الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرزق: مصدره، أسباب حصوله وزيادته، حلاله وحرامه
، شروطه
جمع وإعداد: د. مسفر بن سعيد بن دماس الغامدي (1)
التمهيد:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} (4){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5).
وبعد: فإن نعم الله عظيمة وجسيمة وكبيرة، لا يستطيع أن يعدها عاد، ولا أن يحصيها محص، ولذلك يقول الكريم:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (6). خيره نازل، وفضله فائض،
(1) سبقت ترجمة لفضيلته في العدد (41) ص 283.
(2)
سورة آل عمران الآية 102
(3)
سورة النساء الآية 1
(4)
سورة الأحزاب الآية 70
(5)
سورة الأحزاب الآية 71
(6)
سورة إبراهيم الآية 34
ونعمه تترى، يداه سحتان بالليل والنهار، يعطي المؤمن كما يعطي الكافر، ويعطي المتقي كما يعطي الفاسق، أعطى الأولين والآخرين، ولا يزال يعطي، واقتضت حكمته أن يعطي إلى ما لا نهاية، فله الحمد وله الشكر، وله الثناء الحسن، حتى يرضى وبعد الرضى، أهل المجد والثناء.
اقتضت حكمة الله سبحانه أن تكون الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر؛ لأنها هينة عليه سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (1)» «وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلا من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: " أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: " أتحبون أنه لكم؟ " قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: " فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم (2)» .
كما اقتضت حكمته سبحانه أن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس (3)» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 4/ 2272 رقم 2956، والترمذي في جامعه 4/ 562 رقم 2324 من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه 4/ 2272 رقم 2957.
(3)
أخرجه الترمذي في الجامع 4/ 586 رقم 2373، وأحمد في المسند 2/ 243 من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
واقتضت حكمته أيضا أن تكون فتنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم المال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال (1)» .
ومن الحكم العظيمة أن ابن آدم يشيب وتشب معه خصلتان: حب المال، وطول الأمل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يهرم ابن آدم، وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر (2)» .
إن المال قد زرع حبه في قلوب بني آدم اختبارا وامتحانا، وأصبح كثير منهم لا هم لهم في الحياة إلا جمعه، بل أغلبهم يصيبه من حله ومن حرمته؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام عندما سأله:«يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى (3)» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه (4)» .
إن المال الحقيقي هو ما يقدمه الإنسان لنفسه؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من
(1) أخرجه الترمذي في الجامع 4/ 569 رقم 2336 من حديث كعب بن عياض، ثم قال عنه: حسن صحيح غريب.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 724 رقم 1047 من حديث أنس بن مالك.
(3)
انظر فتح الباري 11/ 258 رقم 6441.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه 4/ 588 رقم 2376 من حديث كعب بن مالك، ثم قال: حديث حسن صحيح.
مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت (1)»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل:«. . . إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيرا، فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه، ووراءه، وعمل فيه خيرا (2)» .
إن للغنى فتنة وللفقر فتنة؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر. . . (3)» .
ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا (4)» ، وحث الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم على التقلل من الدنيا، ونهى عن أن يعبد الإنسان نفسه لها، حيث قال:«تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض (5)» ، بل كان واقع رسولنا صلى الله عليه وسلم يتمثل كل ما دعا إليه أمته ووجهها إليه وحثها عليه. روت عائشة رضي الله عنها فقالت: «ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا
(1) أخرجه الترمذي في جامعه 4/ 572 رقم 2342 من حديث مطرف عن أبيه، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. ونحوه أخرجه أحمد في المسند 2/ 668 من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 688 رقم 33 من حديث أبي ذر.
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه 5/ 525 رقم 3495 من حديث عائشة، ثم قال: حسن صحيح.
(4)
أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2281 رقم 19 من حديث أبي هريرة.
(5)
أخرجه البخاري في الصحيح، انظر فتح الباري 6/ 81 رقم 2886 من حديث أبي هريرة.