الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعرفة. وهو بهذا يخالف جماهير أهل السنة والجماعة، فإن الإيمان عند السلف- أهل السنة والجماعة- تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح (1). فهم يجعلون الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، أما ابن كلاب فيخالفهم في ذلك، وإن كان يوافق في مسألة صحة إيمان المقلد ومرتكب الكبيرة كما سبق الكلام عنه.
وكذلك له قول آخر عجيب في صفات الذات، وهو أن صفات الباري سبحانه وتعالى لا تتغاير، وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها، وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها (2).
وهو بهذا يقترب من قول النفاة من المعتزلة، كأبي الهذيل العلاف المعتزلي، فإن الأشعري لما نقل مقالة أبي الهذيل في صفات الذات، وأن الصفة منها لا يقال فيها هي الأخرى ولا هي غيرها، قال الأشعري: وهذا نحو ما أنكر من قول عبد الله بن كلاب (3).
(1) أصول الدين للبغدادي (ص 104، 149)، وطبقات السبكي (1/ 95).
(2)
المقالات (ص 170، 546).
(3)
المقالات (ص 117).
(هـ)
أشهر الرجال والفرق:
(1)
أشهر الرجال:
قام تلامذة لعبد الله بن كلاب بنشر مذهبه والانتصار له والذب عنه؛ لذلك سموا الكلابية، وأشهر هؤلاء التلاميذ هم:
(أ) الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي، أبو عبد الله:
ولد بالبصرة عام 165 هـ تقريبا، وانتقل إلى بغداد فعاش بها، وكان المحاسبي مشهورا بالتصوف، وكان يرى كفر المعتزلة، وكان على خلاف مع أبيه الذي نسب إلى القول في القدر بقول المعتزلة، حتى إن الحارث دعاه إلى تطليق أمه، ولما مات لم يأخذ من تركته شيئا.
وكان الحارث على صلة بأهل الحديث، وروى عن بعضهم، لكنه انشغل بالتصوف والكتابة في شأن التصوف حتى نقم عليه أهل الحديث، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
وقد اهتم المحاسبي اهتماما كبيرا بإصلاح القلب والنية والعمل، وصنف في ذلك التصانيف الكثيرة، واهتم به جدا، وكان مع ذلك يأمر باتباع الكتاب والسنة ولزوم حدودهما، ويحذر من مخالفتهما جدا، غير أنه انتقد بعض أهل الحديث والفقه بما لا يتابع ولا يوافق عليه بحال. وقد وافق الحارث أهل السنة في إثبات الصفات الإلهية على الجملة، وكذلك إثبات أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، كذلك فإنه انتصر بشدة لإثبات صفة العلو والاستواء، ورد على الحلولية ردا موسعا قويا، وكذلك وافق أهل السنة في إثبات الشفاعة، وفي مسألة مرتكب الكبيرة، وشنع بشدة على المعتزلة ووصفهم بالضلال.
غير أنه قد روي عنه أقوال في شأن الصفات والأفعال الاختيارية يوافق فيها ابن كلاب، بما يعني نفي الصفات والأفعال الاختيارية، إذ حكم بأزلية الصفات جميعها، وله نصوص في
ذلك يرجع إليها في مواضعها (1).
وقد ذكر غير واحد أنه وافق ابن كلاب في هذه المقالات ونحوها. وتوفي الحارث بن أسد المحاسبي ببغداد في عام 243 هـ.
(ب) أبو العباس القلانسي:
تاريخ ولادة القلانسي غير محدد على وجه الدقة؛ وذلك لأن كتب التراجم لم تهتم بترجمته كثيرا، وكذلك تاريخ وفاته، لكن المؤكد أنه كان معاصرا لأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى (2).
وقد اتفق القلانسي مع ابن كلاب في أكثر المسائل التي انفرد بها عن جمهور أهل السنة، ومنها قوله: إن الله قديم بقدم هو قائم به. خلافا للأشعري القائل بأنه قديم لذاته (3). وقد أجاز وجود الكلام لما ليس بحي، وذلك خلافا للأشعرية الذين جعلوا
(1) فهم القرآن للمحاسبي (ص 263، 307، 340 - 346، 370).
(2)
تبيين كذب المفتري (ص 398).
(3)
أصول الدين للبغدادي (ص 89).
الحياة شرطا للكلام (1). وله أقوال أخرى في مسائل وافق فيها ابن كلاب.
وقد نسبه إلى الكلابية جماعة، منهم البغدادي في أصول الدين، ومنهم الشهرستاني، ومنهم ابن تيمية رحمه الله تعالى.
لكن يرى ابن تيمية أن القلانسي كان أقرب إلى أهل السنة من كلابية خراسان، فيقول:" كما أن العراقيين المنتسبين إلى أهل الإثبات من أتباع ابن كلاب، كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأمثالهم أقرب إلى السنة، وأتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله من أهل خراسان المائلين إلى طريقة ابن كلاب "(2). فهذان الشيخان هما أشهر تلاميذ مدرسة ابن كلاب الكلامية المذكورة.
وهناك تلاميذ آخرون لهذه المدرسة، لكنهم ليسوا كهذين في الشهرة، ولعل أبا الحسن الأشعري رحمه الله أشهر من سلك طريقة ابن كلاب في كثير من مسائلها، لكن هذا كان في الطور الثاني من مراحله الفكرية، إلا أنه استقر في طوره الثالث والأخير على عقيدة أهل السنة؛ ولهذا فإننا لن تكلم هنا عن الأشعري.
قال الشهرستاني: وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب (3). لكن كما ذكرنا فإنه استقر في آخره على عقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
(1) المصدر السابق (29).
(2)
الملل والنحل (1/ 89).
(3)
الملل والنحل (1/ 89).