الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيع بالوصف.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الصفة وإن قصرت عن الرؤية في بعض الأمور، إلا أن الصفات التي- يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا تحصل بها وهذا كاف.
الوجه الثاني: أن الرؤية لا يحصل بها الاطلاع على الصفات الخفية، ومع ذلك اكتفي بها.
الترجيح:
الراجح- والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من صحة البيع عن طريق الوصف؛ لقوة ما استدلوا به، وضعف دليل القول الثاني بمناقشته.
المبحث الثاني: حكم التورق المصرفي المنظم
تقدم أن التورق المصرفي هو قيام المصرف بترتيب عملية التورق للمشتري بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب البائع عن المشتري ببيع السلعة نقدا لطرف آخر، ويسلم الثمن النقدي للمتورق، ولما كانت هذه المسألة حادثة على بيع التورق اختلف فيها أهل العلم المتأخرين على قولين:
القول الأول: تحريم هذا البيع.
وبه قال بعض المتأخرين.
وحجته:
1 -
ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع (1)» . . . .
وجه الدلالة: أن التورق المصرفي فيه أكثر من شرط ففيه اشتراط المشتري توكيل المصرف في بيعها، وعدم فسخ الوكالة (2)، وفيه شرط شراء المتورق السلعة بأكثر من ثمنها الذي اشتراها المصرف به، وفيه شرط بيعها بأقل من الثمن الذي اشتراها المتورق به.
ونوقش: بأن المراد بالشرطين في البيع هو بيع العينة كما سبق (3).
وأجيب: بأن التورق المصرفي ملحق بالعينة كما يأتي.
2 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا (4)» .
(1) سبقت تخريجه.
(2)
حسب إفادة موظفي أحد البنوك المحلية.
(3)
ينظر: ص 297.
(4)
سبق تخريجه.
وجه الدلالة: أن التورق المصرفي اشتمل على بيعتين في بيعة هما صفتا النسيئة والنقد في صفقة واحدة ومبيع واحد.
ونوقش: بما نوقش به الدليل الأول.
وأجيب: بما أجيب به عن مناقشة الدليل الأول.
3 -
أن التورق المصرفي لا يدخل في بيع التورق الذي أجازه جمهور الفقهاء؛ لأنه وإن كان متفقا معها في شراء المتورق السلعة نسيئة بكثير من منها نقدا إلا أنه مختلف عنها في اشتراط أن تباع السلعة بالثمن الذي اشتراها به المصرف، أي بأقل مما اشتراها به المستورق، وأن يتولى هذا البيع المصرف الذي اشتريت منه لمن يشاء بتوكيل من المستورق، وفي التورق الفقهي المستورق هو الذي يتولى بيع السلعة التي اشتراها، ولا دخل للبائع، وقد يبيع المستورق السلعة بأقل مما اشتراها به، أو بمثله أو بأكثر منه.
4 -
إلحاق التورق المصرفي في بيع العينة الذي منعه جمهور الفقهاء؛ لأن المصرف هو الذي يبيع السلعة للمتورق نسيئة بأكثر من ثمنها نقدا، وهو الذي يتولى بيعها لمن يشاء نقدا وبأقل من ثمنها الذي باعها هو به، فلا فرق بين هذا وبين شراء المصرف لنفسه، فالمصرف يتولى كل شيء في التورق المصرفي، وليس على المستورق سوى بيان مبلغ التمويل (1).
(1) ندوة البركة (الرابعة والعشرون للاقتصاد الإسلامي) 2/ 35.
ونوقش: بأن تشابه الصورة والظاهر لا يعني التماثل؛ لأن الحقيقة مختلفة؛ فهناك أوراق تتضمن وعدا بالشراء ثم توكيلا بالبيع، إلخ، والمصرف وإن كان هو الذي يسلم النقد للعميل المدين له، إلا أنه يسلمه باعتباره وكيلا لا مشتريا كما هو الحال في العينة، ولا مقرضا كما هو الربا. فتشابه الصورة لا يعني تماثل الحقيقة، والعبرة بالحقيقة.
وأجيب: بأن من يجيز العينة، ويمنع الربا يقول بأن الحقيقة بينهما مختلفة. ففي العينة هناك عقد بيع وعقد شراء، وهذا لا يوجد في التمويل الربوي والمصرف يسلم النقد باعتباره مشتريا لا باعتباره مقرضا.
وإذا كانت العبرة بالحقيقة فإن حقيقة العملية في الحالتين، هي نقد حاضر بمؤجل أكثر منه، وهذه حقيقة الربا. فلماذا يؤخذ بالحقيقة تارة وبالصورة أخرى؟
5 -
في التورق المصرفي ارتباط بين البيعتين بيعة الأجل وبيعة النقد فإحداهما مشروطة في الأخرى.
فالمصرف هو الذي يبيع السلعة نسيئة بأكثر من ثمنها نقدا، ويشترط على المستورق أن يوكله في بيعها نقدا بأقل مما باعها له به نسيئة ويسلمه الثمن، ويلتزم المصرف بهذا، ولولا التزام المصرف ببيع السلعة نقدا وتسليمه الثمن ما قبل المستورق شراء السلعة من
المصرف بأكثر من ثمنها نقدا.
وأيضا فقصد الحصول على النقد ظاهر، بل مصرح به.
فأحد البنوك المحلية يقول عن برنامجه (التيسير): أول تمويل نقدي إسلامي.
وبنك آخر يقول:
ويستفيد من التورق المبارك الذين يرغبون في الحصول على سيولة نقدية من خلال آلية شرعية ويقول: احصل في حسابك على السيولة التي تحتاجها وانعم براحة البال مع تمويل التورق من البنك (. . . . . .).
وبنك آخر يقول:
احصل على السيولة بكل يسر وسهولة ويقول: يوفر لك بنك (000000) السيولة النقدية التي تحتاجها من خلال تورق الخير.
وبنك آخر يقول:
" مال " يمكنك من الحصول على السيولة النقدية لتلبية احتياجاتك مهما كانت.
فواضح من هذه العبارات أن المستورق لا رغبة له في شراء سلعة، ولا في بيعها، وإنما رغبته في السيولة، وإنما اتخذت السلعة وسيلة للوصول إلى السيولة.
6 -
أن التورق المصرفي يواجه نقص أسعار السلع، وما
يترتب على ذلك من الخسائر التي يتحملها المتورق، وهذه المخاطر ليست من مصلحة العميل؛ لأن مراده النقد الحاضر وليس الاستثمار والربح. ومن ثم تعد هذه المخاطر تكلفة إضافية تعيق تحقيق العملية لهدفها المنشود، وهو التمويل؛ لذلك عملت المصارف على الاتفاق مع طرف مستقل يلتزم بالشراء النهائي، والمشتري النهائي بالشراء بالثمن المحدد، ويترتب على هذا أمور:
الأول: أن هذا الالتزام يصدر قبل حصول التوكيل من قبل العميل وإذا كان كذلك فهو التزام في غير محله؛ إذ لا يملك المصرف التصرف في مال الغير قبل إذنه، ثم إن هذا الالتزام يخالف مصلحة العميل إذا ارتفع سعر السوق عن السعر الملتزم به، فالمصرف يبيع بالسعر المتفق عليه بالرغم من كونه أقل من سعر السوق، وهذا يناقض مقصود الوكالة، وهو العمل لمصلحة الوكيل.
الثاني: أن هذا الالتزام، قد يكون عقدا؛ لأن كلا من المصرف والمشتري النهائي ضامن للآخر بإتمام العقد فيدخل في بيع الدين بالدين، وبيع الإنسان ما ليس عنده.
الثالث: أن هذا الالتزام يلغي معنى الأمانة في عقد الوكالة،
فحاصل التورق " المصرفي التزام المصرف بتوفير النقد مقابل دين له في ذمة العميل، بخلاف الوكالة الفعلية، فالوكيل أمين على سلعة العميل، ولا يضمن له لا بيعها ولا الثمن الذي تباع به، أما هنا فالمصرف يلتزم ببيع السلعة بالثمن المحدد لتوفير النقد للعميل، وإذا وجد الضمان لم يعد هناك فرق بين المصرف وبين البائع في العينة؛ لأن الطرفين ضامنان لتصريف السلعة.
وأما القول بأن العميل له الخيار في توكيل المصرف وعدمه، فهذا غير مؤثر؛ لأن العميل يريد النقد أصلا، ولولا ذلك لما أتى للمصرف، وإنما العبرة هل يملك المصرف الخيار في قبول التوكيل وعدمه؟
والجواب:
إن المصرف لا يملك هذا الخيار؛ لأنه التزم مسبقا مع المشتري النهائي، وإذا كان كذلك كانت المعاملة عينة؛ لأن المصرف ضامن للثمن النقدي، ولا فرق في هذه الحالة بين أن يشتريها هو أو غيره؛ لأن العبرة بالضمان، وهو حاصل على كل تقدير.
وهذا يبين ما يواجهه التورق المنظم فلما كان هدفه التمويل وليس الاستثمار اقتضى تجنب مخاطر تذبذب الثمن؛ لأنها تكلفة إضافية على حساب العميل، ولكن هذا يوقع في مزيد من المخالفات الشرعية.
فالمصالح الاقتصادية والضوابط الشرعية تصبحان على طرفي نقيض، وهذا خلاف المبادلات النافعة المشروعة التي أحلها الشرع ويسرها وشجع (1) عليها.
7 -
أن تحول التورق على نظام مؤسسي يعني أن المؤسسات المالية صار هدفها هو تشجيع الحصول على النقد مقابل زيادة في الذمة، وهي بعينها وظيفة المصارف الربوية، ويترتب على ذلك انفصام العلاقة بين التمويل وبين النشاط الاقتصادي المثمر، وينتج عن ذلك:
ارتفاع الديون؛ لعدم وجود موانع تمنع منها.
ومن مقاصد التشريع في التمويل التخفيف من الديون من خلال ربط المداينات بالنشاط الاقتصادي الفعلي، ولهذا كانت المداينات في الاقتصاد الإسلامي أبطأ نموا وأقل انتشارا منها في الاقتصاد الرأسمالي، أما العينة بصورها المختلفة، ويلحق بها التورق المنظم، فهي على النقيض من ذلك، إذ تسهل المداينات دون أي ارتباط بالنشاط الاقتصادي الفعلي، فتكون سببا لارتفاع الديون واستفحالها للأغراض الاستهلاكية، كما هو الحال في النظام الربوي (2).
(1) د / سامي السويلم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق (ضمن أبحاث ندوة البركة 2/ 37).
(2)
ينظر: مجلة الجسور عدد 3 ص 33، ود. سامي السويلم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق ص 39
8 -
إزاحة التورق المنظم لأنواع التمويل الأخرى التي كانت تقدمها المؤسسات الإسلامية، مع قلتها، وستستمر هذه الإزاحة وهذا الإحلال حتى تسيطر العينة ومشتقاتها على التمويل الإسلامي.
9 -
ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي؛ لأن نسبة كبيرة من القروض الفردية ستوجه لإشباع الحاجات الآنية على حساب الاحتياجات المستقبلية. وهذا يعني اختلال أنماط الإنفاق في المجتمع، مما يجعل الأفراد أكثر اعتمادا على الديون لتسيير حياتهم اليومية، وكلما كانت آليات الإقراض النقدي أكثر تيسيرا كلما ازداد اعتماد الأفراد عليها.
وهذه النتائج مماثلة لنتائج الاقتصاد الربوي تماما، كما هو مشاهد وكما تدل عليه الإحصائيات الرسمية، وهي الآثار السلبية التي حذر منها القرآن في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (1). فتضاعف الدين أهم سمات النظام الربوي، فإذا كان التورق المنظم يؤدي لنفس النتائج، فلا يمكن القول بوجود فرق حقيقي بين النظامين، والشريعة الإسلامية لا تفرق بين المتماثلات، وهذا يستلزم أن يكون التورق المصرفي المنظم مماثلا في الحكم للنظام الربوي، كما كان مماثلا له في الأسباب
(1) سورة آل عمران الآية 130
والآثار والنتائج (1).
10 -
أن التورق المصرفي من أسباب عدم تحقيق المصرف الإسلامي للمبادئ التي جاء بها القرآن الكريم وهي: أن يكون قياما للناس، كما قال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (2)، وألا يكون دولة بين الأغنياء، كما قال تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (3).
وأن يحقق العدالة بين طرفي المعاملة، كما قال تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (4)، يبين ذلك استعمال المال في غير وظيفته الطبيعية بالإغراق في المرابحة بالأسهم والمعادن والاستجابة لدواعي الاستهلاك غير المرتب لدى الناس. . . فالأغلب من عمليات المصارف الإسلامية سواء في عقود المرابحة أو الاستصناع أو الإيجار المنتهي بالتمليك كان العائد الذي تحصل عليه هو ثمن الأجل دون أي عمل يمثل قيمة اقتصادية مضافة (5).
القول الثاني: جواز التورق المصرفي.
وهو قول لجان الفتوى والمراقبة في بعض المصارف التي
(1) المصدر السابق
(2)
سورة النساء الآية 5
(3)
سورة الحشر الآية 7
(4)
سورة البقرة الآية 279
(5)
مجلة الجسور، العدد الثالث ص 33 - 35.
تعاملت بهذا النوع من التورق.
وحجته:
1 -
ما تقدم من الأدلة على جواز بيع التورق، وأن التورق صدر بجوازه مجموعة من الفتاوى، وقرار مجلس المجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي (1).
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: استثناء التورق المصرفي من بيع التورق الذي أجازه جمهور الفقهاء لما تقدم من الأدلة على منعه.
وأيضا: فإنه تقدم جواز التورق بشرط عدم تضمنه محاذير شرعية، والتورق المصرفي فيه محاذير شرعية كما سبق.
الوجه الثاني: أن عقد التورق الذي أجازه المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قد وضع قيودا على هذا البيع، حيث عرف بيع التورق بأنه "شراء سلعة في حوزة البائع وملكه. . . "، وما يتم من قبل المصارف التي تقوم ببيع سلع يتم تداولها في سوق السلع (المعادن) العالمي (البورصة) لا يتوفر فيها هذا الشرط، فنصوص عقود البيع التي تجريها هذه المصارف تشير إلى أن هذه السلع لا توجد لدى المصرف، وأن ما يطلق عليه "شهادة التخزين "
(1) في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة 1419هـ (أبحاث ندوة البركة 2/ 32).
لا تمثل حيازة للسلعة ولا شهادة تملك، فمن المعروف والمتعارف عليه في سوق البضائع العالمي (البورصة) أن التعامل فيه يتم من خلال بيت السمسرة، والذي يدير عمليات تداول عقود بيع سلع تم شراؤها بسعر متفق عليه مسبقا مع المنتج؛ على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق يناسب توقيت الحاجة إلى السلعة، وعند حلول الأجل يقوم بيت السمسرة بشراء السلعة محل التعاقد من السوق الحاضر وتسليمها للمشتري، وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد مجال للتعامل على السلعة نفسها، ولكون هذا التداول إنما يتم على أوراق، وليس حيازة وتملكا للسلع، فإن بعض تلك المصارف أشارت في عقودها إلى أن ما يتم يكون على أوراق وليس حيازة وتملكا للسلع. أما بعض المصارف فقد أشارت إلى أن حيازتها وتملكها للسلع إنما هو بموجب "شهادة التخزين "، حيث يشار في العقد إلى أن السلعة توجد في بلاد أخرى غير البلد الذي يتم فيه تحرير العقد، ولتجنب الإلزام لم يشر إلى الوكالة وضرورة تفويض المصرف بالبيع نيابة عنه، وإنما أشير إلى ذلك في نص الوكالة، حيث أوضحت الوكالة أن السلع المشتراة من المصرف هي سلع يتم تداولها في سوق السلع (البورصة)، بخلاف مصارف أخرى جعلت نماذج التفويض والوكالة جزءا من العقد، وهذا الأسلوب هو نوع من محاولة إضفاء نوع من صحة البيع، وأنه لا يوجد فيه شروط فاسدة تفسد البيع. ولكن هذا