المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: الرأي المختار، وسبب الاختيار: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌تنبيه:

- ‌أولا: سد الذرائع:

- ‌ثانيا: الحاجز الذي ينبغي أن يكون بين المصلي والمقبرة التي تكون أمامه:

- ‌ استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة

- ‌ رجل حينما ينتقض عليه وضوءه بسبب البول يتأخر برؤه

- ‌ توضأ قبل أن يستنجي وبعد أن توضأ استنجى

- ‌ هل يلزم الإنسان أن يستنجي كل مرة يريد أن يتوضأ فيها

- ‌ ينزل من قمة الذكر ماء أبيض أو ماء مثل الصمغ ويتيمم بالتراب

- ‌ حديث: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم صيام الثالث عشر

- ‌الشهر كله محل لصيام ثلاثة أيام وكونها في البيض أفضل

- ‌الأيام البيض تصام على حسب التقويم وللمسلم جمعها وتفريقها

- ‌النوافل يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها

- ‌يستحب صيام الأيام البيض ولو من شعبان

- ‌من لم يكمل صيام الأيام البيض يحسب له أجر ما صام منها

- ‌صيام الاثنين والخميس

- ‌فضل صيام الاثنين والخميس على الأيام البيض

- ‌حكم قضاء الست بعد شوال

- ‌المشروع تقديم القضاء على صوم الست

- ‌صيام الست سنة وليس بواجب ومن لم يستطع إكمالها لعذر شرعي

- ‌لا حرج في وصل صوم القضاء بصوم الست من شوال

- ‌حديث النهي عن صوم يوم السبت غير صحيح

- ‌جواز صوم يوم السبت تطوعا

- ‌حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌ما جاء في صيام عشر ذي الحجة من أحاديث والجمع بينها

- ‌ليلة القدر هي أفضل الليالي

- ‌ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

- ‌قد ترى ليلة القدر بالعين

- ‌ما هو الاعتكاف

- ‌يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة

- ‌حكم التفرغ للعبادة في رمضان

- ‌‌‌الماتريديةربيبة الكلابية

- ‌الماتريدية

- ‌ التعريف:

- ‌ النشأة والتطور:

- ‌ مصادر التلقي:

- ‌ الأصول والمبادئ:

- ‌ أشهر الرجال والفرق:

- ‌ الانتشار في العصر الحاضر:

- ‌ التقويم:

- ‌مراجع للتوسع:

- ‌الكلابية

- ‌ التعريف:

- ‌ النشأة والتطور:

- ‌ مصادر التلقي:

- ‌ الأصول والمبادئ:

- ‌ أشهر الرجال والفرق:

- ‌ الانتشار في العصر الحاضر:

- ‌ التقويم:

- ‌ مراجع للتوسع:

- ‌حكم الطهارة من الحدث للطواف

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: المراد بالطهارة:

- ‌المطلب الثاني: أقوال العلماء:

- ‌المطلب الثالث: تحرير رأي ابن تيمية في المسألة:

- ‌المطلب الرابع: الأدلة:

- ‌المطلب الخامس: مناقشة أدلة الجمهور:

- ‌المطلب السادس: الرأي المختار، وسبب الاختيار:

- ‌الخاتمة:

- ‌الرزق: مصدره، أسباب حصوله وزيادته، حلاله وحرامه

- ‌التمهيد:

- ‌الرزق دلالة ومفهوما:

- ‌علاقة الرزق بالقضاء والقدر:

- ‌الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر:

- ‌مصدر الرزق:

- ‌الله طيب لا يقبل إلا طيبا:

- ‌الإنفاق من فضل الله واجب شرعي ودليل إيماني:

- ‌أمر الله عباده الصالحين بالأكل من الطيبات:

- ‌شروط الرزق الحلال:

- ‌أسباب حصول الرزق وزيادته:

- ‌ إقامة الصلاة:

- ‌ تقوى الله:

- ‌ الاستغفار:

- ‌ الإنفاق والسخاء:

- ‌ التوكل على الله:

- ‌ صلة الأرحام:

- ‌ فعل الطاعات:

- ‌ الحج والعمرة:

- ‌ تلاوة القرآن:

- ‌ البكور:

- ‌ التزوج بالنساء الصالحات:

- ‌ إنجاب الأولاد:

- ‌ حمد الله تعالى وشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة:

- ‌ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك:

- ‌ قضاء الحوائج وتفريج الكربات:

- ‌ الدعاء:

- ‌ الغنائم والفيء:

- ‌ العمل الوظيفي:

- ‌ الجعل والإجارة:

- ‌ الوصايا:

- ‌ الإرث:

- ‌ الصداق:

- ‌ ما يأخذه المحتاج من أموال الزكاة والصدقة:

- ‌ ما يؤخذ من النفقة الواجبة:

- ‌ التجارة والسفر لابتغاء الرزق:

- ‌ الرعي:

- ‌ الزراعة وإحياء الموات:

- ‌ الصيد:

- ‌ الاحتطاب:

- ‌ اللقطة:

- ‌ استخراج ما في باطن الأرض من معادن:

- ‌ الصناعة:

- ‌الأسباب المنقصة للرزق:

- ‌الرزق الحرام:

- ‌مسألة التحلل الأول في الحج

- ‌اختلاف أهل العلم فيما يحصل به التحلل الأول للمحرم:

- ‌حصول التحلل الأول برمي جمرة العقبة وحدها:

- ‌حصول التحلل الأول بفعل اثنين من الثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف بالبيت:

- ‌أدلة مذاهب أهل العلم في التحلل الأول من الإحرام:

- ‌مسألة: هل يتم التحلل بدون السعي لمن عليه سعي

- ‌مسألة: بأي شيء يكون التحلل من العمرة

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءعن حكم الزواج المدني

- ‌دعوة إلى مساعدة مسلمي كوسوفا

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب السادس: الرأي المختار، وسبب الاختيار:

رحمهما الله وهو:

8 -

أن يقال: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، كما يسقط عنها طواف الوداع بالنص، وكما يسقط عنها فرض السترة إذا عجزت عنها لسرقة ونحوها، وكما يسقط عنها فرض طهارة الجنب إذا عجزت عنها لعدم الماء، أو مرض بها. وكما يسقط فرض اشتراط طهارة مكان الطواف، إذا عرض فيه نجاسة تتعذر إزالتها، وكما يسقط استقبال القبلة في الصلاة إذا عجز عنه، وكما يسقط فرض القيام والقراءة والركوع والسجود إذا عجز عنه المصلي، وكما يسقط فرض الصوم عن العاجز إلى بدله وهو الإطعام. ونظائر ذلك من الواجبات والشروط التي تسقط بالعجز عنها إما إلى بدل أو مطلقا.

فهذا الاحتمال هو الذي تدل عليه النصوص المتناولة لذلك، والأصول المشابهة له، وليس في ذلك مخالفة الأصول. وقد علم أن وجوب ذلك جميعه مشروط بالقدرة، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (2)» .

(1) سورة التغابن الآية 16

(2)

قال ابن القيم: " وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض، والطواف معه وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة، بل يوافقها كما تقدم، إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه، ولا واجب في الشريعة مع عجز، ولا حرام مع ضرورة " إعلام الموقعين 3/ 31.

ص: 200

‌المطلب السادس: الرأي المختار، وسبب الاختيار:

أولا: الرأي المختار:

لا شك أن من يقرأ كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذه

ص: 200

المسألة وما أورده من حجج لتأييد ما ذهب إليه وما ساقه من نصوص وقواعد تشهد لما اختاره، يدرك شيئا مما وهب الله لهذا العالم الجليل والفقيه النحرير من مقدرة عجيبة لسوق الأدلة في المسألة التي يبحثها، وفهم ثاقب وتحليل دقيق للنصوص.

كما يلحظ من إيراد الاحتمالات التي يمكن أن تؤمر به الحائض، الأفق الواسع، والنظرة الشاملة، بل الإحساس المرهف بأحوال أولئك المضطرين ومدى معاناتهم.

وقبل أن أشير إلى الرأي الذي أختاره أنبه إلى أمر يكون توطئة لهذا الاختيار وهو: أن ابن القيم رحمه الله أورد هذه المسألة ضمن الأمثلة التي أوردها على تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.

فقال: " المثال السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر وقال: «واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت (1)» فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرق بين حال القدرة والعجز ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك، وتمسك بظاهر النص. . . "(2).

وأشار إلى أن هناك من فرق في هذه المسألة، فلم يجعله حكما عاما، بل غير الحكم بما يتناسب مع تغير الأحوال والأزمان. فقال: ". . . قالوا: وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح البخاري الحيض (294)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي الطهارة (290)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273).

(2)

إعلام الموقعين 3/ 25، 26.

ص: 201

وخلفائه الراشدين تحتبس أمراء الحج للحيض حتى يطهرن ويطفن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن صفية وقد حاضت «أحابستنا هي (1)»؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال:«فلتنفر إذا (2)» . وحينئذ كانت الطهارة مقدورة لها يمكنها الطواف بها، فأما في هذه الأزمان التي يتعذر إقامة الركب لأجل الحيض. . " (3).

وإذا كان الأمر كذلك فيعني هذا: أنه ينبغي إعادة النظر في هذه المسألة مرة أخرى وخاصة بعد تغير الأحوال عما كانت عليه تغيرا كبيرا.

ولذا فإن الرأي الذي أختاره ما ذهب إليه جمهور العلماء وهو: أن الطهارة شرط لصحة الطواف لا يصح الطواف بدونها مع القدرة عليها، وأن الحائض لا يصح طوافها، ولو طافت فلا يعتد بذلك.

ثانيا: سبب الاختيار:

يمكن أن أجمل سبب اختياري لرأي الجمهور في النقاط التالية:

1 -

عدم التسليم بعدم ورود الأمر بالطهارة للطواف.

2 -

عدم التسليم بعدم ورود الدليل المانع للمحدث من الطواف.

3 -

خلاف الأحناف في هذه المسألة ليست حجة تبرر الخلاف.

4 -

منع القول باضطرار الحائض للطواف في زمننا وعموم البلوى لهذه المسألة.

5 -

منع الحائض من الطواف لا ينافي مقاصد الشريعة.

(1) صحيح البخاري المغازي (4401)، سنن أبو داود المناسك (2003)، سنن ابن ماجه المناسك (3072)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 82)، موطأ مالك الحج (822)، سنن الدارمي المناسك (1917).

(2)

سنن الترمذي الحج (943)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 38).

(3)

المرجع السابق 3/ 26

ص: 202

1 -

عدم التسليم بعدم ورود الأمر بالطهارة للطواف:

إن القول بعدم ورود الأمر بالطهارة للطواف غير مسلم لأمور:

أ- ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«لتأخذوا عني مناسككم» فكان فعله بيانا لمجمل الكتاب، إذ جاء الأمر بالطواف مجملا دون بيان لصفته وما يشترط فيه، فكان البيان بفعله صلى الله عليه وسلم دليلا على الوجوب، وأكد ذلك بأمره العام أن يقتدى به في بيان أفعال المناسك. والطواف منها.

ولهذا اشترط العلماء أن يكون الطواف سبعا، وأن يكون البيت عن يسار الطائف. . . إلى غير ذلك من الشروط والواجبات التي لم يأت الأمر الصريح بآحادها.

وبعض هذه الأمور محل اتفاق، بل إجماع وذلك ككون الطواف سبعة أشواط، ولم يخالف الأحناف في وجوبها، أو في اشتراط أكثرها، وإنما قالوا في اشتراط ما زاد على الأكثر- كما بيناه في بحث سابق.

ص: 203

وخلاصة القول:

أن عدم الأمر الصريح بالطهارة ليس دليلا على عدم وجوبها أو اشتراطها، بل إن ثبوت وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قبل طوافه، دليل على وجوبها، ويزيده تأكيدا أمره بذلك في قوله.

«لتأخذوا عني مناسككم» .

ولهذا ترجم له البخاري بقوله: " باب الطواف على وضوء "(1).

ب- أن تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالصلاة دليل على وجوب الطهارة في الطواف واشتراطها لصحة الصلاة.

وما أشير إليه من فوارق بين الصلاة والطواف دلت النصوص على استثنائها، فيبقى ما عدا ذلك ملحقا بالصلاة، ومنه الطهارة، إذ لم يرد ما يدل على استثنائها في الطواف. ومن المعلوم أن صحة التشبيه لا تستلزم مماثلة المشبه بالمشبه به من كل وجه، فقياس الطواف على الصلاة أولى من قياسه على الوقوف بعرفة.

وأما الطعن في صحة رفع الأثر تبين الجواب عليه عند تخريج الحديث (2) وأنه حديث مرفوع صحيح، ولا يقدح في صحة رفعه روايته موقوفا من بعض الطرق، ومع التسليم بوقفه فهو حجة يجب العمل به.

(1) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الطواف على وضوء (78) 2/ 168.

(2)

في بحث شروط الطواف، المطلب الرابع: النية.

ص: 204

2 -

عدم التسليم بعدم ورود الدليل المانع للمحدث من الطواف:

إن القول بعدم ورود الدليل المانع للمحدث من الطواف غير مسلم أيضا لأمور:

أ- لم يأت شيخ الإسلام- رحمه الله بحجة إثباتية على عدم اشتراط الطهارة أو على جواز طواف المحدث، إنما أراد أن يستدل بعدم ورود الأمر الصريح بالطهارة للطواف على عدم الاشتراط اعتمادا على البراءة الأصلية. وهو دليل مختلف فيه وحجة ضعيفة؛ لأنها حجة عدمية، وليست حجة إثباتية.

ب- قد ثبت الأمر بالطهارة للطواف- كما تقدم بيانه- والأمر بها نهي عن ضدها، فيكون الطواف مع الحدث منهيا عنه.

ج- ثبت نهي الحائض عن الطواف حتى تغتسل- كما في حديث عائشة في الصحيحين- فهو نص صحيح صريح في نهي الحائض عن الطواف حتى تغتسل، والاغتسال تطهر من الحدث.

د- إن تفريق الظاهرية بين الحائض والنفساء، تفريق لا تساعد عليه النصوص الشرعية، ولا اللغة، ولا النظر الصحيح. فالشارع ماثل بينهما في الأحكام؛ فمنع صحة العبادات، أو وجوبها عليهن كالصلاة والصيام.

وصح إطلاق النفاس على الحيض وكان التسليم للتفريق

ص: 205

بينهما لو ثبت أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها طافت، أما ولم ينقل شيء من ذلك فلا يعد عدم النقل بمنعها خاصة دليلا على طوافها، بل الأمر الذي يشك فيه أنها علمت بما أمرت به عائشة رضي الله عنها ففعلت مثلها، لأن البيان لواحدة منهما بيان للأخرى ويزيد ذلك وضوحا أن ابن حزم قرر في كتاب الطهارة أن الحيض والنفاس سواء في كل شيء، بل ونقل الإجماع على ذلك.

3 -

خلاف الأحناف في هذه المسألة ليس حجة تبرر الخلاف:

يلاحظ المتأمل لكلام شيخ الإسلام تبريره خلاف الجمهور

ص: 206

في اشتراط الطهارة للطواف بخلاف أبي حنيفة رحمه الله ويحسن التنبيه هنا إلى أن خلاف الأحناف للجمهور في هذه المسألة ونظيراتها لا يرجع إلى ثبوت نص أو خفائه، أو صحته، أو ضعفه، أو سلامة قياس أو فساده. . .، وإنما يرجع ذلك في الجملة إلى خلاف أصولي، ترتب عليه الخلاف في تلك المسائل لاتحاد أصلها، واتساق نظمها وهو الخلاف في قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1). هل هو من باب المطلق أم المجمل؟

وإذا كان من باب المطلق فهل تقييده يعد زيادة على النص؟

وهل الزيادة على النص تعد نسخا، ولذا فإنه يشترط في المقيد ألا يقل درجة عن المطلق؟

وهذا ما ذهب إليه الأحناف، إذ اعتبروا أن الله جل وعلا أمر بالطواف في كتابه مطلقا من كل قيد، والطواف هو الدوران حول البيت، فمن دار حول البيت فقد أدى المأمور به في الآية، فصح طوافه. وأن ما جاء في السنة من أوامر بأشياء أو نواه عن أمور فإنها قيود في ذلك الطواف، والقول باشتراطها يقتضي زيادة على ما في الكتاب وهو مفض إلى نسخ إطلاق الكتاب بأخبار الآحاد وذلك ممنوع؛ لأن من شرط النسخ اتحاد درجة النصين في الثبوت، فلا ينسخ قطعي الثبوت- المتواتر- بخبر الآحاد.

قال ابن الهمام: " قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا} (2) يقتضي

(1) سورة الحج الآية 29

(2)

سورة الحج الآية 29

ص: 207

الخروج عن عهدته بالدوران حول البيت مع الطهارة وعدمها، فجعله لا يخرج مع عدمها نسخ لإطلاقه، وهو لا يجوز، فرتبنا عليه موجبه من إثبات وجوب الطهارة حتى أثمنا بتركها، وألزمنا الجابر، وليس مقتضى خبر الواحد غير هذا، لا الاشتراط المفضي إلى نسخ إطلاق كتاب الله تعالى " (1) وفيما ذهب إليه الأحناف نظر من عدة أوجه:

(أحدها) أن الآية المشار إليها من قبيل المجمل؛ لأن المجمل: ما لم تتضح دلالته، أو ما له دلالة غير واضحة (2). فالآية وإن دلت على الأمر بالطواف إلا أنها أجملت ذلك ولم توضح كيفيته ولا عدده. . . ولا شك أن المراد بالطواف في الآية ليس المعنى اللغوي أو الحقيقة اللغوية، وإنما المراد به المعنى الشرعي والحقيقة الشرعية.

فلا يقال لمن ألم بالبيت أو دار حوله مرة واحدة إنه طاف بالبيت شرعا، إجماعا، وإن كان يطلق عليه ذلك لغة. فبيان هذا الإجمال، ومعرفة المراد بالطواف في الآية إنما جاء بفعله صلى الله عليه وسلم والفعل إن كان بيانا لمجمل واجب كما هو الحال في مسألتنا فإنه يحمل على الوجوب، على التحقيق عند العلماء.

ونظير هذا أمره سبحانه وتعالى بالحج في قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (3)

(1) انظر: شرح فتح القدير 3/ 51

(2)

انظر: شرح الكوكب المنير 3/ 414 شرح فتح القدير 3/ 51. أصول الفقه لأبي الخطاب 2/ 229.

(3)

سورة آل عمران الآية 97

ص: 208

فلا يقال إن الله أمر بالحج مطلقا من كل قيد، فكل من فعل ما يصدق عليه لفظ الحج فقد صح حجه. بل ذلك من قبيل المجمل، فكان البيان بفعله عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا المعنى يقول ابن النجار الفتوحي (1): وأي لفظ له محمل لغة وشرعا كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة (2)» فإنه يحتمل أنه كالصلاة في الأحكام، ويحتمل أنه صلاة لغة؛ لأن معناها لغة: الدعاء، فسمي صلاة لما فيه من الدعاء.

فعند أصحابنا وأكثر العلماء يحمل على المحمل الشرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لتعريف الأحكام لا اللغة- وفائدة التأسيس أولى- وأيضا: ليس في الطواف حقيقة الصلاة الشرعية فكان مجازا.

والمراد: أن حكمه حكم الصلاة في الطهارة، والنية، وستر العورة وغيره.

ويدل على ذلك قوله في بقية الحديث: «إلا أن الله أحل فيه الكلام (3)» فدل على أن المراد كونه صلاة في الحكم إلا ما استثنى، ولأنه إذا تعذر المسمى الشرعي للفظ حقيقة رد إليه بتجوز، محافظة على الشرعي ما أمكن.

وقيل: إن ذلك مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي.

(1) انظر: شرح الكوكب المنير 3/ 433 - 435.

(2)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(3)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

ص: 209

ثم أشار إلى مسألة مقاربة، وهي: إذا كان اللفظ له حقيقة لغة وشرعا فلأيهما يحمل فقال: " خطاب الشرع إذا ورد بلفظ له حقيقة في اللغة، وحقيقة في الشرع: كالوضوء، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ونحوها، فإنه يجب حمل ذلك على عرف الشرع عند أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة: يحمل على اللغوي إلا أن يدل دليل على إرادة الشرعي. قال: لأن الشرعي مجاز، والكلام لحقيقته حتى يدل دليل على المجاز. وأجيب: بأنه بالنسبة إلى الشرع حقيقة، وإلى اللغة مجاز، فذلك دليل عليه لا له. وقيل: وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله إنه مجمل. وأشار إلى أن بيان المجمل يحصل بالفعل عند جمهور العلماء فقال (1): " البيان يحصل بالفعل على الصحيح، وعليه معظم العلماء، والمراد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخالف في ذلك شرذمة قليلون. دليل المعظم- كما قال ابن الحاجب وغيره-: أنه صلى الله عليه وسلم بين الصلاة والحج بالفعل، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي (2)» . وقال: «خذوا عني مناسككم (3)» . . .، لا يقال: إن الذي وقع به البيان قول. وهو قوله: " صلوا " و" خذوا "؛ لأنا نقول: إنما دل القول على أن فعله بيان، لا أن نفس القول وقع بيانا ".

وقال صاحب أضواء البيان (4): " إن فعله صلى الله عليه وسلم في الطواف من الوضوء له، ومن هيئته التي أتى به عليها، كلها بيان تفصيل لما أجمل في قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (5)

(1) انظر: المرجع السابق 3/ 442، 443.

(2)

صحيح البخاري الأذان (631)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674)، سنن النسائي الأذان (635)، سنن أبو داود الصلاة (842)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 53).

(3)

سنن النسائي مناسك الحج (3062).

(4)

انظر: أضواء البيان 5/ 203، 204

(5)

سورة الحج الآية 29

ص: 210

وقد تقرر في الأصول: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم؛ ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب. . .، ثم قال: يعرف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمرا واجبا كالصلاة والحج، وقطع السارق، بالفعل، فهذا الفعل واجب إجماعا، لوقوعه بيانا لواجب إلا ما أخرجه دليل خاص- وبهذا تعلم أن الله تعالى أوجب طواف الركن بقوله:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) وقد بينه صلى الله عليه وسلم بفعله، وقال:«خذوا عني مناسككم (3)» ومن فعله الذي بينه به: الوضوء له- كما ثبت في الصحيحين- فعلينا أن نأخذه عنه إلا بدليل، ولم يرد دليل يخالف ما ذكرنا ".

(الثاني): لا يسلم أن تقييد المطلق، ومثله تخصيص العام زيادة تقتضي النسخ، وتفضي إلى نسخ الكتاب بخبر الآحاد.

بل إن التخصيص، قصر العام على بعض أجزائه، والتقييد نحوه: أي قصر المطلق على بعض أفراده. فهو لا يقتضي زيادة على النص تفضي إلى نسخ الكتاب بخبر الآحاد، وإنما هو بيان للمراد في الكتاب العزيز، ولذا فإن جمهور العلماء مع اتفاقهم

(1) سورة المائدة الآية 38

(2)

سورة الحج الآية 29

(3)

سنن النسائي مناسك الحج (3062).

ص: 211

على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الآحاد، متفقون على جواز تخصيص عمومه، وتقييد مطلقه بخبر الآحاد. وخالف في ذلك الأحناف. قال المجد بن تيمية (1):" فإن كان المطلق والمقيد مع اتحاد السبب والحكم في شيء واحد، كما لو قال: إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة. وقال في موضع آخر: إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة مؤمنة. فهذا لا خلاف فيه، وأنه يحمل المطلق على المقيد، اللهم إلا أن يكون المقيد آحادا والمطلق متواترا، فينبني على مسألة الزيادة على النص، هل هي نسخ، وعلى النسخ للتواتر بالآحاد، والمنع قول الحنفية " وقال ابن اللحام بعد نقله كلامه: " والأشهر بين الأصوليين: أن المقيد بيان؛ لأن المراد من المطلق كان هو المقيد، لا نسخا له "(2).

وهذا الأصل الفاسد دفع الأحناف إلى رد كثير من الأحاديث الصحيحة والسنن الثابتة بحجة أنها زيادة على ما في الكتاب، والزيادة تقتضي النسخ، والقول بها يفضي إلى نسخ الكتاب بأخبار الآحاد.

(الثالث) لو سلم أن التقييد زيادة على ما في النص، وأن آية الطواف نكرة في معرض الأمر فهي من باب المطلق، إذ المطلق ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه (3).

وأن ما جاء في السنة من هيئات، وصفات، أو أوامر،

(1) انظر: المسودة، ص 146.

(2)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية، ص 282.

(3)

انظر: شرح الكوكب المنير 3/ 392.

ص: 212

ونواه تقييد لمطلق الآية، وزيادة على ما تضمنته، لو سلم ذلك، فإن هذه الزيادة على آية الطواف لا تقتضي نسخا ولا تفضي إلى نسخ الكتاب بخبر الآحاد؛ لأن حقيقة النسخ: رفع حكم شرعي، بدليل شرعي متراخ عنه (1). وهذه الزيادة لم ترفع حكما شرعيا، وإنما رفعت أمرا مسكوتا عنه، وهذا لا يسمى نسخا، كما لا يسمى رفع البراءة الأصلية نسخا.

قال صاحب أضواء البيان (2) مبينا حجة أبي حنيفة في مخالفته الجمهور في اشتراط الطهارة والستارة للطواف: " فاعلم أن حجته في ذلك هي قاعدة مقررة في أصوله ترك من أجلها العمل بأحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلك القاعدة التي ترك من أجلها العمل ببعض الأحاديث الصحيحة، متركبة من مقدمتين:

إحداهما: أن الزيادة على النص نسخ.

والثانية: أن الأخبار المتواترة لا تنسخ بأخبار الآحاد.

فقال في المسألة التي نحن بصددها: قال الله تعالى في كتابه:

{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (3) وهو نص متواتر، فلو زدنا على الطواف اشتراط الطهارة، والستر، فإن هذه الزيادة نسخ، وأخبارها أخبار آحاد فلا تنسخ المتواتر الذي هو الآية. . . ثم قال: والتحقيق في مسألة الزيادة على النص هو التفصيل: فإن كانت الزيادة أثبتت شيئا نفاه المتواتر، أو نفت شيئا أثبته، فهي نسخ له.

(1) انظر: المصدر السابق 3/ 526.

(2)

انظر: أضواء البيان، 5/ 211، 212

(3)

سورة الحج الآية 29

ص: 213

وإن كانت الزيادة زيد فيها شيء لم يتعرض له النص المتواتر، فهي زيادة شيء مسكوت عنه، لم ترفع حكما شرعيا، وإنما رفعت البراءة الأصلية، التي هي الإباحة العقلية، ورفعها ليس بنسخ. ومثال الزيادة التي لم يتعرض لها النص بنفي ولا إثبات: زيادة تغريب الزاني البكر عاما بالسنة الصحيحة على آية الجلد، وزيادة الحكم بالشاهد واليمين على آية:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (1) وزيادة الطهارة والستر التي بينا أدلتها على آية {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2)

وهذا الأصل لا يقره شيخ الإسلام، فخلاف الأحناف لا يبرر الأخذ برأيهم لعدم اعتماده على أصل حجتهم في ذلك.

(1) سورة البقرة الآية 282

(2)

سورة الحج الآية 29

ص: 214

4 -

منع القول باضطرار الحائض للطواف في زمننا وعموم البلوى بهذه المسألة:

إن الدارس لكلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة يدرك أن الدافع له لهذه الدراسة عموم البلوى بها، لكثرة ما تقع فيه النساء من هذا الأمر، وما يسببه منعهن من الطواف من حرج وضيق ينافي مقاصد الشريعة وأصولها، وأنهن في زمنه قد بلغت بهن الحاجة إلى الطواف مع الحيض إلى درجة الضرورة. . . إلخ.

ولن أناقش شيخ الإسلام رحمه الله في الظروف التي دفعته إلى ذلك الاختيار، لكنني أستطيع أن أخلص من خلال كلامه وما أورده رحمه الله من حجج وتعليلات إلى القول: بأن ما كان ضرورة في زمنه لم يصبح ضرورة في زمننا، وما كان عاما في زمنه أصبح قليلا ونادرا في زمننا. فلم تعد الضرورة قائمة لتقييد ذلك المنع،

ص: 215

- لو قيل بتقييدها له- وإيضاح ما أجملته في النقاط التالية:

أ- أشار رحمه الله إلى أن أمراء الحج كان يحتبسون للحيض زمن الخلفاء الراشدين، ولهذا أفتى العلماء وفقهاء الأمصار بأن على المكاري أن يحتبس لها. . .

ولن أستنبط من ذلك: الإجماع على منع الحائض من الطواف زمن الحيض، أو اشتراط الطهارة له. لكني آخذ من ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتحملون مشقة عامة لتتمكن الحائض من الطواف على طهارة. فتحمل الحائض ومحرمها لبعض من المشقة- إن وجدت- لتتمكن من الطواف على طهارة أولى وأحرى.

ب- أن انتشار الحبوب المنظمة للحيض، أو التي تستطيع المرأة بتناولها أن تمنع نزول الحيض زمن الطواف، أو تقطعه زمن نزوله قلل الحاجة إلى الطواف أثناء الحيض، فلم تعد الحاجة

ص: 216

عامة ولا المسألة مما تعم بها البلوى.

ولو قيل: بضررها، أو بعدم مناسبتها لجميع النساء.

فالجواب: إن الضرر الناتج من استعمالها- لو قيل به- يتحمل لقلته، في مقابل مصلحة صحة طوافها، خروجا من خلاف من منع صحته، إذا كانت غير مستطيعة للبقاء.

ولو اضطربت عادتها فاستمر معها الدم، فإن لم يكن الدم متميزا زمن الطواف، فإن حكمها حكم المستحاضة تتلجم- تتحفظ- وتطوف.

ج- أن وجود وسائل النقل الحديثة، وتيسر السفر عما كان عليه في السابق، واستتباب الأمن في بلاد الحرمين- فضلا من الله ونعمة- فأصبحت الظعينة تأتي من أقصى المشرق أو المغرب لا تخشى إلا الله. كل ذلك يمنع القول باضطرار الحائض إلى الطواف. وإذا علم أن جميع الحجاج القادمين من خارج بلاد الحرمين- أو كثير منهم- يقدم قبل الحج بزمن طويل، بل ويمكثون في المدينة المنورة ثمانية أيام أو أكثر من ذلك مع ما ينفقونه من أموال في ذلك، تبين انعدام حاجتهن إلى ذلك، فضلا عن القول باضطرارهن إليه.

وأن ما يقع من سؤال بعضهن وإظهار الحاجة لذلك، إنما سببه التفريط، وعدم أخذ الحيطة لذلك.

د- أن مدة الحيض لغالب النساء تمتد من خمسة إلى سبعة أيام، ولو قيل بأن ابتداء حيضتها يوم النحر، فمعنى ذلك أنها مطالبة بالجلوس يومين أو أربعة أيام بعد النفر الأول، وهي مدة

ص: 217

قصيرة لا تدفع إلى القول بحاجتها أو اضطرارها للطواف وهي حائض.

فإن قيل: إن عدم سفرها في موعد حجزها، يستلزم عدم إمكانية سفرها إلا بعد مدة طويلة قد لا تستطيع بقاءها، إما لنفاد نفقتها، أو انقضاء مدة سكناها في مكان إقامتها مما قد يضطرها إلى الخروج، وقد لا تجد سكنا. أو لارتباطها بأعمال تتعلق بمصالحها، أو عدم قدرة أو استعداد محرمها للبقاء معها. . . إلى غير ذلك من الأسباب.

فالجواب: إن تقديم حجزها، مع خوفها من الحيض زمن الطواف تفريط منها وعدم أخذ للحيطة. ولا يقال: بعدم قدرتها على الطواف، أو باضطرارها إليه زمن حيضها.

5 -

منع الحائض من الطواف لا ينافي مقاصد الشريعة:

لن أخوض في نقاش طويل مع شيخ الإسلام رحمه الله في إقرار هذا الأمر أو نفيه لكن الذي أريد إيضاحه هنا يتلخص في جانبين:

أ- أن القول بأن على الحائض المضطرة إلى السفر أن تبقى على إحرامها إلى أن تعود للطواف مرة أخرى. لا يتنافى مع أصول الشريعة ومقاصدها، بل تقره الأحكام المماثلة لذلك، فإن ترك الطواف الذي هو ركن الحج موجب للرجوع ولو كان الترك بعذر.

فمن ترك الطواف نسيانا- والنسيان عذر (1) - يجب عليه أن

(1) لا يقال: كيف ينسى ذلك، إذ النسيان لا حد لصوره.

ص: 218

يبقى محرما إلى أن يعود مرة أخرى للطواف. ولا يقال: إن ذلك إيجاب لحجتين، أو لسفرين لحج واحد. ولا يقال: إن ذلك مما يخالف مقاصد الشريعة وأصولها. بل من غلب على ظنه أن الواجب الطواف من داخل الحجر، لأن المأمور به الطواف بالبيت، ومخالفة الحجر لبناء بقية البيت وانفصاله عنه بفتحتين متقابلتين قرائن على أن البيت إنما هو البناء المستور، وإن ما يفعله بقية الناس زيادة تطوع، وهو يريد الاقتصار على الواجب. كل ذلك لا يعد عذرا له، في بقائه على إحرامه، ورجوعه مرة أخرى لإعادة الطواف (1).

ب- أن القول بأن على الحائض المضطرة إلى السفر أن تتحلل من إحرامها تحلل المحصر، ويبقى الحج في ذمتها، لا يتنافى مع أصول الشريعة ومقاصدها، بل تقره الأحكام المماثلة لذلك. فإن المحصر من منع من إكمال مناسكه، فالحائض تقاس على المحصر بمرض على القول بأنه كالمحصر بعدو، أو تقاس على المحصر بعدو؛ لأن المانع لها من الطواف زمن طهرها هو محرمها أو الركب الذين معها، إذا رفضوا الإقامة معها

(1) إلا على قول الأحناف: إن الطواف من داخل الحجر، ترك لربع الطواف. وترك الأقل موجب للدم.

ص: 219