الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحل قبله؟ على وجهين: أحدهما: يحل؛ لأنه لم يبق عليه شيء من واجباته. والثاني: لا يحل؛ لأنه من أفعال الحج، فيأتي به في إحرام الحج كالسعي في العمرة " (1) اهـ.
(1) المغني (5/ 314).
مسألة: بأي شيء يكون التحلل من العمرة
؟
قال الإمام النووي رحمه الله: " وأما العمرة، فليس لها إلا تحلل واحد بلا خلاف، وهو الطواف والسعي، ويضم إليها الحلق، إن قلنا هو نسك، وإلا فلا "(1) اهـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والقول بأن الحلق نسك هو قول الجمهور، إلا رواية مضعفة عن الشافعي، أنه قال: استباحة محظور "(2) اهـ.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " والتقصير نسك وهو المشهور فلا يحل إلا به. وفيه رواية أخرى أنه إطلاق من محظور، فيحل بالطواف والسعي حسب "(3) اهـ.
وقال أيضا: " فصل: الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد، وقول الخرقي وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي. وعن أحمد: أنه ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرما عليه بالإحرام، فأطلق فيه عند
(1) المجموع (8/ 164).
(2)
فتح الباري (3/ 561).
(3)
المغني لابن قدامة (5/ 244).
الحل، كاللباس والطيب، وسائر محظورات الإحرام. فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه، ويحصل التحلل بدونه. . . إلى أن قال: والرواية الأولى أصح " (1) اهـ.
قلت: وقد غلط شيخ الإسلام رحمه الله الرواية الثانية بقوله: " واعلم أن هذا القول غلط على المذهب، ليس عن أحمد ما يدل على هذا، بل كلامه دليل على أن الحلق من المناسك، وإنما توهم ذلك من توهمه حيث لم يوقف التحلل عليه أو حيث لم يقيد النسك بالوطء قبله. وهذه الأحكام لها مأخذ آخر، ثم هو خطأ في الشريعة كما سنذكره "(2) اهـ.
وقال أيضا رحمه الله: " وقد نص في مواضع كثيرة على أن المعتمر ما لم يحلق، أو يقصر فهو محرم "(3) اهـ. يعني بذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
قلت: ومن ذلك قول أبي داود رحمه الله: " سمعت أحمد، سئل عمن دخل مكة معتمرا، فلم يقصر، حتى كان يوم التروية، عليه شيء؟ قال: هذا لم يحل بعد، يقصر، ثم يهل بالحج، وليس عليه شيء، وبئس ما صنع "(4) اهـ.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى: " سألت
(1) المغني لابن قدامة (5/ 304).
(2)
شرح العمدة لابن تيمية (2/ 541).
(3)
شرح العمدة لابن تيمية (2/ 540).
(4)
مسائل أبي داود للإمام أحمد، ص (130).
أبي، فأملى علي حين خرجت إلى مكة، قال: يحرم أهل العراق من ذات عرق، فالذي يستحب أن يهل بعمرة، حين يدخل مكة إن شاء فيطوف بالبيت. . . إلى أن قال: ثم يخرج إلى الصفا. . . إلى أن قال: فإذا سعى بين الصفا والمروة قصر من شعره ثم قد حل، فلا يزال حلالا حتى يوم التروية " (1) اهـ باختصار.
وقال أبو داود رحمه الله: حدثنا أحمد، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:" يمسك المعتمر عن التلبية إذا استلم الحجر، والحاج إذا رمى جمرة العقبة، فإن كان ممن أهل بالعمرة طاف وسعى وحلق أو قصر، ثم قد حل "(2) اهـ. إسناده صحيح رجاله ثقات. أبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية. قال الحافظ في التقريب: ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير.
وعلق المحشي على لفظ: " فإن كان ممن أهل بالعمرة. . . " إلخ، بقوله: في ظ: سمعت أحمد يقول: " فإن كان " يعني: أن هذا القول من كلام أحمد.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: " ثم إذا رأيناه إذا طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فقد حل له أن يحلق، ولا يحل له النساء ولا اللباس، حتى يحلق "(3) انتهى.
(1) مسائل عبد الله لأبيه، ص (199).
(2)
مسائل أبي داود للإمام أحمد، ص (130).
(3)
شرح معاني الآثار (2/ 230).
وقال ابن عبد البر رحمه الله في وصف العمرة: " فإذا طاف سبعا وسعى سبعا على سنة الطواف والسعي على حسب ما قدمنا ذكره في الحج حلق رأسه وتمت عمرته، وإن قصر من شعره أجزأ ذلك عنه، والحلق أفضل "(1) اهـ.
وفي المدونة الكبرى: " وقال لي مالك: لو أن امرأة دخلت بعمرة ومعها هدي، فحاضت بعدما دخلت مكة، قبل أن تطوف بالبيت أوقفت هديها معها حتى تطهر، ولا ينبغي لها أن تنحر هديها وهي حرام، ولكن تحبسه حتى إذا طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، ثم نحرت هديها وقصرت من شعرها ثم قد حلت "(2) اهـ.
إذا تقرر هذا فاعلم أن الإمام ابن رشد رحمه الله قال: " واتفقوا أيضا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وإن لم يكن حلق ولا قصر؛ لثبوت الآثار في ذلك، إلا خلافا شاذا "(3).
هكذا قال رحمه الله؛ وهو خلاف ما تقدم عنهم رحمهم الله، حيث نص أصحاب المذاهب- كما رأيت- الحنفية، والشافعية، والحنابلة على أن من أعمال العمرة التي يحل بها المعتمر الحلق أو التقصير. بل قال ابن قدامة رحمه الله: إنه لا يعلم فيه خلافا. وهذا لفظه: " المتمتع الذي
(1) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/ 417).
(2)
المدونة الكبرى (1/ 328).
(3)
بداية المجتهد (1/ 380).
أحرم بالعمرة من الميقات، فإذا فرغ من أفعالها، وهي الطواف والسعي، قصر أو حلق، وقد حل به من عمرته، إن لم يكن معه هدي؛ لما روى ابن عمر، قال:«تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: "من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل (1)» . متفق عليه. ولا نعلم فيه خلافا. ولا يستحب تأخير التحلل. قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عمن دخل مكة معتمرا، فلم يقصر حتى كان يوم التروية، عليه شيء؟ قال: هذا لم يحل بعد، يقصر، ثم يهل بالحج، وليس عليه شيء، وبئس ما صنع " (2). اهـ.
قال النووي رحمه الله: " أما قوله صلى الله عليه وسلم: " فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل " فمعناه: يفعل الطواف والسعي والتقصير. وقد صار حلالا. وهذا دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج. وهذا هو الصحيح في مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء. وقيل: إنه استباحة محظور، وليس بنسك، وهذا ضعيف " (3) اهـ.
ونقل هذا الكلام الحافظ ابن حجر رحمه الله عن الإمام النووي في شرح. هذا الحديث مقررا له (4).
(1) صحيح البخاري الحج (1692)، صحيح مسلم الحج (1227)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2732)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1805)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 124).
(2)
المغني لابن قدامة (5/ 240).
(3)
شرح مسلم للنووي (8/ 209).
(4)
فتح الباري (3/ 540).
قلت: الحديث ورد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما قال ابن قدامة - وورد من حديث عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أيضا.
أما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فأخرجه أحمد (1)، والبخاري (2)، ومسلم (3)، والنسائي (4)، وأبو داود (5)، بلفظ ابن قدامة هذا.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فأخرجه أحمد (6)، والبخاري (7). ولفظه عند البخاري:«قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة، أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا» . ولفظه عند أحمد: «أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدم طاف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ولم يقصر ولم يحل من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف، وأن يسعى، ويقصر أو يحلق، ثم يحل» .
وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فأخرجه
(1) مسند أحمد (2/ 140).
(2)
صحيح البخاري (2/ 181) باب من ساق البدن معه.
(3)
صحيح مسلم (2/ 901) رقم (1227).
(4)
المجتبى للنسائي (5/ 151).
(5)
سنن أبي داود (2/ 397) رقم (1805).
(6)
مسند أحمد (1/ 241، 338).
(7)
صحيح البخاري (2/ 189) باب تقصير المتمتع بعد العمرة.
البخاري، وابن خزيمة (1). ولفظه عند البخاري كما قال عطاء بن أبي رباح، «أن جابرا حدثه أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال لهم: " أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا، ثم أقيموا حلالا، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج» . . . " الحديث.
وعن المسور، ومروان في حديث عمرة الحديبية والصلح، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قضية الكتاب، قال لأصحابه:«قوموا، فانحروا ثم احلقوا» . أخرجه أحمد (2)، والبخاري (3)، وأبو داود (4). وللبخاري عن المسور:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك (5)» .
وعن المسور بن مخرمة، ومروان، قالا: «قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي، وأشعره بذي الحليفة، وأحرم منها بالعمرة، وحلق بالحديبية في عمرته، وأمر أصحابه بذلك، ونحر
(1) صحيح ابن خزيمة (4/ 241) رقم (2785).
(2)
مسند أحمد (4/ 326، 331).
(3)
صحيح البخاري (3/ 182) باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب وكتابة الشروط.
(4)
سنن أبي داود (3/ 209) رقم (2765).
(5)
صحيح البخاري (2/ 207) باب النحر قبل الحلق في الحصر.
بالحديبية قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك (1)». أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم به. إسناده صحيح رجاله ثقات.
الحاصل: أن الذي قام عليه الدليل، أن التحلل من العمرة يكون بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير، وهو الذي عليه جماهير العلماء كما حكاه النووي، وابن قدامة، إلا رواية ضعيفة في مذهب الشافعي وأحمد أن الحلق استباحة محظور، وهذا غلط كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وعلى هذا فلا التفات لما قال ابن رشد رحمه الله من الاتفاق على أن التحلل منها يحصل بالطواف والسعي فقط ولو لم يحلق أو يقصر.
فإن قيل: جاء في صحيح البخاري: أن عمرو بن دينار قال: «سألنا ابن عمر رضي الله عنهما عن رجل طاف بالبيت في عمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة، أيأتي امرأته؟ فقال: " قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة سبعا، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (2)» ، ونحوه من الأحاديث التي لم
(1) مسند الإمام أحمد (4/ 327).
(2)
صحيح البخاري (2/ 203) باب متى يحل المعتمر؟
تذكر الحلق. هذا يدل على أن الحلق أو التقصير استباحة محظور وليس بنسك؛ لعدم ذكر الحلق.
قيل: قال الحافظ ابن حجر: " أجاب من قال بأنه نسك بأنها سكتت عنه، ولا يلزم من ذلك ترك فعله، فإن القصة واحدة، وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث. . . واختلفوا فيمن جامع قبل أن يقصر بعد أن طاف وسعى، فقال الأكثر: عليه الهدي. وقال عطاء: لا شيء عليه. وقال الشافعي: تفسد عمرته، وعليه المضي في فاسدها وقضاؤها "(1) اهـ بتصرف.
هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1) فتح الباري (3/ 618).