الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدمه، فإذا كان فيها منفعة كانت أموالا متقومة مبادلة بالمال، وهو الحاصل في العصر الحاضر في أنواع غير قليلة من الحشرات.
رابعا: ما سقطت منفعته لحرمته: فلا عبرة بالمنافع في الأموال المحرمة، ولا بد أن يكون المال مباحا مطلقا، أما ما أبيح للحاجة أو للضرورة فقط فلا يعتبر مالا، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
خامسا: ما سقطت منفعته لعدم الوصول إليه كالمال الضمار؛ وهو كل مال تعذر الانتفاع به مع قيام أصل الملك. كالمال المغصوب إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بينة، وكمال المودع إذا نسي من أودعه عنده، وكالدين المجحود إذا لم يكن عليه بينة، وكالمال المدفون في برية إذا نسي الموضع، والساقط في البحر، ونحوها. فإذا وصل إليه بعد ذلك فإنه لا يأخذ حكم المال لما مضى؛ لكون منفعته ساقطة الاعتبار في تلك المدة (1).
(1) راجع المبسوط (2/ 171)، ورد المحتار (2/ 260).
المبحث الثالث: عنصر (حل الانتفاع)
المراد بحل الانتفاع: ألا يكون الشيء محرما، فالحلال نقيض الحرام، وبهذا فهو يشمل الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، من
حيث الإذن الشرعي بها مع رجحان الفعل في الواجب والمندوب، وتساوى الفعل والترك في المباح، ورجحان الترك في المكروه؛ ولهذا سلك بعض علماء الأصول ذلك في تقسيم الحكم، فقالوا: الحكم قسمان؛ تحريم وإباحة. والتقسيم الخماسي هو المشهور.
وقد جاء الحل مقابلا للتحريم في الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1)، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المسور بن مخرمة:«وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما (3)» .
والحل في الأصل يحكم به لسببين:
الأول: ذاتي؛ كالانتفاع بالبر والشعير وسائر الأشياء المباحة.
والثاني: عرضي لسبب؛ كالبيع والإجارة والهبة وسائر الأشياء المبيحة، ويدخل في الثاني الإذن من المالك الخاص.
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة التحريم الآية 1
(3)
صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من ورع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه (6/ 212) برقم (3110)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل فاطمة، رضي الله عنها، (16/ 3) برقم (2449).
والذي نعنيه هنا إنما هو حل الانتفاع نقيض الحرمة، وهو حاصل بالأول، وكذلك هو قيد في الثاني؛ فلا بد من توفره زيادة على سبب الإباحة من العقد أو إذن المالك الخاص.
كما أن هذا الحل في الأشياء له درجات متفاوتة: فأعلاها ما كان خالصا من جميع الشبه؛ كالاغتراف من الأنهار العظام الخالية عن الاختصاص، ثم تنزل درجاته إلى أن تقرب الدرجة الأخيرة من الحرام المحض؛ كمال من لا كسب له إلا المكوس المحرمة؛ وإن كان يحتمل أن يكون بعض ما في يده حصل له من جهة حلال (1).
وقد اختلف الفقهاء في حل الانتفاع؛ هل هو شرط في المالية؛ فذهب الحنفية إلى أن حل الانتفاع ليس شرطا في المالية، وليس من ضرورة التحريم سقوط المالية وهذا دفعهم إلى تقسم المال إلى قسمين: مال متقوم، ومال غير متقوم، فالمال المتقوم عندهم هو ما يباح الانتفاع به شرعا في حال السعة والاختيار، والمال غير المتقوم هو ما لا يباح الانتفاع به في حال الاختيار؛ كالخمر والخنزير في حق المسلم. وعليه فإنها للذمي تعتبر مالا متقوما؛ لأنه يتمولها ولا يعتقد حرمتها، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون.
(1) القواعد للحصيني (2/ 179، 180)، والمجموع المذهب في قواعد المذهب للعلائي (2/ 714 / 715).
وبنوا على هذا التقسيم ثمرات منها (1).
1 -
أن المال المتقوم يصح التصرف فيه بالبيع والهبة والوصية والرهن وغيرها، أما غير المتقوم فلا يصح التصرف فيه شرعا؛ وإن كان باقيا على صفة المالية.
2 -
أن من اعتدى على مال متقوم ضمنه، فمن أتلف خمر ذمي مثلا أو خنزيره ضمنه؛ لكونه متقوما في حق الذمي، سواء كان المتلف مسلما أو غيره، أما غير المتقوم فالجناية عليه هدر، ولا يلزم متلفه ضمان؛ كمن غصب خمرا لمسلم أو خنزيرا له، فهلك في يده، فلا ضمان؛ لأنهما ليسا بمال متقوم في حق المسلم؛ سواء كان الغاصب مسلما أو ذميا.
(1) المبسوط (13/ 25)، وبدائع الصنائع (7/ 147)، والموسوعة الفقهية الكويتية (36/ 34).
3 -
أن من شرط المهر المسمى كونه مالا متقوما في نفسه، أو يستحق بذكره تسليم مال، فإن لم يكن فلها مهر مثلها (1).
وهذا يعني أنه ليس من ضرورة التحريم سقوط المالية عند الحنفية، بل سقوط التقوم فقط؛ فإن التقوم يثبت بالمالية وإباحة الانتفاع معا فإن تخلف شرط الإباحة لم يكن متقوما وإن بقي مالا؛ كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم، وإن تخلف شرط المالية لم يكن متقوما وإن كان مباحا؛ كحبة القمح مثلا، فالمالية أعم من التقوم (2).
وقد يشكل على ما ذكرته آنفا ما جاء في البحر الرائق نقلا عن المحيط؛ من أن الخمر ليس بمال (3). لكن أجاب ابن عابدين بقوله: (وأما ما في البحر عن المحيط من أنه غير مال فالظاهر أنه أراد بالمال المتقوم توفيقا بين كلامهم)(4).
وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن حل الانتفاع شرط في المالية، وأن كل ما لا يباح الانتفاع به شرعا فليس بمال أصلا، كالخمر، والخنزير، والميتة، والدم، والأصنام،
(1) المبسوط (23/ 188). وراجع: روضة الطالبين للنووي (7/ 153).
(2)
المبسوط (5/ 39، 40) و (13/ 25)، وبدائع الصنائع (7/ 147)، وحاشية ابن عابدين (4/ 501).
(3)
انظر: البحر الرائق (5/ 277).
(4)
رد المحتار (4/ 503).
والصلبان، وآلات الملاهي، ونحو ذلك، وينبني عليه عدم صحة المعاوضة عليها، وعدم ضمانها بالإتلاف.
إلا أن المالكية قد أوجبوا الضمان على متلف خمر الذمي بقيمته لا مثله لاعتباره مالا في حقه، كما ذكرته آنفا.
ولذلك لا تجد عند الجمهور تقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم بالمعنى الذي قصده الحنفية، وهم إذا أطلقوا لفظ (المتقوم) فإنما يريدون به ما له قيمة مادية بين الناس، وقابلية لأن يكون له بدل في العقود.
والمراد بحل الانتفاع: الحل المطلق في جميع الأحوال، أما ما أبيح لأجل الضرورة والحاجة فقط، مع تحريمه بدونهما فليس بمال؛ كالكلب الذي يباح اقتناؤه للحاجة، وكالخمر والخنزير والميتة التي يباح تناولها للضرورة، فلا تكون لذلك أموالا؛ لأنها إباحة عارضة لأجل الحاجة والضرورة لا مطلقة في كل الأحوال (1).
(1) المبدع (4/ 9)، ومعونة أولي النهى (4/ 13، 14)، وكشاف القناع (3/ 1400)، ورد المحتار (5/ 69).