الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه ".
المطلب الرابع: الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول، القائلون باشتراط الطهارة بما يلي:
الأول: بحديث عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت (1)» متفق عليه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم» .
(1) أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة. . . (63) 2/ 163، وباب الطواف على وضوء (78) 2/ 168. ومسلم في الحج باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف 8/ 219.
وجه الاستدلال منه من وجهين:
أ- أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ديان لمجمل القرآن، لأن الله عز وجل أمر بالطواف في كتابه العزيز ولم يبين كيفيته، فجاء البيان بفعله صلى الله عليه وسلم إذ توضأ قبل طوافه، والفعل إن جاء بيانا لأمر واجب دل على وجوبه، فدل ذلك على وجوب الطهارة من الحدث قبل الطواف.
ب- أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم بأخذ مناسكه، والاقتداء به في ذلك دليل على وجوب جميع ما صدر منه في بيان أفعال المناسك- إلا ما دل الدليل على استثنائه- ومن ذلك الطهارة من الحدث قبل الطواف (1).
الثاني: وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه المنطق فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير (2)» .
وجه الاستدلال منه من وجهين:
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الطواف بالصلاة وليس المراد التشبيه
(1) انظر المرجع السابق.
(2)
تقدم تخريجه في بحث! شروط الطواف! وبيان صحته مرفوعا وموقوفا.
في الأفعال والهيئة لتباينهما. وإنما المراد التشبيه بها في الحكم. فدل ذلك على أن للطواف جميع الأحكام المتعلقة بالصلاة- إلا ما استثناه الدليل- ومن ذلك اشتراط الطهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور (1)» .
ب- من قوله: «إلا أن الله أباح فيه المنطق (2)» فاستثناؤه صلى الله عليه وسلم إباحة المنطق في الطواف، دليل على اشتراط ما عداه كما يشترط في الصلاة، ومن ذلك اشتراط الطهارة من الحدث.
الثالث: وبقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت وهي محرمة: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (3)» متفق عليه. وفي رواية لمسلم: «حتى تغتسلي (4)» .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعائشة أن تفعل وهي حائض جميع ما يفعله الحاج، ولم يمنعها إلا من الطواف، وجعل ذلك مقيدا باغتسالها، وتطهرها. فدل ذلك على ترتب منع الطواف على
(1) أخرجه مسلم في الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة 3/ 102، وانظر: شرح فتح القدير 3/ 50.
(2)
سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).
(3)
أخرجه البخاري في الحيض، باب الأمر للنساء إذا نفسن (1) 1/ 77، وباب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (7) 1/ 79، وفي الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف .. (81) 2/ 171، ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام 8/ 146، 147. قال الحافظ في الفتح 3/ 505، ضبط كلمة تطهري: " وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا. أو هو على حذف إحدى التائين وأصلها تتطهري، ويؤيده قوله في رواية مسلم " حتى تغتسلي ".
(4)
أخرجه البخاري في الحيض، باب الأمر للنساء إذا نفسن (1) 1/ 77، وباب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (7) 1/ 79، وفي الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف .. (81) 2/ 171، ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام 8/ 146، 147. قال الحافظ في الفتح 3/ 505، ضبط كلمة تطهري: " وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا. أو هو على حذف إحدى التائين وأصلها تتطهري، ويؤيده قوله في رواية مسلم " حتى تغتسلي ".
انتفاء الطهارة، وعلى أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وعلى عدم صحته بدونها، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد.
فإن قيل: إنما نهاها لأن الحائض لا تدخل المسجد.
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلق ذلك بانقطاع الدم، فلم يقل: حتى ينقطع دمك، بل علقه بالاغتسال والتطهر (1).
ولأن المنع إنما كان من الطواف ولم يكن من دخول المسجد فلم يقل: (لا تدخلي المسجد حتى تطهري) فدل أن الحيض مانع من الطواف.
الرابع: وبقوله صلى الله عليه وسلم لما أخبر بأن صفية حاضت «أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال: فلا إذا (2)» .
(1) انظر: المجموع للنووي 8/ 18.
(2)
متفق عليه من حديث عائشة- رضي الله عنها أخرجه البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت (145) 2/ 195 واللفظ له. ومسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع 9/ 82 بلفظ: " لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال: عقرى حلقى، إنك لحابستنا - ثم قال لها- أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم، قال: فانفري
وجه الاستدلال منه:
إخباره صلى الله عليه وسلم بانحباسه- وانحباس من كان معه لانحباسه- لحيض صفية، لو لم تكن قد أفاضت، مع ما في ذلك من المشقة العامة، دليل ظاهر- إن لم يكن نصا صريحا- على اشتراط الطهارة لصحة الطواف.
فإن قيل: إنما كان ذلك لأن الحائض منهية عن دخول المسجد مخافة تلويثه.
فالجواب: لو كان المنع لهذا الأمر، لأمرها بأن تتلجم- تتحفظ- لئلا تلوث المسجد. ولكان هذا عذرا للحائض بدخول المسجد. ولم يكن الأمر موجبا لغضبه وقوله لها:
«عقرى، حلقى (1)» وإخباره صلى الله عليه وسلم بانحباسه من أجلها، ولن ينحبس وحده، بل ينحبس معه الركب، إذ لن ينفروا من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بها.
الخامس: وقالوا: إنها عبادة متعلقة بالبيت، فكانت الطهارة شرطا لها كالصلاة (2).
السادس: وقالوا: إن كل من لا يصح منه فعل الصلاة، لا يصح منه فعل الطواف، كالمحدث إذا كان مقيما بمكة (3).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني- القائلون بوجوب الطهارة- بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4).
وجه الاستدلال منها:
أن الله أمر بالطواف مطلقا عن شرط الطهارة، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب، بخبر الواحد (5). قال البابرتي في شرحه:
(1) صحيح البخاري الحج (1561)، صحيح مسلم الحج (1211)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 266).
(2)
انظر: المغني 5/ 223، المنتقى 2/ 290
(3)
انظر الحاوي 4/ 145
(4)
سورة الحج الآية 29
(5)
انظر: بدائع الصنائع 2/ 129
" وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمر بالطواف، وهو الدوران حول الكعبة من غير قيد الطهارة، فلم يكن فرضا بالآية، ولا تجوز الزيادة عليه بخبر الواحد، لأنها نسخ "(1).
الثاني: وبالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول:
وجه استدلالهم منها:
أن مقتضاها وجوب الطهارة من الحدث في الطواف، وذلك لا يستلزم اشتراطها، لأن الدليل عليها أخبار آحاد، وهي توجب العمل، فيثبت بها الوجوب دون الفرضية، وأما القول باشتراطها فإنه يفضي إلى نسخ مطلق الكتاب بأخبار الآحاد، وهو ممنوع.
الثالث: وبما رواه سعيد بن منصور بسنده عن عطاء قال: " حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة رضي الله عنها فأتمت بها عائشة سنة طوافها "(2).
قالوا: دل هذا الأثر على أن عائشة رضي الله عنها لم تر أن الحيض مانع من صحة الطواف، ولذا أتمت بها الطواف، والناس
(1) شرح العناية على الهداية 3/ 50 وانظر: شرح فتح القدير على الهداية 3/ 51.
(2)
أورده في القرى ص 265، وهداية السالك 2/ 763. شرح فتح القدير على الهداية 3/ 51
إنما تلقوا خبر منع الحائض من الطواف منها. فدل ذلك على أن منعها من الطواف لم يكن لعدم صحة الطواف منها.
الرابع: وبما رواه أحمد عن حماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر أنهما سئلا عن الرجل يطوف بالبيت وهو غير متوضئ، فلم يريا به بأسا (1). فدلت هذه الآثار على أن الطهارة ليست شرطا لصحة الطواف.
الخامس: وقالوا: إن الطواف ركن للحج، فلم يشترط له الطهارة كالوقوف بعرفة (2).
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث- القائلون بجواز الطواف من غير طهارة إلا للحائض - بما يلي:
الأول: بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (3)» .
وجه الاستدلال منه:
قال ابن حزم: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ حاضت- من الطواف بالبيت، «وولدت أسماء بنت عميس بذي الحليفة فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن تغتسل وتهل (4)» ، ولم ينهها عن الطواف، فلو كانت الطهارة من الشروط لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين أمر الحائض. {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (5){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (6).
(1) أورده في مجموع الفتاوى 26/ 182، وشرح فتح القدير على الهداية 3/ 51
(2)
انظر: المغني 5/ 223، المجموع 8/ 17.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
أخرجه مسلم في الحج، باب إحرام النفساء واغتسالها للإحرام 8/ 133.
(5)
سورة النجم الآية 3
(6)
سورة النجم الآية 4
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (1)(2).
الثاني: وقالوا: إن الأصل براءة الذمة، وعدم الاشتراط إلا بدليل، وقد اتفق العلماء على عدم اشتراط الطهارة لأداء المناسك من وقوف ومبيت ورمي فالتفريق بينها وبين الطواف واشتراط الطهارة له لا يثبت إلا بالدليل. فدل ذلك على عدم اشتراط الطهارة للطواف، وجواز الطواف مطلقا إلا للحائض.
4 -
استدل أصحاب القول الرابع- القائلون باستحباب الطهارة من الحدث - بما يلي:
الأول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر عام تسع لما أمره على الحج ينادي: «ألا يطوف بالبيت عريان (3)» .
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طواف العراة بالبيت. ولم يثبت أنه أمر بالطهارة للطواف. فدل ذلك على أن الطهارة ليست واجبة إذ لو كانت واجبة لأمر بها.
(1) سورة مريم الآية 64
(2)
المحلى 7/ 179.
(3)
متفق عليه من حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري في الصلاة، باب ما يستر من العورة (10) 1/ 96، وفي الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان (67) 2/ 164، ومسلم في الحج، باب لا يحج البيت مشرك 9/ 115