الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المتمول القليل (1).
3 -
أن الخلاف في حل لقطة الحرم -بعد التعريف- إنما هو في المتمول، أما غير المتمول فيستبد به واجده (2).
4 -
أن الصائل إنما يدفع بالضرب عن المال المتمول دون غيره في احتمال عندهم (3).
5 -
أن من حلف لا مال له وأطلق حنث بالمتمول وغيره، وقيده بعضهم بالمتمول، وهو الظاهر (4).
6 -
أن من غصب مال غيره المتمول؛ فعليه الإثم والضمان، ومن غصب مال غيره الذي لا يتمول؛ فعليه الإثم دون الضمان.
(1) حاشية البجيرمي (2/ 436).
(2)
مغني المحتاج (2/ 417).
(3)
إعانة الطالبين (4/ 171)، وحواشي الشرواني (9/ 182).
(4)
مغني المحتاج (4/ 346).
المبحث الثاني: الضوابط الشرعية لاكتساب المال وإنمائه
المطلب الأول: حكم اكتساب المال وآدابه وطرقه
الاكتساب: طلب الرزق وتحصيل المال، يقال: كسبت مالا و: اكتسبته أي ربحته. و: كسب لأهله، و: اكتسب و: تكسب، أي
طلب الرزق، و: كسب الإثم و: اكتسبه أي تحمله (1).
وهو مستعمل في كل باب قال تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (2). وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (3)، وقال تعالى في آية السرقة {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (4)، وقال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (5)، وقال تعالى:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} (6). لكن عند الإطلاق يفهم منه اكتساب المال خاصة (7).
وأضاف الفقهاء إلى ذلك ما يفصح عن الحكم، فقالوا: الاكتساب: تحصيل المال بما حل من الأسباب (8).
والفرق بين الكسب والاكتساب: أن الاكتساب لا يكون إلا ببذل الجهد، أما الكسب فإنه لا يعني أكثر من الإصابة؛ قال سيبويه: كسب: أصاب، واكتسب: تصرف واجتهد (9).
(1) المصباح المنير ص (203)، والقاموس المحيط ص (121).
(2)
سورة البقرة الآية 267
(3)
سورة الشورى الآية 30
(4)
سورة المائدة الآية 38
(5)
سورة البقرة الآية 286
(6)
سورة النور الآية 11
(7)
المبسوط (30/ 245).
(8)
المبسوط (30/ 244).
(9)
لسان العرب (1/ 716).
واكتساب المال فرض على الرجل المحتاج إليه -إذا كان قادرا عليه- لأنه به يقوم المكلف بما وجب عليه من التكاليف المالية من قضاء الديون، والنفقة على من تلزمه نفقته، ونحو ذلك، وذلك بقدر الكفاية.
أما ما زاد على الكفاية؛ فإن كان بنية صالحة كمواساة الفقراء، وصلة القرابة، ونحوها؛ فهو مستحب، وإن كان بنية زيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة على نفسه وعياله؛ فهو مباح، إذا كان مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة.
فإن كان للتفاخر والتكاثر فهو مكروه عند الحنفية، وإن كان من حل، وصرح الحنابلة بحرمته؛ لما فيه من التعاظم المفضي إلى الهلاك دنيا وآخرة.
وقد صرح الفقهاء بلزوم التكسب وتفضيله على التفرغ للعبادة واختلفوا في إلزام الرجل بالتكسب لينفق على من تلزمه نفقتهم، وفي وجوب النفقة للقريب الفقير إذا كان قادرا على التكسب، جاء في الإنصاف: (لو قدر على التكسب ولكن أراد الاشتغال بالعبادة لم يعط من الزكاة قولا واحدا.
قلت: والاشتغال بالكسب والحالة هذه أفضل من العبادات).
وذهب بعض الفقهاء إلى أن التخلي للعبادة أفضل من الاشتغال بالكسب؛ بناء على أن صفة الفقر أعلى من صفة الغنى عندهم؛ لأنه أسلم حيث لا يحاسب المرء على الفقر، بينما يحاسب على الزائد عن حاجته، ولأنه أبعد للمرء عن الطغيان، ومن اقتضاء الشهوات. . . وهذا هو المذهب عند الحنفية (1).
واحتج المفضلون للغنى على الفقر بأن الغنى نعمة، والفقر بؤس ونقمة، والنعمة خير من النقمة، وأن الله عز وجل سمى المال فضلا وخيرا، فقال سبحانه:{وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2)، وقال:{إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (3)، وقال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} (4). يعني الملك والمال، وسأل سليمان عليه السلام ربه قائلا:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (5) ولا يظن بأحد من الرسل أنه يسأل الدرجة الدنيا دون العليا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف والمسألة: «اليد العليا خير من اليد
(1) المبسوط (30/ 352، 354).
(2)
سورة الجمعة الآية 10
(3)
سورة البقرة الآية 180
(4)
سورة سبأ الآية 10
(5)
سورة ص الآية 35
السفلى (1)»، فاليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.
وقال لسعد رضي الله عنه: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك (2)» . إلى غير ذلك من الأدلة (3).
ومن قواعد ابن رجب (القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة: القدرة على اكتساب المال بالصناعات غنى بالنسبة إلى نفقة النفس ومن تلزم نفقته من زوجة وخادم، وهل هو غنى فاضل عن ذلك؛ على روايتين) وفرع عليه عدة مسائل منها:
1 -
القوي المكتسب لا يباح له أخذ الزكاة بجهة الفقر فإنه غني بالاكتساب، وهل له الأخذ للغرم إذا كان عليه دين؟ على وجهين؛ بناء على الخلاف في إجبار المفلس على الكسب لوفاء دينه.
وفيه روايتان مشهورتان عن أحمد رحمه الله تعالى.
(1) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (3/ 294) برقم (1429)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى (7/ 124) برقم (1033).
(2)
صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة (3/ 164) برقم (1295)، وصحيح مسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (11/ 76) برقم (1628).
(3)
راجع المبسوط (30/ 253)، والموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 236).
2 -
هل يلزم المعدم المعسر بالنفقة الكسب لنفقة قريبه؛ وهل يجبر عليه؛ خلاف مخرج على الروايتين السابقتين في المفلس.
3 -
القدرة على الكسب بالحرفة تمنع وجوب نفقته على أقاربه، أما إذا لم يكن له حرفة وهو صحيح فهل تجب له النفقة؛ فيه خلاف.
وقد وردت نصوص كثيرة جدا من الكتاب والسنة في الأمر بالتكسب وطلب الرزق والتعفف عما بأيدي الناس: ليس هذا مجال سردها. لكن منها:
- قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (1).
- وقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (2). قال القرطبي: (سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله والإحسان والإفضال فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد. . . وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في
(1) سورة الجمعة الآية 10
(2)
سورة المزمل الآية 20
سبيل الله أحب إلي من الموت بين شعبتي رحلي أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض. . .) (1).
- وعن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده (2)» .
قال ابن حجر: (والحكمة في تخصيص داود بالذكر، أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل؛ ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه؛ من أن خير الكسب عمل اليد)(3).
وقال قتادة رضي الله عنه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كان القوم يتبايعون ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله"(4).
كما أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فلما
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (19/ 55، 56).
(2)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (4/ 303) برقم (2072).
(3)
فتح الباري (4/ 206).
(4)
صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب التجارة في البز وغيره (4/ 297).
كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها، فأنزل الله:(ليس عليكم جناح في مواسم الحج) قرأ ابن عباس كذا.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» أخرجه الإمام أحمد وله عنده شواهد من حديثها، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه (1).
وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؛ فقال أحمد: (هذا رجل جهل العلم؛ أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي (2)» وقال حين ذكر الطير: «تغدو خماصا وتروح بطانا (3)» وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم والقدوة بهم) (4).
لذا فما ورد في ذم المال ليس منصرفا إلى ذاته، بل إلى معنى من قبل الآدمي من شدة حرصه عليه، أو تناوله من غير حله، أو
(1) مسند الإمام أحمد (40/ 34) برقم (24032) و (42/ 176) برقم (25296) و (11/ 260) برقم (6678).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (2/ 50).
(3)
سنن الترمذي الزهد (2344)، سنن ابن ماجه الزهد (4164)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 30).
(4)
مختصر منهاج القاصدين لأحمد بن محمد بن قدامة ص (90).
حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به، أما المال لذاته فينبغي أن يمدح ولا يذم؛ لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدنيا والدين، فهو قوام الآدمي في الدنيا:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (1).
وأما مصالحه الدينية فتنحصر في ثلاثة أنواع:
أولها: أن ينفقه على نفسه في عبادة؛ كالحج والجهاد، أو فيما يعين على العبادة؛ من المطعم والملبس والمسكن وغيرها من الضرورات.
ثانيها: ما يصرفه إلى الناس من صدقات للفقراء والمعوزين، ومن مروءات كالضيافة ووقاية العرض ونحو ذلك.
ثالثها: ما يصرفه في المنافع العامة للمسلمين كبناء المساجد والقناطر والوقوف المؤبدة ونحو ذلك.
وأما عن آداب الكسب فقال أبو الليث السمرقندي: (من
(1) سورة النساء الآية 5
أراد أن يكون كسبه طيبا فعليه أن يحفظ خمسة أشياء:
أولها: أن لا يؤخر شيئا من فرائض الله تعالى لأجل الكسب، ولا يدخل النقص فيها.
والثاني: أن لا يؤذي أحدا من خلق الله لأجل الكسب.
والثالث: أن يقصد بكسبه استعفافا لنفسه ولعياله، ولا يقصد به الجمع والكثرة.
والرابع: أن لا يجهد نفسه في الكسب جدا.
والخامس: أن لا يرى رزقه من الكسب، بل يرى الرزق من الله تعالى ويرى الكسب سببا) (1).
ويضاف -بلا شك- إلى هذا أن لا تكون حرفته محرمة، كاحتراف الزنا، وبيع الخمر، وصناعة المزامير ونحوها، وألا يعتريها تصرف محرم؛ كمن يتعامل بالربا، أو الميسر، أو بتجارة يدخلها الظلم، أو الغرر والخديعة، أو الأيمان الكاذبة، أو غير ذلك مما يحرمها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات -كبيع الغرر وبيع الثمر قبل بدو صلاحه وبيع السنين وبيع حبل الحبلة وبيع المزابنة والمحاقلة وبيع الحصاة وبيع الملاقيح والمضامين ونحو ذلك هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر ".
(1) الموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 235).
ومن الآداب: تحصيله علم الكسب؛ بأن يتعلم أحكام العقود التي لا تنفك المكاسب عنها، من البيع، والسلم، والإجارة، والشركة، والمضاربة، وأحكام الشروط ونحو ذلك، قال السرخسي:(فإن أراد التجارة يفترض عليه تعلم ما يحترز به عن الربا والعقود الفاسدة، وإن كان له مال يفترض عليه تعلم زكاة جنس ماله ليتمكن به من الأداء. . .)(1).
واكتساب المال له طرق كثيرة لكن أصولها ثلاثة: الزراعة، والتجارة، والصناعة كما ذكره بعض الشافعية (2). وزاد بعض الحنفية رابعا هو الإجارة (3)، وزاد بعض الحنفية أيضا الجهاد (4)، وقد جعل الجهاد أفضلها فقال:(وأفضل أسباب الكسب الجهاد؛ لأن فيه الجمع بين حصول الكسب، وإعزاز الدين، وقهر عدو الله تعالى، ثم التجارة. . . ثم الزراعة. . ثم الصناعة). .
وروي عن أحمد أنه ذكر أن المال يأتي من أحد أربعة طرق: تجارة برة، أو صلة الإخوان، أو أجرة التعليم، أو من غلة ضيعة (5).
واختلفوا في أيها أفضل: فذهب أكثر الحنفية والماوردي والنووي من الشافعية إلى أن الزراعة أفضلها؛ لأنها أعم نفعا للآدمي
(1) المبسوط (30/ 260). وانظر: مختصر منهاج القاصدين لأحمد بن محمد بن قدامة: ص (90 - 93).
(2)
روضة الطالبين (3/ 281).
(3)
المبسوط (30/ 258 / 259).
(4)
الاختيار (4/ 171)
(5)
كسب الموظفين: ص (60)، وقد نسبه لكتاب: الحث على التجارة للخلال.
وغيره، وأقرب إلى التوكل، ولأنها عمل بيده.
وقال آخرون: إن التجارة أفضل، وهو مذهب أحمد، والأشبه بمذهب الشافعي، وقال به بعض الحنفية، لما ورد في القرآن من ذكرها كما سبق، وما جاء في الأحاديث من الثناء على التاجر الصدوق، وقد احترفها أفاضل الصحابة رضي الله عنهم وقال آخرون: كلها في الإباحة سواء (1).
كما اختلفوا في اكتساب المال بالصنائع هل هو على درجة واحدة في الإباحة؟.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المكاسب غير المحرمة كلها سواء في الإباحة، لا فرق بين حرفة دنيئة وشريفة. وذهب بعض الفقهاء إلى كراهة احتراف الحرف الدنيئة إذا وسعه احتراف ما هو أصلح منها.
ومثلوا لها: بالزبال، والقراد (سائس القرد)، والحجام، والدباغ، والحائك، وكل حرفة دلت ملابستها على انحطاط المروءة وسقوط النفس، ومرد تحديد ذلك عند الجمهور إلى العرف، وهي مراتب في دناءتها.
وقد نص الحنابلة على عدم قبول شهادة الكساح والكناس
(1) راجع المصادر السابقة، وراجع: مختصر منهاج القاصدين لأحمد بن محمد بن قدامة: ص (94، 95).
الذي يكنس العذرة والزبل؛ لأنه دناءة يجتنبه أهل المروءات.
والذي يبدو لي أن ما يراعيه الفقهاء في باب الشهادة في القضاء، وفي باب الكفاءة في النكاح من تأثير دناءة الحرفة احتياطا للعدل وصيانة للمرأة ودفعا للمفاسد - إن قلنا بالتسليم به - لا يخل بكون ذلك كسبا داخلا في عمومات الأمر بالارتزاق، ولا يخل بإباحة الحرفة ذاتها، ما دام صاحبها لا يباشر المحرمات ولا النجاسات.
ولا أغفل هنا أنه حتى في باب الشهادة والكفاءة المذكورين فإن للعرف أثرا كبيرا في تحديد شرف الحرف المباحة ودناءتها، ودرجاتها في ذلك.
كيف وقد قال بعض العلماء: إن الحرف والصناعات التي يحتاجها الناس تكون فرض كفاية إذا احتاج المسلمون إليها، وأنها تكون فرض عين متى لم يقم بها غير قوم معينين وعجز عنها غيرهم، وأن للإمام أن يجبرهم عليها إذا امتنعوا، بعوض المثل. ولا يعد هذا ظلما.