الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: انفق يا ابن آدم أنفق عليك (1)» . وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا (2)» .
إن الإنفاق من أعظم أسباب حصول الرزق وزيادته، سواء كان هذا الإنفاق واجبا أو تطوعا؛ لأن حكمة الله اقتضت أنه يخلف كل ما أنفقه العبد على نفسه أو على الفقراء والمساكين وباقي الثمانية، أو على كل من له حق واجب أو غير واجب؛ لكون المال هو مال الله، وإنما الإنسان مستخلف فيه، اختبارا وامتحانا؛ ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس (3)» . وهذا من لطف الله ورأفته ورحمته بعباده أن كتب لهم أجر الإنفاق في الآخرة، وعوضهم في الدنيا بخير منه.
(1) انظر فتح الباري 9/ 497 رقم 5352.
(2)
انظر فتح الباري 8/ 304 رقم 1442، صحيح مسلم 2/ 700 رقم 1010.
(3)
أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2273 رقم 2959.
5 -
التوكل على الله:
التوكل في اللغة له معان عديدة، منها: التكفل، الاعتماد على الغير.
وفي الاصطلاح: التوكل: حركة ذات الإنسان في الأسباب بالظاهر والباطن، وسكون إلى المسبب وركون إليه، بحيث لا يضطرب قلبه معه، ولا تسكن حركته عن الأسباب الموصلة إلى رضاه (1). وهو الاطمئنان إلى أن الله سيتولاه ويحقق له كل ما توكل عليه فيه، من جلب المصالح ودفع المضار، ثم الرضا بما اختاره الله له؛ قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (3).
إن الله يكفي كل من توكل عليه، يكفيه في كل شيء، ومن هذه الأشياء الرزق؛ قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (4){الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (5){أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (6).
ومن يتوكل على الله له رزق كريم، والرزق الكريم هو الحلال الطيب المبارك الذي يكسبه صاحبه من حله، ويستمتع به وينفقه في وجهه، ويكون عونا له على طاعته، وسببا لحصول خيري الدنيا والآخرة.
أخرج الترمذي بسنده من حديث عمر بن الخطاب قال:
(1) لسان العرب 11/ 734 - 736، النهاية لابن الأثير 5/ 221، مدارج السالكين 2/ 114 - 117.
(2)
سورة الطلاق الآية 2
(3)
سورة الطلاق الآية 3
(4)
سورة الأنفال الآية 2
(5)
سورة الأنفال الآية 3
(6)
سورة الأنفال الآية 4
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا (1)» .
الطير لا تفكر ولا تخطط، لكنها مفطورة على ذكر الله، وعلى تسبيحه، وعلى التوكل عليه؛ ولذلك يرزقها الله ببذل أدنى الأسباب، وهو الغدو، وهذا من رحمة الله ولطفه بمخلوقاته.
وأخرج أبو داود بسنده من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي (2)» .
إن المتوكل على الله يهديه ويكفيه ويقيه؛ ومن الكفاية كفايته في رزقه وشئونه وأعماله ووظيفته وأسباب معاشه؛ ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عبده وخليله بالتوكل عليه، وقصر الكفاية عليه، فقال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (3). والأمر للرسول عليه السلام أمر لجميع المؤمنين، وهذا كله دليل على أهمية التوكل وفضله في الدنيا والآخرة.
(1) جامع الترمذي 4/ 573 ثم قالت: حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في المسند 1/ 30، 52، وصححه أحمد شاكر في المسند النسخة المحققة 1/ 206
(2)
أخرجه أبو داود في السنن 4/ 325 رقم 5095، وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 513 ثم قال:" صحيح ".
(3)
سورة الأحزاب الآية 3