الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمحرم الطيب وسائر محرمات الإحرام إلا النساء فيه نزاع بين أهل العلم، أي: بأي عمل من أعمال الحج يحصل، وكذلك التحلل من العمرة؟ ولما يترتب على ذلك من أحكام، أحببت معرفة الحق والصواب من الأقوال، ولا ريب أن الحق والصواب منها، الذي يقوم عليه الدليل الصحيح، والحق أحق أن يتبع.
لذلك استعنت الله سبحانه، فراجعت ما يسر الله لي من المراجع النافعة إن شاء الله تعالى، فوجدت الخلاف في المسألة قويا، والأقوال متباينة، وبعضها ظهر لي دليله، وبعضها لم يظهر.
عند ذلك حررت المسألة بذكر مذاهب العلماء، وما وجدته لهم من أدلة. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (1) وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(1) سورة هود الآية 88
اختلاف أهل العلم فيما يحصل به التحلل الأول للمحرم:
اعلم أن الأعمال المشروعة للحاج يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة.
وقد اختلف العلماء- رحمهم الله فيما يحصل به التحلل الأول منها، أي: الذي يحل فيه للمحرم كل شيء حرم عليه إلا قربان النساء.
فذهب بعضهم إلى أنه يحصل بالرمي وحده، وذهب بعضهم إلى أنه يحصل بفعل اثنين من الثلاثة المذكورة.
حصول التحلل الأول بالحلق وحده:
هذا القول يراه بعض علماء الحنفية أنه هو مذهبهم، ويرى بعضهم خلافه.
يقول الكاساني: " ثبت أن التحلل الأول من الإحرام يحصل بالحلق قبل الرمي، ولا تلبية بعد الرمي. . . إلى أن قال: فإذا حلق الحاج، أو قصر، حل له كل شيء حظر عليه بالإحرام إلا النساء عند عامة العلماء. . . إلى أن قال: والأصل أن في الحج إحلالين: الإحلال الأول بالحلق أو التقصير، ويحل به كل شيء إلا النساء.
والإحلال الثاني بطواف الزيارة، ويحل به النساء " (1).
وقال قبل هذا: " فصل: وأما الحلق فحكمه حصول التحلل، وهو صيرورته حلالا يباح له جميع ما حظر عليه من الإحرام إلا النساء، وهذا قول أصحابنا "(2) اهـ.
وقال السرخسي: فالحاصل أن في الحج إحلالين: أحدهما بالحلق، والثاني بالطواف؛ فبالحلق يحل له كل شيء كان حراما عليه إلا النساء (3) اهـ.
وقال ابن عابدين: " قوله: (وحل له كل شيء) أي: من محظورات الإحرام، كلباس المخيط، وقص الأظافر. وأفاد أنه لا
(1) بدائع الصنائع (2/ 157، 159).
(2)
بدائع الصنائع (2/ 142).
(3)
المبسوط (4/ 22).
يحل بالرمي قبل الحلق شيء، وهو المذهب عندنا، كما في " شرح اللباب " للقاري عن الفارسي.
وفي شرحه على النقابة: والرمي غير محلل من الإحرام عندنا في المشهور، ومحلل عند مالك، والشافعي، وفي غير المشهور عندنا. نص على التحلل بالرمي عندنا في شرح المبسوط لخواهر زادة، في " شرح الجامع الصغير " لقاضي خان بقوله: وبعد الرمي قبل الحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب، وعن أبي يوسف أنه يحل له الطيب أيضا " (1) اهـ.
وخالفهم الإمام الطحاوي فقال: " قد ثبت بما ذكرنا أنه لا بأس باللباس بعد الرمي والحلق، وقد قال ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده. ثم ذكر بسنده من القائلين بذلك: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، وابن الزبير، رضي الله عنهم. ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ومحمد رضي الله عنهم. وقد روينا ذلك عن جماعه من التابعين "(2) اهـ باختصار.
وقال ابن قدامة: " فصل: ظاهر كلام الخرقي هاهنا أن الحل إنما يحصل بالرمي والحلق معا. وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقول الشافعي، وأصحاب الرأي "(3) اهـ.
(1) حاشية ابن عابدين، رد المحتار (2/ 517).
(2)
شرح معاني الآثار (2/ 231، 232).
(3)
المغني لابن قدامة (5/ 309).