الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ج)
مصادر التلقي:
ترى الماتريدية أن مصدر التلقي الأول في "معظم أبواب التوحيد هو العقل دون النقل؛ وذلك لأن الأدلة العقلية عندهم قطعية (1)، أما السمعية فإنها- بزعمهم- ظواهر ظنية (2). وقد قسموا أصول الدين إلى عقليات وسمعيات، فمصدر التلقي في العقليات هو العقل، وهو الأصل، والنقل تابع له، ويشمل هذا معظم أبواب التوحيد والصفات.
وأما السمعيات فمصدر التلقي فيها هو النقل، والعقل تابع له، وتشمل أمورا: كعذاب القبر والصراط وأحوال الآخرة. وأما إذا قدر تعارض بين الأدلة العقلية والسمعية- يعني في أبواب التوحيد- فإنهم يقدمون الأدلة العقلية التي هي عندهم قطعية، وأما السمعية فعندهم مصيرها التأويل والتحريف أو النفي؛ لأنها إنما هي ظنية بزعمهم (3). قال الزبيدي عند كلامه عن صفتي الاستواء والنزول حيث أراد وضع قانون كلي لإبطال تلك الصفات فقال: وأجيب عنه بجواب إجمالي، وهو كالمقدمة للأجوبة التفصيلية، وهو أن الشرع إنما ثبت بالعقل. . . فلو أتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع
(1) إشارات المرام (189، 199)، شرح العقائد النسفية (5، 42)، نشر الطوالع (222).
(2)
حاشية عبد الحكيم على الخيالي (ص 184) مع المصادر السابقة.
(3)
إشارات المرام (199)، شرح العقائد النسفية (42)، نشر الطوالع (228)، المسايرة (32، 35).
والعقل معا، إذا تقرر هذا فنقول: كل لفظ يرد في الشرع. . . وهو مخالف للعقل. . . إما أن يتواتر أو ينقل آحادا، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد، وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل، بل لا بد وأن يكون ظاهرا. . . والقاعدة عندهم: أن كل نص إذا أخبر به الصادق وهو أمر ممكن ولم يكن مخالفا فلا يؤول، كالبعث والنشر ونعيم الجنة وعذاب النار، أما إذا كان نصا دالا على أمر محال مخالف للعقل- بزعمهم- فلا بد من تأويله، كعلو الله تعالى واستوائه على عرشه، ونزوله في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا (1).
ويقولون: إن النصوص إذا كانت خلاف العقل، فإن كانت متواترة فهي وإن كانت قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، فالعقل مقدم عليها؛ فلذلك الأدلة النقلية تؤول أو تفوض، أما الأدلة العقلية، فلا تأويل لها، بل تأويلها محال (2).
فالحاصل أن منهج الماتريدية في نصوص الوحي باطل فاسد؛ لأنه صريح في أن العقل أصل والشرع تابع له.
(1) النبراس في شرح العقائد النسفية (ص 316 - 317).
(2)
شرح العقائد النسفية (ص 5، 42).