الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقبض، وهذا هو الذي يتفق مع ما سبق تقريره من أن عقد الهبة عقد جائز من الطرفين (1)، فإثبات الملك للموهوب له مع القول بجواز العقد تناقض ظاهر، وكما أن هذا القول أقعد فهو أسلم من الخلاف، إذ إن القول بثبوت الملك فيها من حين العقد يستلزم خلافا فيما إذا نما المال الموهوب، وكذلك إذا احتاج إلى نفقة، وهذه العقود القصد منها حصول المودة والمحبة لا أن تنتج عكس ذلك.
(1) انظر: ص (102).
المبحث الثالث: حكم الرجوع في عقد الهبة
المطلب الأول: المراد بالرجوع
الرجوع: الانصراف عن الشيء، وراجع الرجل: رجع إلى خير أو شر، وتراجع الشيء إلى خلف، وليس لهذا البيع مرجوع أي: لا يرجع فيه (1).
فالمدلول اللغوي للرجوع ظاهر وهو: ترك الأمر بعد العزيمة عليه، وإطلاق هذا المعنى على الرجوع في العقود يراد به: عدم إنفاذها بعد إبرامها، ومن هنا فإن الرجوع في الهبة قبل القبض لا يعد رجوعا حقيقة، وإنما يسمى رجوعا تجوزا، إذ الرجوع إنما يكون بعد لزوم العقد وتمامه بالقبض، وهذا يوضح المراد بالمسألة، ويحررها، فما كان قبل القبض فهو رجوع عن إبرام العقد، وترك له من أصله،
(1) انظر: لسان العرب 8/ 114، 117، 119.
وليس رجوعا فيه (1)، فلا يدخل فيما ورد النهي عنه من مثل قوله صلى الله عليه وسلم:«العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه (2)» . . . (3).
وإن كان هذا الأمر منافيا للمروءة، وليس من صنع أهل الشيم، لكنه لا يأخذ الحكم الذي سيرد الحديث عنه.
أما إن كان بعد لزوم الهبة بالقبض فهذا رجوع فيها، وهو المراد بما ذكره الفقهاء رحمهم الله ويكون الرجوع بالألفاظ الدالة على رجوع الواهب في هبته كأن يقول: قد رجعت فيها أو ارتجعتها، أو ارتددتها، أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع، ولا يحتاج إلى حكم حاكم (4).
ويعبر بعض المالكية عن الرجوع في الهبة بالاعتصار، وهو بمعنى الرجوع (5).
وهذه هي الألفاظ الصريحة في الرجوع، أما الكتابة فلا بد فيها من النية ليكون رجوعا في الهبة، ولا ينحصر الأمر فيما ذكر من الألفاظ بل كل ما دل عليه حتى ما كان بلفظ الإبطال والنقض فهو صالح للدلالة على معنى الرجوع.
(1) انظر المغني 8/ 242.
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (3003)، صحيح مسلم الهبات (1620)، سنن النسائي الزكاة (2615)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 40)، موطأ مالك الزكاة (624).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
انظر المغني 8/ 268، ونهاية المحتاج 5/ 418.
(5)
انظر: عقد الجواهر الثمينة 3/ 69.
وجمهور العلماء أن هذا الرجوع فسخ لا يفتقر إلى قضاء القاضي (1)، ويرى الحنفية أنه لا يصح الرجوع إلا بقضاء قاض (2)؛ لأن ملك الموهوب له مستقر (3)، ولأن الرجوع في الهبة مختلف فيه، وفي أصله ضعف؛ لأنه ثبت بخلاف القياس لكونه تصرف في ملك الغير فافتقر إلى حكم الحاكم (4).
والترجيح في هذه المسألة مبني على حكم الرجوع وهو ما سيتبين في المسائل الآتية، وقول الحنفية ظاهر منه أنه مبني على رأيهم في حكم الرجوع، ولذلك عللوه بالتنازع الناتج عن الخلاف، والأمور المفضية إلى التنازع الأمر فيها إلى القضاء.
وأما الجمهور فإن قولهم في ذلك مبني على قولهم في حكم الرجوع، وهو المنع إلا فيما استثني، وما استثني مبني على التسامح والتوقير فلا يحتاج إلى حكم الحاكم.
وهذه المسألة أحببت الإشارة إليها من باب تكميل البحث وذكر جوانبه المتعددة. والله أعلم.
(1) انظر المغني 8/ 269، وفتح الواهب 1/ 261.
(2)
انظر: المسبوط 12/ 52، والبناية في شرح الهداية 9/ 243.
(3)
انظر المغني 8/ 269.
(4)
انظر البناية 9/ 244.