الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النووي نقلا عن بعض الشافعية: إن ما يدفع إلى غير محتاج للتقرب إليه والمحابة فهو هبة وهدية (1).
وبعضهم جعل الفرق في أن ما يحمل إلى مكان المهدى إليه إعظاما وإكراما وتوددا فهو هدية وإلا فهبة (2).
فالفرق أن ما يغلب فيه قصد نفع الموهوب له مع عدم الحاجة فهو هبة، وإن ظهر معنى الإكرام والمحبة فهو هدية، ومن قرائن إرادة الإكرام أن تحمل الهدية إلى المهدى إليه، لكنه ليس امتيازا تختص به الهدية.
هذا ما يظهر في التفريق بين هذه المعاني المتقاربة.
أما الهبة التي يراد بها الثواب فهي معنى منفصل، ونوع خاص من الهبة، فهي عطية قصد بها عوض مالي (3).
(1) انظر: المرجع السابق، والمغني 8/ 239، 240، والمطلع / 291.
(2)
انظر: المطلع / 291، والموسوعة الفقهية 26/ 324، وروضة الطالبين 5/ 364.
(3)
الخرشي على مختصر خليل 7/ 101.
المطلب الثالث: في أنواع الهبة
مما سبق ذكره في المعنى الاصطلاحي للهبة يتضح أنها لا تنحصر في مفهوم محدد، بل هي بالمفهوم العام تشمل أنواعا مختلفة، وأبرزها ثلاثة: الصدقة، والهدية، والهبة، وسبق ذكر الفرق بينها (1).
وقد عني الفقهاء بأحكام العقود عناية تامة، ولأجل توضيح هذه
(1) انظر: ص 89 - 92.
الأحكام وما يترتب عليها ذكروا لهذه العقود تقسيمات كثيرة، من حيث الغرض من العقد، ومن حيث سببه، وعقد الهبة يندرج تحت عقود التبرعات.
ويراد بعقود التبرعات: العقود التي يقوم التمليك فيها على التبرع من غير مقابل؛ إذ إن أحد طرفي العقد فيها لا يطلب عوضا عما يدفعه إلى الطرف الآخر، ويقابلها عقود المعاوضات، وهذا من حيث الغرض من العقد.
أما من حيث نوع العقد فهو من عقود الالتزام، والالتزام في اللغة: من لزم الشيء يلزم لزوما أي ثبت ودام، والالتزام: الاعتناق (1).
والالتزام في الاصطلاح الفقهي: إلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما له، أي ما لم يكن واجبا عليه من قبل (2)، وهو بهذا المعنى أثر من آثار التصرف؛ لأن التصرف هو: كل ما يصدر عن شخص بإرادته، ويرتب عليه الشرع نتائج حقوقية (3).
(1) لسان العرب 12/ 542 ((لزم))، والصحاح 2/ 1495 ((لزم)).
(2)
الموسوعة الفقهية 6/ 144.
(3)
انظر: المدخل الفقهي العام للأستاذ / مصطفى الزرقا / 194.
والتصرف نوعان: قولي، وفعلي، والهبة من التصرف القولي، وهو ما يصدر عن الإنسان من قول يرتب الشارع عليه أثرا شرعيا (1)؛ وذلك لأن الهبة تنشأ بالقول.
ومن خلال هذا التصور يظهر لنا العلاقة بين التصرف والالتزام، فالتصرف أعم من الالتزام؛ لأن من التصرفات ما ليس فيها إلزام، كما أن التصرف ومنه العقد مصدر من مصادر الالتزام، أي: أن التصرف هو السبب في الالتزام.
وقد قسم الفقهاء رحمهم الله التصرف الناشئ عن إرادة إلى أقسام: فمنها: تصرفات تنشأ من قولين، وتستلزم توافق إرادتين كالبيع والإجارة. ومنها: تصرفات تتكون من قول واحد، وتصدر من طرف واحد بإرادة منفردة (2).
والهبة يمكن جعلها من القسم الأول إذا اعتبرنا القبول فيها شرطا لصحتها، وعلى القول بعدم اعتبار القبول تعتبر الهبة من الإرادة المنفردة التي يترتب عليها التزام معين، ويتضمن إنشاء حق أو إنهاءه أو إسقاطه (3)، وهذا ما عليه الأكثر.
(1) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / 239، 240.
(2)
انظر: المدخل للفقه الإسلامي د. الدرعان: 321، 322، والمنثور للزركشي 2/ 397.
(3)
انظر: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / 240، وفتح القدير 5/ 204.