الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم يبعثني معنفا، ولكن بعثني معلما ميسرا (2)» أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم ولفظه «إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا (3)» .
فهنيئا لكم إخواني وأخواتي هذا الطريق تسلكونه وهذا الفضل تحوزونه وهذه الرفقة في هذا الدرب تسيرون معهم وتنسبون إليهم وتأخذون ميراثهم صلوات ربي وسلامه عليهم.
فعليكم واجب شكر هذه النعمة وعليكم واجب الجد في أداء حقها والتخلص من تبعاتها وفقكم الله لكل خير.
(1) سورة البقرة الآية 151
(2)
صحيح مسلم الطلاق (1478).
(3)
صحيح مسلم الطلاق (1478).
و
طلب العلم المنوه بفضله قسمان:
ا- قسم يكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة: وهو ما لا يسع المسلم جهله في أمور دينه من العقيدة الصحيحة وما يصحح به عبادته، وما يحتاج إليه في معاملته فما يجب على التاجر في تجارته ليس واجبا على غيره عينا وكذلك ما يجب على المزارع من العلم ليس كمثل غيره.
2 -
وقسم يكون الأخذ به فرض كفاية وهو الزيادة من الفقه في الدين بنية رفع الجهل عن نفسه وتعليم إخوانه المسلمين والله تعالى يقول: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). ويقول صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (2)» .
ومن العلوم التي يجب على الأمة بعمومها الأخذ بها ولا تجب وجوبا عينيا على كل مسلم، العلوم العصرية والدنيوية التي بها قوام الأمم في أمور معيشتهم وبها يكون النهوض والقوة من علوم تقنية أو اقتصادية أو عسكرية أو سياسية وغير ذلك والأخذ بها عند الحاجة إليها نوع من الإعداد للعدو والله تعالى يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (3).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان (4)» أخرجه مسلم.
(1) سورة التوبة الآية 122
(2)
صحيح البخاري العلم (71)، صحيح مسلم الإمارة (1037)، سنن ابن ماجه المقدمة (221)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 93)، موطأ مالك كتاب الجامع (1667)، سنن الدارمي المقدمة (226).
(3)
سورة الأنفال الآية 60
(4)
صحيح مسلم القدر (2664)، سنن ابن ماجه المقدمة (79)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 370).
فالأخذ بالعلوم العصرية ومقارعة الأمم فيها والنهوض بأمة الإسلام حتى تأخذ مكانها القيادي للأمم هذا من فروض الكفايات مع التأكيد على العلوم الشرعية وأنها هي الأساس وإليها المرجع وعدم قبول أي شيء يتعارض مع مقتضى النصوص الشرعية، هذا هو الميزان في ديننا فديننا دين العلم والعمل دين القوة دين عمارة الأرض بالخيرات لا يمنع المسلم من الأخذ بما أطلع الله عليه عباده من علوم مستجدة أو ظواهر كونية للاستفادة منها، والله تعالى يقول:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (1) إخواني. . . وأخواتي: إن العلم والتعليم في ديننا له غايات نبيلة وأهداف عظيمة تكفل لمن سعى فيه بنور الله السعادة في الدنيا والآخرة.
نحن المسلمون أمة مختارة. . أمة أراد لها الله الخير والفضل والرفعة قامت أمتكم على الدين والعقيدة قامت على رسالة ربانية تدعو إلى توحيد الخالق والإحسان إلى الخلق. تدعو إلى تحكيم الشريعة في جميع نواحي الحياة.
إن تطبيق الإسلام والالتزام به ونشر مبادئه وتربية أبنائنا على الإسلام الحقيقي سبب لسعادة البشرية بل والمجتمع والبيئة المحيطة فالإسلام كله خير، ولا تستقيم الأحوال على التمام إلا بتطبيقه،
(1) سورة الجاثية الآية 13
فاحرصوا على غرس الإسلام الحقيقي في قلوب أبنائنا وبناتنا وفقكم الله لكل خير.
أول ذلك الإخلاص لله عز وجل: فإن الإخلاص شرط في قبول العبادة وأي عبادة أنفع من تعليم العلم، ثم إن الإخلاص في التعليم يعود بالبركة والنفع العميم على المتلقين فبركة الإخلاص متعدية، ومما يدل على وجوب الإخلاص قول الله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1) ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2)» متفق عليه.
ثانيا: مما يجب على المعلم والمعلمة مراعاته: التقيد بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يحرص أن يكون سمته وتعليمه وما يطرحه للطلاب موافقا للشرع فلا يقرر لهم ما لا يعلم ثبوته شرعا ولا ما يكون محدثا مبتدعا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4)» .
ثالثا: أخي المعلم أختي المعلمة: ليكن معلوما لديكم أن مقام التعليم مقام تأس واقتداء، فيجب أن يكون المعلم والمعلمة قدوة حسنة للطلاب والطالبات، وليكن الواحد منكم متذكرا في كل
(1) سورة البينة الآية 5
(2)
صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).
(3)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(4)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
وقت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة فإن عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا (1)» أخرجه الإمام مسلم.
فالمعلم والمعلمة قدوة في ألفاظهم فلا يقولون فحشا ويبتعدون عن سقط الكلام وهم قدوة في لباسهم الموافق للشرع فلا يكون والمعلمة قدوة في الفاظهم وفى لباسهم الموافق للشرع مسبلا ثوبه ولا متشبها بالفسقة والكفرة في مظهره.
كما لا تكون المعلمة في لباس ضيق ولا شفاف ولا قصير بل هو اللباس الضافي الساتر الفضفاض يستر جسمها ويظهر حشمتها ويجعلها قدوة صالحة لبناتنا.
ومن ابتلي بذلك فليسأل الله العافية وليحرص على تركه، ويجب عليه الاستتار حال معصيته فلا يجاهر به أمام تلاميذه ولا يرونه في يده ولا جيبه يقول صلى الله عليه وسلم:«كل أمتي معافى إلا المجاهرون (2)» .
والمعلمة لا تأتي إلى مدرستها وهي نامصة ولا فالجة ولا مغيرة خلق الله عز وجل أو متشبهة بالفاسقات أو الكافرات.
فكونوا قدوة صالحة فإن الخطب جسيم وأنتم في مقام اقتداء وتأس وما تفعلونه أو تقولونه يؤخذ عنكم ويقتدي بكم فيه فكونوا
(1) صحيح مسلم العلم (2674)، سنن الترمذي العلم (2674)، سنن أبو داود السنة (4609)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 397)، سنن الدارمي المقدمة (513).
(2)
صحيح البخاري الأدب (6069)، صحيح مسلم الزهد والرقائق (2990).
لأبواب الخير مفاتيح ولأبواب الشر والفتنة مغاليق.
رابعا: يجب على المعلم والمعلمة أن يكونوا دعاة إلى الله بحسب علمهم إبراء للذمة ونصحا للأمة وتوجيها لأبنائنا وبناتنا وامتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) ويقول صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية (2)» .
خامسا: يجب عليكم تربية أبنائنا وبناتنا على الاعتزاز بدينهم والفرح والغبطة به وتحبيبهم في دينهم وغرسه في قلوبهم ببث تعاليمه السمحة بصورة صحيحة.
كما يجب عليكم وأنتم تشاهدون أوضاع الأمة الآن وما آلت إليه من ضعف، أن تبعثوا الأمل في قلوب أبنائنا وبناتنا وأن تطردوا اليأس منهم وتذكروهم بأن ما حل بنا ما هو إلا بسبب بعدنا عن ديننا {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (3).
وهو ابتلاء لصبر المؤمنين وامتحان لقوة ثباتهم على دينهم والنصر من عند الله {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (4).
(1) سورة النحل الآية 125
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3461)، سنن الترمذي العلم (2669)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 159)، سنن الدارمي المقدمة (542).
(3)
سورة الشورى الآية 30
(4)
سورة البقرة الآية 214
فالفرج قريب والباطل مهما تعاظم فإنه لا يقاوم الحق وسيجعل الله بعد عسر يسرا؛ وإنما الشأن في توعية الأبناء والبنات بل والمجتمع وحثهم على ترك الذنوب والمعاصي والالتزام بشرع الله عز وجل.
سادسا: مما يجب مراعاته خصوصا في هذا الزمان: تبصير الطلاب والطالبات بما يحاك لأمتهم من مكائد في الداخل والخارج وما يريده الأعداء من تفرق الأمة وتشتيت المجتمع وتحطيم كيانه بزرع بذور الفتنة فيه، وإبعاد المسلمين عن دينهم وذلك من طريقين إما البعد عن الدين والطعن فيه والسخرية به وبالمنتسبين إليه والمتمسكين به والتشكيك في تشريعاته واتهام العلوم الشرعية بما هي منه براء من أنها تدعو إلى الإرهاب والعدوان وسفك الدماء، والمطالبة بتحجيمها أو إقصائها أو تفريغها من محتواها حتى تكون مواد سامجة ممجوجة لا خير فيها إنما هي ثقافات بشرية بعيدة عن نور الوحي.
والطريق الأخرى لأعداء الله في تمزيق شمل الأمة بعث روح الغلو ومجاوزة الحد في التدين حتى يرى غيره هلكى لا خير فيهم