الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: «يثبت الله إلخ في الآخرة القبر (1)» .
وعلى هذا فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء واختاره الطبري اختار بعضهم أن الحياة الدنيا مدة حياتهم والآخرة يوم القيامة والعرض. . .
ومن الناس من زعم أن التثبيت في الدنيا الفتح والنصر وفي الآخرة الجنة والثواب ولا يخفى أن هذا مما لا يكاد يقال) (2).
وقال البيضاوي: (في الحياة الدنيا). . . لا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى عليهما السلام. . والذين فتنهم أصحاب الأخدود) (3).
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط: 5/ 367، والهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 44.
(2)
روح المعاني / الألوسي: 13/ 217.
(3)
تفسير البيضاوى: 3/ 347.
المطلب الثاني: الثبات في الآخرة:
وينقسم إلى قسمين هما:
1 -
القبر:
إنه بيت الوحشة والظلمة والدود والعذاب على الظالمين، لكن المؤمنين الموحدين المخلصين لربهم هو لهم روضة من رياض الجنة فلا يخذلون وقت السؤال، بل يثبتهم الله ويسدد ألسنتهم بالإجابة الحق التي كانوا مؤمنين بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسلم إذا سئل
في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله (2)» فتثبيت المؤمن في القبر مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة وكثير من الطوائف الإسلامية، وأهل التفسير متفقون على ذلك لكن الاختلاف الحاصل بينهم هل هذا التثبيت للمؤمن في الحياة الدنيا أم الآخرة أم هو جزء من حياة الآخرة.
يقول ابن كثير: (يعني تعالى ذكره بقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} (3) يحقق الله أعمالهم وإيمانهم بالقول الثابت يقول بالقول الحق وهو فيما قيل: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأما قوله:{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (4) فإن أهل التأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: عني بذلك أن الله يثبتهم في قبورهم قبل قيام الساعة «عن البراء بن عازب في قوله: قال: التثبيت في الحياة الدنيا إذا أتاه الملكان في القبر، فقالا له: من ربك، فقال: ربي الله، فقالا له: ما دينك، قال: ديني الإسلام، فقالا له: من نبيك، قال: نبيي محمد فذلك التثبيت في الحياة الدنيا (6)» (7).
(1) أخرجه البخاري 4/ 1738، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إحدى الدارين فقط بل كلاهما.
(2)
سورة إبراهيم الآية 27 (1){يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
(3)
سورة إبراهيم الآية 27
(4)
سورة إبراهيم الآية 27
(5)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4699)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2871)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3120)، سنن النسائي الجنائز (2057)، سنن أبو داود السنة (4750)، سنن ابن ماجه الزهد (4269).
(6)
سورة إبراهيم الآية 27 (5){يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(7)
تفسير ابن كثير 2/ 534.
(1) أخرجه أبو داود 4/ 239، وأحمد: 4/ 287، والهيثمي في مجمع الزوائد: 3/ 50 وقال: قلت هو في الصحيح رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)، وابن كثير في التفسير: 2/ 534، وقال:(إسناد لا بأس به).
(2)
سورة إبراهيم الآية 27 (1){يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}
والإمام الطبري يذكر الصواب بأن مذهب أهل التأويل في هذه المسألة: أن التثبيت في الآخرة هو الإجابة في القبر فهو لا يعد من الدنيا أو منازلها فيقول: (وقوله في الآخرة أي في القبر، والصواب من القول في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول الله في ذلك، وهو أن معناه يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله محمد، وفي الآخرة بمثل الذي ثبتهم به في الحياة الدنيا وذلك في قبورهم حين يسألون عن الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله، وأما قوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} (1) فإنه يعني أن الله لا يوفق المنافق والكافر في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المسألة في القبر لما هدي له من الإيمان المؤمن بالله ورسوله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).
يقول النسفي: مبينا أن المراد بالآخرة هو عذاب القبر وأن هذا قول الجمهور: (يثبت الله الذين آمنوا أي يديمهم عليه بالقول الثابت. . وفي الآخرة. . الجمهور على أن المراد به في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب. . ويضل الله الظالمين فلا يثبتهم على القول الثابت في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخرة أضل وأزل)(2).
(1) سورة إبراهيم الآية 27
(2)
تفسير النسفي: 2/ 230.
وكذلك ذهب الألوسي إلى هذا لكنه لم يحصر الآخرة به، بل جعله جزءا من الآخرة والتثبيت للمؤمن في جميع أجزاء الآخرة فقال:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (1) الذي ثبت عندهم وتمكن. . {وَفِي الْآخِرَةِ} (2) أي بعد الموت وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة. . . عن البراء بن عازب أنه قال (في الآية التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر، فقالا له: من ربك؟ قال: ربي الله، قالا: وما دينك؟ قال: ديني الإسلام، قالا: ومن نبيك؟ قال: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. (3)
وأخرج الطبراني في الأوسط (4) عن أبي سعيد الخدري قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: يثبت الله إلخ في الآخرة القبر» (5).
فلعل الألوسي استدل. بما قاله أنس رضي الله عنه: " إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته فاعبدوا الله كأنكم ترونه واستغفروه كل ساعة "(6). فالآخرة والقيامة تبدأ من توديع الدنيا.
وقد ذكر المناوي عند شرح حديث: «اللهم إني أسألك
(1) سورة إبراهيم الآية 27
(2)
سورة إبراهيم الآية 27
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
روح المعاني / الألوسي: 13/ 217.
(6)
أخرجه الديلمي بالفردوس: 1/ 285.
الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد (1)» مبينا أن الثبات على الأمر هو الثبات على السؤال بدليل خبر أنه كان إذا دفن الميت قال: «سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (2)» . ولا مانع من إرادة الكل فالثبات التمكن في الموضع الذي شأنه الاستزلال (3) فالدنيا والقبر والآخرة مواضع استزلال لأنها مزالق.
2 -
يوم القيامة
أهوال يوم القيام تذهل الصغير والكبير، حتى الأم الرؤم تذهل عن رضيعها، وتجعل الولدان شيبا، فيحتاج العباد لربهم ليثبتهم في مواقع الزلل حتى يصلوا إلى الجنة سالمين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أبلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغه يثبت الله قدميه على الصراط يوم تنعقد الأقدام (4)» .
وبين القرطبي أن المقصود بثبات الأقدام الوارد في الآية (5): الثبات على الصراط يقول: (وثبت أقدامنا. . . قيل: على الصراط)(6).
(1) سبق تخريجه.
(2)
سنن أبو داود الجنائز (3221).
(3)
فيض القدير / المناوي: 2/ 130.
(4)
أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/ 210 وقال: " رواه البزار وفيه سعيد البراد وبقية رجاله ثقات ".
(5)
انظر: ص 348.
(6)
تفسير القرطبي: 16/ 232.
وكذلك الألوسي وضح معنى الثبات في الآخرة ومتى يكون فقال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الذي ثبت عندهم وتمكن في قلوبهم، وهو الكلمة الطيبة التي ذكرت صفتها العجيبة.
وفي الآخرة: أي بعد الموت؛ وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة، وفي مواقف القيامة فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك، ولا تدهشهم الأهوال، فالمراد من الآخرة يوم القيامة. . .
والمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، واختاره الطبري، نعم اختار بعضهم أن الحياة الدنيا مدة حياتهم والآخرة يوم القيامة والعرض ومن الناس من زعم أن التثبيت في الدنيا الفتح والنصر، وفي الآخرة الجنة والثواب، ولا يخفى أن هذا مما لا يكاد يقال) (1)، إن الألوسي جعل عذاب القبر من الآخرة؛ لأن ما بعد الموت إما أن يكون قسمين:
- البرزخ - والقيامة
أو قسما واحدا هي الآخرة، وتشمل القسمين السابقين.
ويقول ابن الجوزي: (القول الثابت وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (2) فيه قولان:
أحدهما: أن الحياة الدنيا زمان الحياة على وجه الأرض،
(1) روح المعاني / الألوسي: 13/ 217.
(2)
سورة إبراهيم الآية 27