الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون حالة الضرورة، فجواز الانتفاع بلحم الميتة أو بالخمر أو غيرهما من الأعيان المحرمة لا يمكن اعتبارها مالا في نظر الشريعة إذ أن جواز الانتفاع بها مقصور على حالة الضرورة فلا تعتبر هذه الأعيان أموالا؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها) (1).
- رجح بعض المتأخرين أن المالية ليست إلا صفة للأشياء، بناء على تحول الناس، واتخاذهم إياها مالا ومحلا لتعاملهم، فإذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس صار مالا، ولا يلزم كونه مادة تدخر لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورا غير متعذر عند الحاجة إليه.
وذلك متحقق في المنافع وفي كثير من الحقوق، فإذا تحقق ذلك فيها عدت من الأموال بناء على عرف الناس وتعاملهم.
(1) ضمان المنافع للدكتور إبراهيم فاضل الدبو: ص (228، 229).
المطلب الثالث: المراد بمصطلح التمويل
إن من الألفاظ التي ترد كثيرا على ألسن الفقهاء: (التمول)، وله صلة كبيرة بالبحث الذي نحن بصدده، لذا آثرت أن أفرد له مطلبا هنا مع تعريف المال تجلية له.
والتمول لغة: اتخاذ المال يقال: تمول فلان إذا صار ذا مال، وتمول: أي كثر ماله وتمول مالا: إذا اتخذه قنية (1).
وقد جاء لفظ التمول في حديثين متفق عليهما.
أولهما: حديث عمر رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك (2)» .
وفي رواية مسلم: «أو تصدق به (3)» .
ومعنى: (فتمول) هنا: أي اجعله لك مالا (4).
ثانيهما: حديث وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور وكان في شرطه: «لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه (5)» .
قال ابن حجر: ("غير متمول فيه" وفي رواية الأنصاري
(1) القاموس المحيط ص (954).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب رزق الحاكم والعاملين عليها (13/ 150) برقم (7164)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع (7/ 35) برقم (1045).
(3)
صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب رزق الحاكم والعاملين عليها (13/ 150) برقم (7164)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع (7/ 35) برقم (1045).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 373).
(5)
صحيح البخاري الوصايا (2772)، صحيح مسلم الوصية (1633)، سنن الترمذي الأحكام (1375)، سنن أبو داود الوصايا (2878)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 125).
الماضية آخر الشروط: (غير متمول به) والمعنى: غير متخذ منها مالا أي ملكا والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها) (1).
وهذا يعني أن معنى التمول في الشرع لا يخرج عن المعنى اللغوي؛ وهو اتخاذ الشيء مالا.
ويرد لفظ التمول كثيرا لدى الفقهاء وهم يقصدون به كذلك اتخاذ الشيء مالا في عرف الناس.
ولذلك عندهم ضابطان ينص عليهما الشافعية:
أولهما: أن كل ما يقدر له أثر في النفع فهو متمول، وما لا يظهر له أثر في الانتفاع فهو - لقلته - خارج عما يتمول.
الثاني: أن المتمول هو الذي يعرض له قيمة عند غلاء الأسعار والخارج عن المتمول هو الذي لا يعرض فيه ذلك.
والضابطان كلاهما متقاربان يئولان إلى تفسير واحد تقريبا؛ وهو: كون الشيء ذا بال، أي غير حقير، بحيث يستحق أن يكون له قيمة يعارض بها.
وهذا هو الذي رأيت فقهاء المذاهب يفسرون المتمول به.
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي: (يقطع في جميع المتمولات التي تتمول في العادة، ويجوز أخذ الأعواض عليها)(2).
(1) فتح الباري (5/ 401).
(2)
الإشراف في مسائل الخلاف (2/ 1701)، ونحوه في بداية المجتهد (2/ 551، 552).
وقال ابن عابدين: (والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعا، فما يباح بلا تمول لا يكون مالا؛ كحبة حنطة)(1).
وقال البهوتي: (أو أصدقها. . مالا يتمول عادة كقشر جوزة وحبة حنطة لم يصح. . . . ويجب أن يكون له أي الصداق نصف يتمول عادة ويبذل العوض في مثله عرفا)(2) وفي النكت والفوائد السنية (3). - في من أقر بشيء-: " لو فسره بحبة حنطة ونحوها لم يقبل؛ لعدم تمول ذلك على انفراده عادة ".
وهنا نلاحظ في نصوصهم أنهم يحكمون العرف في ذلك؛ أي أن التمول يثبت بالعرف. وهو أيضا ما نبه إليه الفيومي حيث قال: (فقول الفقهاء: (ما يتمول) أي ما يعد مالا في العرف).
ومما يدخل في المتمول ما يتمول في المآل أي في ثاني الحال،
(1) حاشية ابن عابدين (رد المحتار)(4/ 501).
(2)
كشاف القناع (5/ 2523). وانظر: النكت والفوائد السنية (2/ 475، 476).
(3)
النكت والفوائد السنية (2/ 476).
وإن لم يكن متمولا في الحال، كجلد ميتة لم يدبغ ونحوه (1).
ولكن: هل من شرط المالية التمول أي هل يسمى الشيء مالا وإن كان قليلا غير متمول؟
ينص الحنفية على أن التمول شرط في المالية:
قال السرخسي: " المالية لا تسبق الوجود وبعد الوجود تثبت بالإحراز والتمول "(2)، وقال أيضا:" إنما تنبني المالية على التمول "(3)، وكذلك نص عليه ابن عابدين فيما نقلته آنفا.
وأما الشافعية فيظهر من نصوصهم أن المال يطلق على غير المتمول أيضا، وأن المال أعم من المتمول، فكل متمول مال ولا عكس، أي أن المال يطلق على القليل والكثير.
لكن المال المتمول يختص عن المال غير المتمول بأحكام عندهم رأيت منها:
1 -
أن المتمول يصح جعله عوضا بخلاف غير المتمول (4).
2 -
أن الغبن بغير المتمول لا يثبت فيه الخيار قطعا، واختلف
(1) النكت والفوائد السنية (2/ 475).
(2)
أصول السرخسي (1/ 56).
(3)
المبسوط (5/ 40).
(4)
حاشية البجيرمي (4/ 310).