الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل (1)».
26 -
ومن فضل الله الرفق؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه (2)» .
والأمثلة كثيرة بأدلتها من الكتاب والسنة، لكن ما أوردناه كاف في الدلالة على أن للرزق مفهوما عاما يدخل تحته كل نعم الله، وعطائه، وفضله؛ ما ظهر وما بطن، وما تقدم وما تأخر، وما كان في الدنيا أو في الآخرة:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (3) صدق الله العظيم.
(1) صحيح مسلم 1/ 163 رقم 297، وأخرجه الترمذي في الجامع 4/ 687 رقم 3552.
(2)
صحيح مسلم 4/ 2004 رقم 2593.
(3)
سورة إبراهيم الآية 34
علاقة الرزق بالقضاء والقدر:
إن ما قضاه الله سبحانه وتعالى وقدره كائن ولا بد، وإن مما قضاه وقدره أربعة أمور: العمل، والرزق، والسعادة أو الشقاء.
أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا يؤمر بأربع كلمات ويقال له:
اكتب عمله، ورزقه، وشقي أو سعيد. . . (1)» الحديث.
لكن كثيرا من الناس يظن أن أمر الرزق أنف، وأنه كلما اجتهد في طلبه كان تحصيله له أكثر، وكلما بذل له الأسباب كاملة كان حجمه أكبر.
ولو تأملنا أرزاق الناس لوجدناها متفقة مع قضاء الله وقدره، فكم من مجتهد في طلب الرزق وقد قدر عليه، وكم من كسول قد بسط له في رزقه؛ لأن قضاء الله وقدره متفق وحكمته سبحانه، فهو يعطي ويبسط في الرزق لمن يشاء لحكمة عظيمة؛ ويمنع ويقدر أيضا لحكمة عظيمة؛ لذلك فالرزاق والرازق هو الله لا غيره، وقد تسمى بأسماء عظيمة؛ من هذه الأسماء ما له علاقة بالرزق، منها:
الواسع، المغني، الكريم، المقتدر، الوهاب، الوكيل، الرزاق. هذه الأسماء ودلالتها في باب الرزق واضحة وجلية كما سيأتي:
ا- الواسع: هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه. والسعة في كلام العرب: الغنى، ويقال: الله يعطي عن سعة؛ أي: عن غنى (2).
قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} (3) وقال عز وجل: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (4).
(1) صحيح البخاري 6/ 303 رقم 3208 كتاب بدء الخلق.
(2)
انظر كلام الخطابي في كتابه (شأن الدعاء) ص 72.
(3)
سورة النساء الآية 130
(4)
سورة البقرة الآية 247
إن من يعطي الليل والنهار، ويرزق الخلق أجمعين؛ لا بد وأن يكون واسعا، وأن يكون غنيا، وتكون لديه خزائن لا تنفد، وهذا كله لا يكون إلا لله، فهو إنما يقول للشيء: كن، فيكون.
ومن سعته وكثرة نعمه أعطى الأولين والآخرين، ولا يزال يعطي، وسيعطي؛ لأنه لا يعجزه شيء، ولذلك تسمى بالواسع.
والعبد الفقير إذا علم ذلك، فإنه يلجأ إليه، ويسأله من واسع فضله، ويسأله الرزق، ويسأله الصحة والعافية، ويسأله الزوجات والأولاد، ويسأله الأموال، ويسأله كل شيء؛ لأنه الواسع العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
2 -
المغني: هو الذي جبر مفاقر الخلق، وساق إليهم أرزاقهم، وأغناهم عمن سواه؛ قال تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} (1).
ويكون المغني بمعنى: الكافي، من الغناء وهو الكفاية (2). قال تعالى:{وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (3)، وقال عز وجل:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (4) وقال سبحانه: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} (5)، وقال جل شأنه:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (6).
(1) سورة النجم الآية 48
(2)
شأن الدعاء ص 93.
(3)
سورة التوبة الآية 74
(4)
سورة التوبة الآية 28
(5)
سورة الأنعام الآية 133
(6)
سورة محمد الآية 38
إذن هو غني غنى لا حدود له، وإلا لما كان مغنيا، فهو سبحانه وتعالى يفيض على خلقه: الإنس والجن، الحيوانات والحشرات والطير. . . يفيض عليهم من فضله، بل ويغنيهم عمن سواه، ويكفيهم فلا يحتاجون غيره، ولذلك تسمى بالمغني.
3 -
المقتدر: هو التام القدرة، لا يمتنع عليه شيء، ولا يحتجز عنه بمنعة وقوة؛ قال تعالى:{عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (1)، وقال عز وجل:{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} (2)، وقال سبحانه:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (3) أي: قادر على ما يشاء، فهو قد رزق جميع المخلوقات بأنواع الأرزاق المختلفة، بالكيفيات المتنوعة، السهل منها والصعب؛ كل بما يناسبه، وبالهيئة التي اقتضت حكمة الحكيم أن يكون عليها، بواسطة وبغير واسطة، فهو على كل شيء قدير؛ ولذلك تسمى سبحانه وتعالى بالمقتدر.
4 -
الوهاب: هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابة، ولا يستحق أن يسمى وهابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت. والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالا، أو نوالا في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولدا لعقيم، ولا هدى لضال، ولا عافية لذي بلاء. والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده
(1) سورة القمر الآية 55
(2)
سورة القمر الآية 42
(3)
سورة الكهف الآية 45
ورحمته، فدامت مواهبه، واتصلت مننه وعوائده. . . (1) قال تعالى:{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} (2)، وقال الوهاب:{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا} (3) قال سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (4).
والوهاب: من أبنية المبالغة، لكثرة هباته وعطاياه الخالية عن الأعواض والأغراض سبحانه. وهو بمعنى: المنعم على العباد، ولا يطلق الوهاب إلا على الله؛ لأنه دائم العطاء والإنعام. . . ولذلك سمى نفسه بالوهاب (5).
5 -
الكريم: وهو كثير الخير، يقال للناقة الكثيرة الحليب: كريمة، ويقال للنخلة: كريمة، وللعنب: كرمة؛ أي كريمة. وقد يسمى الشيء الذي له قدر وخطر: كريما.
ومن كرم الله سبحانه أن يبدأ بالنعمة قبل استحقاق، ومن كرمه أن العبد إذا تاب عن السيئة محاها عنه وكتب له مكانها حسنة (6).
قال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (7)، وقال سبحانه:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (8)،
(1) شأن الدعاء ص 53.
(2)
سورة الشورى الآية 49
(3)
سورة ص الآية 43
(4)
سورة مريم الآية 50
(5)
انظر لسان العرب 1/ 803 بتصرف.
(6)
شأن الدعاء ص 70، 71.
(7)
سورة المؤمنون الآية 116
(8)
سورة النمل الآية 40
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} (1).
إن أكرم الأكرمين هو الله، تكرم فخلق الخلق، وأوجدهم من العدم، ورباهم بالنعم، وتفضل بأنواع النعم التي لا تعد ولا تحصى، على الأولين والآخرين.
من كرمه سبحانه أنه يعطي من دون مسألة، وإذا سئل، وبعد السؤال، وكلما ألح العبد بالسؤال زاده من فضله، بل ويغضب إذا لم يسأل.
ومن كريم كرمه وعظيمه أنه يعطي من يحب ومن لا يحب، ويعطي ويتكرم على البر والفاجر، وعلى المؤمن والكافر، وعلى كل مخلوق حي، خيره على الدوام نازل، والشر ليس إليه، يتحبب إلى أوليائه بنعمه وفضله، ويأمرهم بشكره والثناء عليه حتى يزيدهم من فضله؛ لأنه كريم، ولذلك تسمى بالكريم.
6 -
الوكيل: هو الكافي، ومعناه: الكفيل بأرزاق العباد، والقائم عليهم بمصالحهم.
وحقيقته أنه الذي يستقل بالأمر الموكول إليه. ومن هذا قول المسلمين: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (2) أي نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها (3).
قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (4)
(1) سورة الانفطار الآية 6
(2)
سورة آل عمران الآية 173
(3)
شأن الدعاء ص 77.
(4)
سورة الأنعام الآية 102
وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (1)، وقال جل وعلا:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} (2)، وقال عز من قائل:{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (3).
ودلالة الآيات واضحة في أنه سبحانه وتعالى قد تكفل وقام بكل شيء تحتاجه مخلوقاته؛ لأنه على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، ولأنه حكيم وخبير يضع كل شيء في مكانه، ولأنه رحيم لطيف؛ ولذلك تسمى بهذا الاسم الحسن (الوكيل).
7 -
الرزاق: هو المتكفل بالرزق، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمنا دون كافر، ولا وليا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له ولا مكتسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، يوصل الرزق إلى محتاجه بسبب وبغير سبب، وبطلب وبغير طلب. . . (4) قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (5) وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} (6)
(1) سورة النساء الآية 132
(2)
سورة المزمل الآية 9
(3)
سورة الأحزاب الآية 3
(4)
شأن الدعاء ص54، 55.
(5)
سورة الذاريات الآية 58
(6)
سورة سبأ الآية 24
وقال عز من قائل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (1)، وقال عز وجل:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (2)، وقال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3).
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم (4)» .
ما سبق من النصوص وغيرها كثير، له دلالة واضحة في أن الله هو الرزاق، ولا رازق غيره في شتى أنواع الرزق، سواء الرزق الظاهر أو الباطن أو ما كان ماديا أو معنويا، وسواء للعقلاء أو لغيرهم.
والأرزاق التي تأتي عن طريق المخلوقين، إنما هم في ذلك أسباب اقتضت حكمة الله أن تكون عن طريقهم، وهي سنة من سنن الله. ومثال ذلك: حصول الولد لا يكون إلا بعد الزواج، وحصول المحصول لا يكون إلا بعد حرث الأرض وتعهدها، وحصول الوظيفة لا يكون إلا بعد التقدم إلى من تكون عنده. . . الخ.
(1) سورة الأنعام الآية 151
(2)
سورة هود الآية 6
(3)
سورة العنكبوت الآية 60
(4)
انظر فتح الباري 13/ 360 رقم 7378، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2160 رقم 50.