الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن ذلك كله وغيره بتقدير الله وتدبيره وبرحمته ولطفه، فإذا لم يرد الله أو يقدر ترتيب النتائج على الأسباب، فإنه لا يحصل المراد؛ فكم من باذل للأسباب لم يحصل له مقصوده؛ لأن الله لم يرده لحكمة يعلمها هو، والرزاق دائم العطاء؛ عطاؤه لحكمة، ومنعه لحكمة.
ومعرفة أسماء الله وصفاته، وتأمل معانيها ودلالاتها، تجعل العبد يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الرزق من الله للعباد وفق سنن وأسباب قدرها الله لحكم عظيمة؛ لأنه أعلم بما يصلح الخلق، ولعلمه المحيط والسابق.
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر:
بعلم الله وحكمته، يعطي ويمنع، ويبسط ويقدر؛ يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة. عطاؤه في كل الأحوال ليس دليلا على الرضا، ومنعه في كل الأحوال ليس دليلا على المقت، وفي كل الأحوال عطاؤه ومنعه وبسطه وقدره فتنة واختبار وامتحان؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (1)، وقال تعالى:{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (2)، وقال عز وجل:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} (3){وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (4){كَلَّا} (5).
(1) سورة الأنبياء الآية 35
(2)
سورة الأنعام الآية 165
(3)
سورة الفجر الآية 15
(4)
سورة الفجر الآية 16
(5)
سورة الفجر الآية 17
وعلى هذا فالله يعطي بسبب وبدون سبب، ويبسط الرزق ويقدر، وكل ذلك بقضائه وقدره، وفق حكمته وعلمه ورحمته ولطفه؛ قال تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1). قال ابن كثير: " أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2) (3). وقال عز وجل:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (4){وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (5){وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} (6){قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (7)، وقال سبحانه:{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (8){أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (9)، وقال تعالى:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (10)، وقال عز وجل:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (11){وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (12)،
(1) سورة الشورى الآية 12
(2)
سورة الشورى الآية 12
(3)
تفسير ابن كثير 7/ 182 ط الشعب.
(4)
سورة سبأ الآية 36
(5)
سورة سبأ الآية 37
(6)
سورة سبأ الآية 38
(7)
سورة سبأ الآية 39
(8)
سورة الروم الآية 36
(9)
سورة الروم الآية 37
(10)
سورة الرعد الآية 26
(11)
سورة الشورى الآية 27
(12)
سورة الشورى الآية 28
وقال جل وعلا: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)، وقال تعالى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (2){إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (3){وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (4){وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (5)، وقال سبحانه:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (6){وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (7){اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (8){وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (9)، وقال عز وجل:{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (10).
وعن عبد الله بن مسعود قال: " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه
(1) سورة الزمر الآية 52
(2)
سورة الإسراء الآية 29
(3)
سورة الإسراء الآية 30
(4)
سورة الإسراء الآية 31
(5)
سورة الإسراء الآية 32
(6)
سورة العنكبوت الآية 60
(7)
سورة العنكبوت الآية 61
(8)
سورة العنكبوت الآية 62
(9)
سورة العنكبوت الآية 63
(10)
سورة القصص الآية 82
الإيمان. فمن ضن بالمال أن ينفعه، وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله " (1).
وقال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (2)، وقال عز من قائل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3)، وقال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (4).
ويتضح من النصوص السابقة أن الرزق وسعته وضيقه من الله، فهو سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاء وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته على الأوجه التالية:
1 -
إما فضلا منه ورحمة ابتداء.
2 -
أو امتحانا، واختبارا.
3 -
أو استدراجا وإمهالا وعذابا.
(1) أخرجه الطبراني (انظر مجمع الزوائد 10/ 9) ثم قال الهيثمي: رواه الطبراني موقوفا، ورجاله رجال الصحيح.
(2)
سورة آل عمران الآية 37
(3)
سورة التوبة الآية 28
(4)
سورة النحل الآية 75