الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن قدامة: " وعن أحمد أنه إذا رمى الجمرة فقد حل. وإن وطئ بعد جمرة العقبة، فعليه دم، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق. وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى "(1) اهـ.
قلت: والمتقرر عند الشافعية - كما سيأتي إن شاء الله- أنهم يفصلون في الحلق بقولهم: إن قلنا: الحلق نسك حصل التحلل بفعل اثنين من ثلاثة: الرمي والحلق وطواف الإفاضة. وإن قلنا: إباحة بعد حظر حصل التحلل بدونه؛ أي بفعل واحد من اثنين.
(1) المغني لابن قدامة (5/ 309).
حصول التحلل الأول بفعل اثنين من الثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف بالبيت:
هذا مذهب الشافعية، والصحيح المشهور في مذهب الحنابلة.
قال الشيرازي: الشافعي في المهذب: " إن قلنا: إن الحلق نسك حصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة، وهي: الرمي، والحلق، والطواف، وحصل التحلل الثاني بالثالث. وإن قلنا: إن الحلق ليس بنسك، حصل التحلل الأول بواحد من اثنين: الرمي والطواف، وحصل التحلل الثاني بالثاني " اهـ.
وقرره شارحه الإمام النووي (1)، والبغوي (2).
(1) المجموع شرح المهذب (8/ 162).
(2)
شرح السنة للبغوي (7/ 209).
وقال الماوردي: " فالرمي نسك يتحلل به، ولا يختلف، ونحر الهدي ليس بنسك لا يختلف. وفي الحلق قولان مضيا: أحدهما: أنه نسك يتحلل به.
والثاني: أنه إباحة بعد حظر " (1) اهـ.
وقال ابن قدامة: " مسألة: قال: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) وجملة ذلك: أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة، ثم حلق، حل له كل ما كان محظورا بالإحرام إلا النساء.
هذا هو الصحيح من مذهب أحمد رحمه الله، نص عليه في رواية جماعة. فيبقى ما كان محرما عليه من النساء، من الوطء، والقبلة، واللمس لشهوة، وعقد نكاح، ويحل له ما سواه، هذا قول ابن " الزبير، وعائشة، وعلقمة، وسالم، وطاوس، والنخعي، وعبيد الله بن الحسن، وخارجة بن زيد، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروي أيضا عن ابن عباس "(2) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الرواية المنصوصة عن الإمام أحمد رحمه الله: " قال القاضي: وهي أصح الروايتين "(3) اهـ.
وقال المرداوي رحمه الله: " وهو الصحيح من المذهب "(4).
وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: " فعلى الرواية الثانية:
(1) الحاوي الكبير (4/ 189).
(2)
المغني لابن قدامة (5/ 307).
(3)
شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 540).
(4)
الإنصاف (4/ 41).
الحلق إطلاق من محظور. وفي التعليق: نسك، كالمبيت بمزدلفة، ورمي اليوم الثاني، والثالث. واختار الشيخ أنه نسك، ويحل قبله " (1) اهـ.
قلت: ويعني بالشيخ ابن قدامة، كما تقدم عنه قريبا أنه صحح حصول التحلل الأول بمجرد الرمي فقط.
وقال الغزالي رحمه الله بعد ذكره للرمي والحلق: " ومهما حلق بعد رمي الجمرة فقد حصل له التحلل الأول، وحل له كل المحذورات إلا النساء والصيد. . . إلى أن قال: وأسباب التحلل الأول: الرمي، والحلق، والطواف الذي هو ركن، ومهما أتى باثنين من هذه الثلاثة فقد تحلل أحد التحللين "(2) اهـ.
هذا وقد أجمل بعض أهل العلم في نقل مذاهب العلماء في هذه المسألة، وذلك على النحو التالي: قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، يرون أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر وذبح وحلق أو قصر، فقد حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء.
وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " حل له كل شيء إلا النساء والطيب ".
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من
(1) الفروع لابن مفلح (3/ 515).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 304).
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول أهل الكوفة " (1) اهـ.
وقال ابن هبيرة رحمه الله تعالى: " واتفقوا على أن التحلل الأول يحصل بشيئين من ثلاثة، هي: الرمي، والحلق، والطواف، فهو يحصل بالرمي والحلق، أو بالرمي والطواف، أو بالطواف والحلق "(2) اهـ.
ونقل العيني رحمه الله عن ابن المنذر رحمه الله ما نصه: " قال ابن المنذر: اختلف العلماء فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة، قبل الطواف بالبيت، فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وابن الزبير، وعائشة رضي الله عنها أنه يحل له كل شيء إلا النساء. وهو قول سالم، وطاوس، والنخعي، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور "(3) اهـ.
وقال العيني أيضا: " وأما الطيب بعد رمي جمرة العقبة، فقد رخص فيه ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وابن الزبير، وعائشة، وابن جبير، والنخعي، وخارجة بن زيد، وهو قول الكوفيين، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وكرهه سالم ومالك "(4) اهـ.
(1) سنن الترمذي (3/ 259) رقم (917).
(2)
الإفصاح (1/ 296).
(3)
عمدة القاري (10/ 93).
(4)
عمدة القاري (9/ 157).
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى: " والتحلل تحللان: تحلل أكبر، وهو طواف الإفاضة، وتحلل أصغر، وهو رمي جمرة العقبة "(1).
وقال في موضع آخر: " للحج تحلل يشبه السلام في الصلاة، وهو التحلل الأكبر، وهو الإفاضة، وتحلل أصغر. وهل يشترط في إباحة الجماع التحللان أو أحدهما؟ ولا خلاف بينهم أن التحلل الأصغر الذي هو رمي الجمرة يوم النحر أنه يحل به الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إلا النساء والطيب والصيد فإنهم اختلفوا فيه.
المشهور عن مالك أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب، وقيل عنه: إلا النساء، والطيب، والصيد؛ لأن الظاهر من قوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (2) أنه التحلل الأكبر.
واتفقوا أيضا أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت
(1) بداية المجتهد (1/ 363).
(2)
سورة المائدة الآية 2
وسعى بين الصفا والمروة، وإن لم يكن حلق، ولا قصر؛ لثبوت الآثار في ذلك، إلا خلافا شاذا " (1) اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإذا فعل ذلك (يعني الرمي والحلق) فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول "(2) اهـ.
وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: " فإذا أتوا منى أحببنا لهم التطيب بعد أن يرموا جمرة العقبة. . . إلى أن قال: ويحلقون أو يقصرون، والحلق أفضل للرجال، وينحرون الهدي إن كان معهم، ثم قد حل ما كان من اللباس حراما على المحرم، وحل لهم التصيد في الحل، والتطيب حاشا الوطء فقط "(3).
وقال في موضع آخر: " وأما اختيارنا الطيب بمنى قبل رمي الجمرة فلما قد ذكرنا قبل في اختيار التطيب للإحرام من النص.
وممن قال بذلك من الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم، فأغنى عن إعادته.
وأما قولنا: أن يرمي الجمرة، وبدخول وقتها يحل للمحرم بالحج أو القران كل ما كان عليه حراما من اللباس، والطيب، والتصيد في الحل، وعقد النكاح لنفسه، ولغيره، حاشا الجماع فقط، فإنه حرام عليه بعد حتى يطوف بالبيت- فهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهم.
(1) بداية المجتهد (1/ 380).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام (26/ 137).
(3)
المحلى لابن حزم (7/ 147).
وقال مالك وسفيان: إذا رمى الجمرة حل له كل شيء إلا النساء والتصيد والطيب. . . إلى أن قال: فصح أن الإحرام قد بطل بدخول وقت الرمي، والحلق، والنحر، رمى أو لم يرم، حلق أو لم يحلق، نحر أو لم ينحر، طاف أو لم يطف. وإذا حل له الحلق الذي كان حراما في الإحرام، فبلا شك أنه قد بطل الإحرام، وبطل حكمه. وإذا كان ذلك فقد حل " (1) انتهى باختصار.
قلت: وخلاصة قول ابن حزم هذا أمور:
1 -
أنه اختار الطيب بمنى قبل رمي جمرة العقبة.
2 -
ذكر الرمي، والنحر، والحلق أو التقصير، وقال بعدها:" ثم قد حل للحاج ما كان من اللباس حراما على المحرم ".
3 -
أحب للحاج التطيب بعد رمي جمرة العقبة. وهذا ظاهره التعارض مع فقرة واحد.
4 -
يرى أن دخول وقت رمي جمرة العقبة يحل به للمحرم كل ما كان عليه حراما حاشا الجماع. ثم نسبه أيضا للإمام أبي حنيفة والشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهم.
وجاء في السيل الجرار ما نصه: " السابع: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات، مرتبة مباحة طاهرة غير مستعملة. ووقت أدائه من فجر النحر غالبا إلى فجر ثانيه، وعند أوله يقطع التلبية، وبعد يحل له غير الوطء " اهـ وقرره الشوكاني (2).
(1) المحلى (7/ 183، 184، 185).
(2)
السيل الجرار (2/ 186، 205).