفظ: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى، قبل أن يزور البيت» بقوله: " ذكر الإباحة للمحرم إذا أراد طواف الزيارة أن يتطيب قبل إفاضته ".
وترجم الإمام ابن خزيمة بقوله: " باب إباحة التطيب يوم النحر بعد الحلق، وقبل زيارة البيت. . . " إلخ. وستأتي هذه التراجم إن شاء الله تعالى مخرجة.
وقال الإمام الصنعاني في شرح الحديث: " ولحله، قبل أن يطوف بالبيت " وظاهر هذا أنه قد كان فعل الحلق والرمي، وبقي الطواف " (3) اهـ. ونقله عنه شمس الحق العظيم آبادي مقررا له (4).
(1) صحيح البخاري الحج (1754)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
(2)
صحيح البخاري الحج (1754)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
(3)
سبل السلام (2/ 397).
(4)
عون المعبود (5/ 116)، رقم (1742).
وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: " فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها: " قبل أن يطوف بالبيت " (1) اهـ.
وسيأتي- إن شاء الله- مزيد من كلام أئمة الحديث وشراحه عند الاستدلال بهذا الحديث نفسه على أن التحلل الأول لا يحصل إلا بالرمي والحلق معا.
فالحاصل: أن الأحاديث المرفوعة المستدل بها على أن الرمي وحده يكفي في التحلل الأول مخدوشة، إما سندا، وإما دلالة، كما رأيت، ولكنها تعتضد بأحاديث موقوفة صحيحة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
قال ابن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:" إذا رمى حل له كل شيء إلا النساء، حتى يطوف بالبيت، فإذا طاف بالبيت حل له النساء "(2). إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وقال أيضا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، سمع ابن الزبير يقول:"إذا رميت الجمرة من يوم النحر، فقد حل لك ما وراء النساء "(3). إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وقال أيضا: حدثنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد،
(1) فتح الباري (3/ 399).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود ص (242).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود ص (241).
عن القاسم، عن ابن الزبير، قال:"إذا رمى الجمرة حل له كل شيء، إلا النساء "(1). إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن عبد الله، أنبأ يزيد بن هارون، به، وزاد " والطيب "(2) إبراهيم بن عبد الله هذا هو السعدي النيسابوري، ذكره ابن حبان في الثقات (3). وقال الحافظ ابن حجر: صدوق (4)، لكن قال الحافظ ابن حجر:" وزيادة (والطيب) شاذة "(5) اهـ.
وأخرجه الطحاوي (6) من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد عن يحيى بن سعيد، به. ولم يذكر لفظ " الطيب ".
وروى مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة، علمهم أمر الحج. . . إلى أن قال:" فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء والطيب، لا يمس أحد نساء، ولا طيبا، حتى يطوف بالبيت "(7). إسناده صحيح، رجاله ثقات أثبات.
(1) مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود ص (242).
(2)
مستدرك الحاكم (1/ 461).
(3)
الثقات لابن حبان (8/ 87).
(4)
لسان الميزان. (1/ 74).
(5)
تخريج الهداية (2/ 27).
(6)
شرح معاني الآثار (2/ 231).
(7)
الموطأ (1/ 410).
وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء، والطيب "(1).
إسناده منقطع؛ سالم لم يلق جده عمر. قاله أبو زرعة (2).
وقال ابن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا وكيع، عن عطاء، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" إذا رمى الجمرة، حل له كل شيء إلا النساء "(3) اهـ. عطاء هو ابن أبي مسلم الخراساني، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق يهم كثيرا، ويرسل، ويدلس، وقد عنعن هنا فالسند معلولة به.
وقال الطحاوي رحمه الله: " وقد روي عن ابن عمر ما يدل على هذا أيضا "(4).
وقال ابن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا وكيع، عن الحسن بن عبد الله، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال:" إذا رمى الجمرة حل له كل شيء، إلا النساء "(5) الحسن بن عبد الله هو القصاب، ذكره ابن حبان في الثقات (6).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: " وروى عبد الرزاق، قال:
(1) مسند الشافعي، ص (120).
(2)
المراسيل لابن أبي حاتم، ص (180)، رقم (219).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود، ص (242).
(4)
شرح معاني الآثار (2/ 231)
(5)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود، ص (242).
(6)
الثقات لابن حبان (6/ 161).
حدثنا الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء، قال:" إذا رميت الجمرة، فقد حل لك كل شيء، إلا النساء، والصيد، وإن شئت أن تتطيب فتطيب، ولك أن تقبل ولا يحل لك المسيس "(1). وعطاء لعله ابن أبي رباح.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: " فإذا رمى الجمرة، فقد انتقض بعض إحرامه، وحل له كل شيء إلا النساء "(2) اهـ.
وقال الشافعي رحمه الله: " وكذلك يتطيبان إذا رميا جمرة العقبة "(3) اهـ.
وقال أيضا: "ويأخذ حصى جمرة واحدة، سبع حصيات، فيرمي جمرة العقبة وحدها بهن، ويرمي من بطن المسيل، ومن حيث رمى أجزأه، ثم قد حل له ما حرم عليه الحج إلا النساء، ويلبي حتى يرمي جمرة العقبة بأول حصاة، ثم يقطع التلبية، فإذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل له النساء "(4).
(1) الاستذكار (13/ 229)، رقم (18679).
(2)
مسائل عبد الله لأبيه (ص 222) رقم (834).
(3)
الأم (2/ 241).
(4)
الأم للشافعي (2/ 242).
أدلة من قال: لا يحصل التحلل الأول إلا بالرمي والحلق معا، أو بفعل اثنين من ثلاثة: الرمي، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
هاتين، حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها» أخرجه أحمد، والبخاري (1)، ومسلم (2)، وابن خزيمة (3)، وابن حبان (4)، وابن الجارود (5)، وأبو داود (6)، والنسائي (7)، والترمذي (8)، وابن ماجه (9)، والدارمي (10)، وأبو عوانة (11)، وإسحاق (12)، وابن أبي شيبة (13)، والطحاوي (14)، والبيهقي (15).
(1) صحيح البخاري (2/ 145، 195).
(2)
صحيح مسلم (2/ 846) رقم (1189، 1190، 1191).
(3)
صحيح ابن خزيمة (4/ 156) رقم (2583، 2934).
(4)
صحيح ابن حبان (9/ 3766، 3881).
(5)
المنتقى، ص (110) رقم (114).
(6)
سنن أبي داود (2/ 358) رقم (1745).
(7)
المجتبى (5/ 137) والكبرى (2/ 338) رقم (367).
(8)
سنن الترمذي (3/ 259) رقم (917).
(9)
سنن ابن ماجه (2/ 1011) رقم (3042).
(10)
سنن الدارمي، ص (428) رقم (429).
(11)
مسند أبي عوانة، القسم المفقود، ص (298، 300).
(12)
مسند إسحاق بن راهويه (2/ 407) رقم (420)، و (3/ 629) رقم (664).
(13)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود، ص (196) رقم (148).
(14)
شرح معاني الآثار (2/ 130، 131، 228).
(15)
السنن الكبرى للبيهقي (5/ 136).
وجه الدليل من الحديث يتبين من تراجم أهل العلم، وشروحهم له:
1 -
فقد ترجم الإمام البخاري له بقوله: " باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة "(1).
2 -
وترجم له إمام الأئمة ابن خزيمة بقوله: " باب إباحة التطيب يوم النحر بعد الحلق، وقبل زيارة البيت ضد قول من زعم أن التطيب محظور حتى يزور البيت "(2).
3 -
وترجم الإمام ابن حبان له بقوله: " باب ذكر الإباحة للمحرم إذا أراد طواف الزيارة أن يتطيب بمنى قبل إفاضته "(3).
4 -
وترجم الإمام الترمذي له بقوله: " باب ما جاء في الطيب عند الإحلال، قبل الزيارة. . . " ثم ساقه، وقال:" والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يرون أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر، وذبح، وحلق أو قصر، فقد حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " حل له كل شيء إلا النساء والطيب ". وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وهو قول أهل الكوفة " اهـ. وتقدم.
(1) صحيح البخاري (2/ 195).
(2)
صحيح ابن خزيمة (4/ 301).
(3)
صحيح ابن حبان (9/ 194).
5 -
وقال ابن خزيمة موجها لذلك: " وفي أخبار عائشة «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت (1)» دلالة على أنه إذا رمى الجمرة، وذبح، وحلق، كان حلالا، قبل أن يطوف بالبيت، خلا ما زجر عنه من وطء النساء، الذي لم يختلف العلماء فيه أنه ممنوع من وطء النساء، حتى يطوف طواف الزيارة (2) اهـ.
6 -
وقال الإمام الطحاوي في شرح الحديث: " فهذه عائشة رضي الله عنها، تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطيب بعد الرمي، والحلق، قبل طواف الزيارة بما قد ذكرناه "(3).
7 -
وقال الحافظ ابن حجر في قولها رضي الله عنها: " ولحله ": " أي بعد أن يرمي، ويحلق "(4).
وقال أيضا في موضع آخر: " وهو دال على أن للحج تحللين. فمن قال: إن الحلق نسك- كما هو قول الجمهور، وهو الصحيح من مذهب الشافعية - يوقف استعمال الطيب، وغيره من المحرمات المذكورة عليه، ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى، ثم حلق، ثم طاف. فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها:«قبل أن يطوف (5)» اهـ.
(1) صحيح البخاري الحج (1539)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
(2)
صحيح ابن خزيمة (4/ 304).
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 229).
(4)
فتح الباري (3/ 398).
(5)
فتح الباري (3/ 399).
وقال في موضع آخر: " فدل ذلك. على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب، فإنه لا يقع إلا بعد التحلل، والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة: الرمي، والحلق، والطواف. فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب "(1) اهـ.
8 -
وقال العيني في شرحه للحديث: " (ولحله) أي لتحلله من محظورات الإحرام، وذلك بعد أن يرمي، ويحلق "(2) اهـ.
9 -
وقال علي القاري في شرحه له: "ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت" أي بالتحلل الأول، وهو بالحلق " (3) اهـ.
10 -
وقال محمد بن الحسن في رده على الإمام مالك في عدم إباحة التطيب بعد التحلل الأول: " وقد روت عائشة خلاف ذلك، قالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين بعدما حلق، قبل أن يزور البيت (4)» فأخذنا بقولها، وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا. . . "(5) ثم أورد الحديث.
11 -
وقال المباركفوري عبيد الله في شرح الحديث: " (ولحله) أي لأجل خروجه من إحرامه بعد أن يرمي، ويحلق "(6).
(1) فتح الباري (3/ 585).
(2)
عمدة "القاري (9/ 157).
(3)
مرقاة المفاتيح (3/ 241).
(4)
صحيح البخاري الحج (1754)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
(5)
موطأ مالك، رواية محمد بن الحسن الشيباني ص (166) رقم (492).
(6)
مرقاة المفاتيح (8/ 433).
وقال في موضع آخر: «ويوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت (1)» : أي طواف الإفاضة، يعني بعد التحلل الأول، وهو بالحلق. وبه يظهر المناسبة بين الباب وبين هذا الحديث. . . إلى أن قال: في الحديث دليل على حل التطيب بعد رمي الجمرة، والحلق، قبل طواف الإفاضة " (2) اهـ. باختصار.
وقال في موضع آخر بعد أن سرد أقوال العلماء في المسألة: " والحاصل: أن إضافة الحل إلى ما قبل الطواف يومئ إلى أن الحل الأصغر أي التحلل الأول هو بعد الرمي والحلق، وغيرهما، سوى الطواف " مرقاة (3) اهـ.
12 -
وقال الإمام الشنقيطي في دلالة الحديث على المسألة: " وقد دل النص الصحيح على حصول التحلل الأول بعد الرمي والحلق. . إلى أن قال: والتحقيق أن الطيب يحل له بالتحلل الأول؛ لحديث عائشة المتفق عليه، الذي هو صريح بذلك "(4) اهـ. باختصار.
قلت: ومما يوضح دلالة الحديث على أن التحلل الأول حصل بالرمي والحلق معا وجوه: الأول: أن أعمال الحج التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر في حجته تلك أنه رمى جمرة العقبة، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف بالبيت، كما ثبت ذلك عنه صلى الله
(1) صحيح البخاري الغسل (270)، صحيح مسلم الحج (1191)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2692)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
(2)
مرقاة المفاتيح (9/ 263، 264).
(3)
مرقاة المفاتيح (8/ 433).
(4)
أضواء البيان (5/ 293).
عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى، ونحر، ثم قال للحلاق: " خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس (1)» . وفي رواية: «لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة، ونحر نسكه، ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: " احلق " فحلق فأعطاه أبا طلحة، فقال: "اقسمه بين الناس» . أخرجه أحمد (2)، ومسلم (3)، والنسائي (4)، وأبو داود (5)، والترمذي (6)، وابن خزيمة (7)، وابن حبان (8)، وابن الجارود (9)، والبيهقي (10)، والبغوي (11)، والحميدي (12)، واللفظ لمسلم.
(1) صحيح مسلم الحج (1305)، سنن أبو داود المناسك (1981)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 146).
(2)
مسند أحمد (3/ 111، 208).
(3)
صحيح مسلم (2/ 947) رقم (1305).
(4)
السنن الكبرى للنسائي (2/ 445) رقم (4102).
(5)
سنن أبي داود (2/ 500) رقم (1981، 1982).
(6)
سنن الترمذي (3/ 255) رقم (912).
(7)
صحيح ابن خزيمة (4/ 299) رقم (2928).
(8)
صحيح ابن حبان (9/ 191) رقم (3879).
(9)
المنتقى، ص (129) رقم (484).
(10)
السنن الكبرى للبيهقي (5/ 134) والمعرفة (7/ 320) رقم (10189).
(11)
شرح السنة (7/ 205) رقم (1962).
(12)
مسند الحميدي (2/ 512) رقم (1220).
وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عتها التصريح بأنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت، وتقييدها الإحلال بقبلية طواف الزيارة يدل على أن الرمي، والحلق، قد تحقق فعلهما قبل الطواف، وأن الحل حصل بهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى، ثم حلق، ثم طاف. فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها: " قبل أن يطوف " (1) اهـ.
وقال زين الدين أبو الفضل العراقي رحمه الله في شرحه للحديث: " فيه دليل على إباحة التطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق وقبل طواف الإفاضة، وهو المراد بالطواف هنا. وإنما قلنا: بعد رمي جمرة العقبة والحلق؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رتب هذه الأفعال يوم النحر هكذا: فرمى، ثم حلق، ثم طاف.
فلولا أن التطيب كان بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها: " قبل أن يطوف بالبيت "(2) اهـ.
وقال النووي رحمه الله: " وأما قولها: " ولحله قبل أن يطوف " فالمراد به طواف الإفاضة. ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق، وقبل الطواف. وهذا مذهب
(1) فتح الباري (3/ 399).
(2)
طرح التثريب (5/ 77).
الشافعي، والعلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث. . . إلى أن قال: وقولها في الرواية الأخرى: " ولحله قبل أن يطوف بالبيت " فيه تصريح بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق، قبل الطواف. وهذا متفق عليه " (1) اهـ.
الوجه الثاني: أنه جاء في بعض روايات الحديث أن تطييب عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الحلق، وذلك فيما أخرجه أبو بكر الشافعي البزاز حيث يقول: حدثني علي بن الحسن الفامي، قال: ثنا المسروقي موسى بن عبد الرحمن ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت:«كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يذبح، ويحلق، قبل أن يزور البيت (2)» رجاله ثقات، رجال الصحيح غير شيخ المؤلف، لم أقف له على ترجمة. وإسرائيل هو ابن يونس، وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري.
أما شيخ المؤلف، فقد روى عنه في هذا الكتاب أي كتاب الغيلانيات " في موضعين: هذا أحدهما، والثاني: برقم 1087.
وقد جاء برقم 738 هكذا: " حدثني علي بن الحسن القاضي، ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبان
(1) شرح مسلم للنووي (8/ 99).
(2)
الغيلانيات ص (189) رقم (476).
العطار. . . " إلخ. وجاء برقم 1093: " وحدثنا علي بن الحسين الفامي، ثنا محمد بن شفيق. . . " إلخ.
وذكر المزي في تلاميذ موسى بن عبد الرحمن المسروقي: علي بن الحسن الفامي (1). ولم أتوصل إلى معرفة هذا الشيخ إلى الآن، ولكن أهل العلم بالرجال قد أثنوا على مؤلف كتاب " الغيلانيات "، وصرحوا بأن أصوله صحيحة، ومتقنة، قد ضبطها. يقول تلميذه الدارقطني عندما سئل عنه:" أبو بكر جبلي، ثقة، مأمون، ما كان في ذلك الزمان أوثق منه، ما رأيت له إلا أصولا صحيحة، متقنة، قد ضبط فيها أحسن الضبط "(2) اهـ.
وقال ابن العماد عن " الغيلانيات ": " وابن غيلان آخر من روى عن تلك الأجزاء، التي هي في السماء علوا "(3) اهـ.
وقال ابن الأثير: " وكان عالما بالحديث، عالي الإسناد "(4) اهـ.
وقال الذهبي: " الإمام المحدث المتقن الحجة الفقيه مسند العراق أبو بكر البغدادي الشافعي البزاز السفار، صاحب الأجزاء الغيلانيات العالية "(5) اهـ.
(1) تهذيب الكمال (29/ 100) رقم (6278).
(2)
تاريخ بغداد (5/ 458).
(3)
شذرات الذهب (3/ 16).
(4)
الكامل لابن الأثير (7/ 16) حوادث سنة 354 هـ.
(5)
سير أعلام النبلاء (16/ 39).
الوجه الثالث: أن عائشة روي عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم، وحلقتم، فقد حل لكم الطيب والثياب إلا النكاح» . أخرجه أحمد (1) وابن أبي شيبة (2)، وابن خزيمة (3)، والدارقطني (4)، وأبو يعلى (5)، والطحاوي (6)، والبيهقي (7)، من طريق الحجاج بن أرطاة، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة به. وتقدم تضعيف أهل العلم للحجاج وأن هذا من تخليطاته.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:" إذا رمى، وذبح، وحلق، فقد حل له كل شيء إلا النساء والطيب ". قال سالم: وكانت عائشة تقول: " فقد حل له كل شيء إلا النساء "، وتقول:«أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم» - ". أخرجه إسحاق بن راهويه (8)، والنسائي (9)، من طريق عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: فذكره. إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(1) مسند الإمام أحمد (6/ 143).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، الجزء المفقود، ص (241).
(3)
صحيح ابن خزيمة (4/ 302) رقم 2937.
(4)
سنن الدارقطني (2/ 176) رقم (185، 186، 187).
(5)
مسند أبي يعلى (7/ 442) رقم (4465).
(6)
شرح معاني الآثار (2/ 228).
(7)
سنن البيهقي (5/ 136).
(8)
مسند إسحاق (2/ 539) رقم (578).
(9)
السنن الكبرى للنسائي (2/ 460) رقم (4166).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:" من رمى الجمرة، ثم حلق أو قصر، ونحر هديا إن كان معه، فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت ". أخرجه مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال. . . الأثر (1). إسناده صحيح، رجاله ثقات أثبات.
ومن طريق عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر. . . إلخ. أخرجه الطحاوي (2).
وقال الطحاوي أيضا: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"إذا حلقتم، ورميتم، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب "(3). إسناده حسن. أبو حذيفة فيه مقال، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقال البيهقي: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عبد الكريم بن الهيثم، ثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب، أخبرني نافع، أن ابن عمر قال: خطب الناس عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه- بعرفة، فحدثهم عن مناسك الحج، فقال فيما يقول: " إذا كان بالغداة- إن شاء الله تعالى- فدفعتم من جمع، فمن رمى جمرة
(1) موطأ مالك (1/ 410).
(2)
شرح معاني الآثار (2/ 231).
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 231).
القصوى، التي عند العقبة بسبع حصيات، ثم انصرف، فنحر هديا- إن كان له- ثم حلق أو قصر، فقد حل له ما حرم عليه من شأن الحج إلا طيبا، أو نساء، فلا يمس أحد طيبا ولا نساء، حتى يطوف بالبيت " (1). إسناده صحيح. رجاله ثقات.
وأخرجه ابن خزيمة (2)، والبيهقي (3)، من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر، قال:" إذا رمى الرجل الجمرة بسبع حصيات، وذبح، وحلق، فقد حل له كل شيء إلا النساء، والطيب ". قال سالم: وكانت عائشة تقول: "قد حل له كل شيء إلا النساء". وقالت: «طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم» - ". هذا لفظ ابن خزيمة. ولفظ البيهقي مثله، وزاد في آخر قولها: «وأنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم» - " يعني لحله. إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وعن هشام بن عروة، عن أم الزبير بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنها أخبرته عن عائشة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنه دخل عليها عباد بن عبد الله يوم النحر، وهي تمشط جارية لها، فأنكر عليها هو وعروة بن الزبير، فقالت عائشة:" إنها قد رمت وقصرت " اهـ باختصار. أخرجه ابن
(1) سنن البيهقي (5/ 135).
(2)
صحيح ابن خزيمة (4/ 303) رقم (2939).
(3)
سنن البيهقي (5/ 135).
خزيمة (1). ولم أقف على ترجمة لأم الزبير ولا على أختها عائشة إلا أن ابن خزيمة احتج بخبرهما هذا.
وقال ابن عبد البر: " وذكر معمر أيضا، عن ابن المنكدر، قال: سمعت ابن الزبير يقول: " إذا رميتم الجمرة، وحلقتم، وذبحتم، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " (2).
وقال الدارمي: أخبرنا حجاج بن المنهال، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت:«كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم بأطيب الطيب (3)» . قال: وكان عروة يقول لنا: " تطيبوا قبل أن تحرموا، وقبل أن تفيضوا يوم النحر "(4). إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وقال ابن هانئ: " وسألت أبا عبد الله، عن الرجل ينسى طواف الزيارة؟ قال: يرجع من حيث ما كان حتى يطوف؛ لأنه إذا حلق، وذبح فقد حل له كل شيء إلا النساء والطيب، يقول بعضهم: " والطيب " ولا يجزئه إلا أن يطوف طواف الزيارة "(5).
الحاصل: أن القول بأن الحلق يحصل به التحلل الأول لم أقف له على دليل، والتحلل بالرمي دون الحلق لم يقم عليه دليل مرفوع صحيح أيضا، لكن صح عن عائشة، وعمر بن الخطاب،
(1) صحيح ابن خزيمة (4/ 304) رقم (3940).
(2)
الاستذكار لابن عبد البر (13/ 229) رقم (18678).
(3)
سنن الدارمي (1/ 460) رقم (1747).
(4)
سنن الدارمي (1/ 460) رقم (1747).
(5)
مسائل ابن هانئ للإمام أحمد (1/ 170) رقم (858).
وابنه عبد الله، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم موقوفا عليهم.
وقد صح عنهم ما يعارضه كما تقدم، وأن التحلل بالرمي والحلق معا قد ثبت دليله، ومنه حديث عائشة المتقدم بلفظ:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين، حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف بالبيت، وبسطت يديها (1)» . وصح من قولها، وقول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وهو قول الجمهور، بل لقد حكى ابن هبيرة والنووي الاتفاق عليه، وكذلك الترمذي لم يحك عن أهل العلم غيره.
فقد تقدم قول ابن هبيرة: " واتفقوا على أن التحلل الأول يحصل بشيئين من ثلاثة، هي: الرمي، والحلق، والطواف، فهو يحصل بالرمي والحلق، أو بالرمي والطواف، أو بالطواف والحلق ".
وتقدم قول النووي: " وأما قولها: " ولحله قبل أن يطوف " فالمراد به طواف الإفاضة. ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق، وقبل الطواف وهذا مذهب الشافعي، والعلماء كافة، إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة، وهو محجوج بهذا الحديث.
وقولها: " لحله " دليل على أنه حصل له تحلل، وفي الحج تحللان، يحصلان بثلاثة أشياء: رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول، أي اثنين كانا. ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع
(1) صحيح البخاري الحج (1754)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).
بالنساء، فإنه لا يحل إلا بالثاني. . . إلى أن قال: قولها في الرواية الأخرى: «ولحله حين حل، قبل أن يطوف بالبيت (1)» : فيه تصريح بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق، قبل الطواف. وهذا متفق عليه " اهـ.
وتقدم قول الترمذي: " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، يرون أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر، وذبح، وحلق أو قصر، فقد حل له كل شيء حرم عليه، إلا النساء، وهو قول الشافعي، وأحمد وإسحاق.
وقد روي عن عمر بن الخطاب، أنه قال:"حل له كل شيء إلا النساء والطيب "، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وهو قول أهل الكوفة ".
وقال القرطبي رحمه الله: " وروى الدارقطني، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رميتم، وحلقتم، وذبحتم، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، وحل لكم الثياب والطيب (2)» .
وفي البخاري: عن عائشة، قالت:«طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين، حين أحرم ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها (3)» . وهذا هو التحلل الأصغر عند العلماء، والتحلل الأكبر طواف الإفاضة، وهو الذي يحل النساء جميع محظورات الإحرام " اهـ.
(1) صحيح البخاري الحج (1539)، صحيح مسلم الحج (1191)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2687)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 244)، موطأ مالك الحج (727).
(2)
سنن أبو داود المناسك (1978)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 143).
(3)
صحيح البخاري الحج (1754)، صحيح مسلم الحج (1192)، سنن الترمذي الحج (917)، سنن النسائي مناسك الحج (2704)، سنن أبو داود المناسك (1745)، سنن ابن ماجه المناسك (2926)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 175)، موطأ مالك الحج (727)، سنن الدارمي المناسك (1802).