الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحكم له بالإسلام، بينما يذهب جمهور الأشعرية والماتريدية إلى أن الإيمان تصديق بالقلب، ولا يشترطون لزوم النطق باللسان.
ويرى بعض منهم عدم صحة إيمان المقلد (1).
(3)
في القدر: كان ابن كلاب يثبت القدر في الجملة على طريقة أهل السنة والجماعة، أما الأشعري فإنه أتى بعد ذلك بنظرية (2) الكسب، وهي أقرب ما تكون إلى مذهب الجبرية.
(1) انظر فتح الباري لابن حجر (13: 362).
(2)
شرح المواقف (8/ 145، 146).
(ج)
مصادر التلقي:
ذكرنا فيما سبق أن ابن كلاب أراد نصرة السنة ببراهين أصولية وحجج عقلية؛ فلذا كان يقدم العقل على النقل في بعض المسائل، قال السجزي:" فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعما منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علما "(1).
فمن ذلك: مسألة القرآن:
فقد كان الناس فريقين في شأن القرآن، حيث ذهب أهل السنة إلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وذهب المعتزلة إلى أنه مخلوق، فحاول ابن كلاب التوسط بين المذهبين، فأتى بقول هو تلفيق منهما، فقال:" إن القرآن هو حكاية عن كلام الله ". هذا
(1) الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي (ص 81).
مع أنه يقول: " إن كلام الله تعالى غير مخلوق". وهو أول من أحدث القول ببدعة الكلام النفسي وأنكر الحرف والصوت، وهذه البدعة لا دليل عليها من الشرع، وإنما أتى بها لما ظنها دليلا عقليا لنصرة مذهب أهل السنة والجماعة (1).
بعض مسائل الصفات:
فقد صرف بعض النصوص في الصفات عن ظاهرها، واستخدم التأويل العقلي، وذلك في مثل صفة الأصابع لله تعالى، فقد صرف النص عن ظاهره، وأول الأصابع بأنها نعم الله تعالى، فحديث:«إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن (2)» . . . فالإصبعان هنا نعمتان من نعم الله تعالى (3) وأما عموم المسائل الأخرى فإنه قدم فيها النقل على العقل. ومما يدل على ذلك إثباته للصفات الخبرية، كالوجه والعين واليد، والصفات الفعلية كالعلو والاستواء. فقد قال بعد كلامه عن تقرير صفة العلو: فكيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطق به وشاهد له (4) أما من اتبعوا طريقته فقد توسعوا في استعمال العقل حتى قدموه على النقل في أكثر المسائل، ويدل على ذلك إنكارهم
(1) المصدر السابق، نفس الصفة.
(2)
مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء (4/ 2045 / ح2654) من حديث عبد الله بن عمرو.
(3)
طبقات الحنابلة (2/ 133).
(4)
درأ التعارض (6/ 194) ونقله عن ابن فورك.
للصفات الخبرية، كالوجه والعين واليدين، وكذلك الصفات الفعلية، كالعلو والاستواء وغيرها، وكثير من هؤلاء ممن انتسب إلى الأشعري والماتريدي. وسأنقل هنا قولا لأحد أئمة الماتريدية في بيان منهجهم، ثم أتبعه بقول لأحد أئمة الأشعرية توضح منهجهم كذلك في التلقي:
(1)
قال الزبيدي الماتريدي: إن الشرع إنما ثبت بالعقل. . .، فلو أتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا. إذا تقرر هذا فنقول: كل لفظ يرد في الشرع. . . وهو مخالف للعقل. . . إما أن يتواتر أو ينقل آحادا، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد، وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل، بل لا بد وأن يكون ظاهرا. . .
(2)
قال الرازي الأشعري: اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة:
(أ) إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين، وهو محال.
(ب) وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين، وهو محال.
(ج) وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية،
وذلك باطل؛ لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم، ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية، صار العقل متهما غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا وأنه باطل، ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها. . . (1)
والحاصل أن عامة المتبعين لابن كلاب من المتأخرين يجعلون العقل أصل التلقي في مسائل الإلهيات ويجعلون النقل تابعا، ثم إن أهل التصوف منهم يضيفون الكشف والذوق كمصادر للتلقي، فيقدمونها على النص، ويؤولون النص ليوافقهم (2). وكل هذه الطرق مخالفة للحق الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم.
والواجب تقديم النص والنقل على ما عداه، فإنه وحي الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأما العقل فإنه يخطئ ويصيب، ولا يجوز جعله عمدة التلقي فضلا
(1) أساس التقديس للرازي (168، 173).
(2)
الرسالة اللدنية للغزالي ضمن مجموعة القصور العوالي (1/ 114 - 118).