الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المعاوضات والتي يقوم بها في الضمانات وقد نص بعضهم على هذا التفسير فقد قال الغزالي الشافعي: " لأن المالية باقية ببقاء القيمة "(1)، وقال ابن نجيم الحنفي:" لأن المقصود نقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة) (2)، وقال ابن ضويان الحنبلي في الخيارات: " الخامس: خيار العيب، والعيوب: النقائص الموجبة لنقص المالية في عادة التجار) (3).
ولا يشكل على هذا ما ذكرته في مبحث عنصر حل الانتفاع؛ من أن الحنفية يقسمون المال إلى متقوم وغير متقوم، وأن كل متقوم مال وليس كل مال متقوم، فإنما دفعهم إلى ذلك أنهم لم يجعلوا من عناصر المالية إباحة الانتفاع بالشيء شرعا، فقسموا الأموال إلى متقومة وغير متقومة بهذا الاعتبار، وإلا فهم متفقون مع بقية المذاهب هنا في اعتبار التقوم - الذي هو كون الشيء ذا قيمة يقوم بها - عنصرا من عناصر المالية.
(1) الوسيط (3/ 144).
(2)
البحر الرائق (6/ 40، 41).
(3)
منار السبيل (1/ 319).
المبحث الخامس: عنصر (العينية)
نسبة إلى العين. والعين في اللغة تطلق - بالاشتراك - على نحو من عشرين مسمى، منها: العين الباصرة، وعين الماء، وعين الشمس، والعين الجارية، والجاسوس، وما ضرب من الدنانير، وذات الشيء،
وخيار الشيء وغيرها، ويتبين المراد من سياق الكلام.
ويختلف جمع العين بحسب معناها؛ فتجمع مثلا عين الحيوان الباصرة على أعين وأعيان وعيون، وتجمع العين بمعنى الدنانير المضروبة على أعيان، ولغير المضروبة على عيون وأعين (1).
ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذه المعاني اللغوية؛ لكنهم أكثر ما يستعملون مصطلح الأعيان لأحد معنيين:
الأول: الأعيان في مقابل الديون، وهو الأكثر في استعمالهم، فيعنون بالأعيان الأموال الحاضرة نقدا أو غيره، ويعنون بالديون ما يثبت في الذمم بعقد أو استهلاك أو غيرهما.
وأساس التمييز بين العين والدين عند الفقهاء هو الاختلاف والتباين في التعلق؛ حيث إن الدين يتعلق بذمة المدين، ويكون وفاؤه بدفع أية عين مثلية من جنس الدين الملتزم به؛ ولهذا صحت فيه الحوالة والمقاصة، بخلاف العين؛ فإن الحق يتعلق بذاتها ولا يتحقق الوفاء عند الالتزام بها إلا بأداء عينها؛ ومن أجل ذلك لم تصح
(1) المصادر السابقة.
الحوالة أو المقاصة في الأعيان؛ لأنها إنما تستوفى بذواتها لا بأمثالها (1)، وهذا هو معنى القاعدة المقررة عندهم:(إن المعينات المحسوسة لا تثبت في الذمم، وما في الذمم لا يكون معينا)(2).
الثاني: الأعيان في مقابل المنافع، وهذا كثير في استعمالهم؛ حيث يقولون: إن المال قسمان أعيان ومنافع، ويعنون بالمنافع الفوائد العرضية التي تستفاد من الأعيان بالاستعمال مع بقاء أصول الأعيان، ويعنون بالأعيان هذه الأصول. وهذه العرضية في الأعيان هي التي قصدها ابن عرفة بعدم إمكان الإشارة دون إضافة؛ حين فسر المنفعة بقوله:" ما لا يمكن الإشارة إليه حسا دون إضافة، يمكن استيفاؤه، غير جزء مما أضيف إليه " ويعني بالإضافة قولنا: لبس الثوب، وركب الدابة، فاللبس والركوب منفعة (3).
وقال الزنجاني: (وكذلك كل عين لها هيئة تتميز بها عن الأخرى، وبها تستعد لحصول الغرض منها، فهي منفعتها، وهذه
(1) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (254).
(2)
راجع: الفروق للقرافي (2/ 133، 134).
(3)
شرح حدود ابن عرفة للرصاع (2/ 521).
الهيئات أعراض متجددة توجد وتفنى كسائر الأعراض) (1).
وباستحضار هذين الاستعمالين للفقهاء، يندفع ما يتوهم من التعارض والتضارب في عبارة الفقهاء؛ حين يذكرون أن الإجارة على قسمين: إجارة واردة على العين، وإجارة واردة على الذمة، وفي الوقت نفسه يقررون أن مورد العقد في الإجارة إنما هو على المنفعة لا على العين، فإنه لا تضارب بينهما؛ لأنهم يقصدون بالعين في عبارتهم الأولى ما يقابل الذمة، والعين بهذا الاعتبار يصح إطلاقها على المنفعة وهي المرادة، وإنما ذكروا العين؛ لأنها محل المنفعة ومنشؤها، أما في عبارتهم الثانية فيقصدون بالعين ما يقابل المنفعة، ويريدون بالمنفعة المنافع العرضية المتعلقة بالعين. وبهذا يندفع التعارض. وقد نبه إلى هذا الملحظ الشربيني حيث قال:(تنبيه: تقسيم الإجارة إلى واردة على العين وواردة على الذمة؛ لا ينافي تصحيحهم أن موردها المنفعة لا العين؛ لأن المراد بالعين ثم ما يقابل المنفعة، وهنا ما يقابل الذمة)(2).
(1) تخريج الفروع على الأصول ص (225).
(2)
مغني المحتاج (2/ 333، 334).
وأيا كان مرادنا بالعينية في هذا المبحث - أي سواء أكان المحترز منه المنافع، أم كان المحترز منه الديون- فإن الخلاف في اعتبارها عنصرا من عناصر المالية هو ذاته؛ حيث يخالف الحنفية الجمهور، فيرى جمهور الفقهاء عدم اشتراط العينية لثبوت صفة المالية - بالاعتبارين - ويدخلون المنافع والديون في مسمى المال، فيما يرى الحنفية اشتراطها - بالاعتبارين- ولا يعدون المنافع ولا الديون أموالا. كما سيأتي بيانه- إن شاء الله تعالى- في المبحثين المتعلقين بمالية المنافع والديون؛ لكني أحببت أن أنبه إلى الملحظ السابق تتميما للفائدة ودفعا لما قد يرد من التباس.
وبعد هذا التطواف في نصوص الفقهاء وآرائهم المتعلقة بتعريف المال، وعناصر المالية، وما يعد مالا وما لا يعد، فإن من أهم النتائج التي توصلت إليها ما يلي:
1 -
أن مصطلح (المال) قد اختلفت استعمالاته في لغة العرب، وتطور عندهم باختلاف الأزمنة، والبيئات، والأعراف.
2 -
أهمية مصطلح (المال)، وكثرة تداوله وتداول مشتقاته لدى الفقهاء.
3 -
مع هذا التداول الكبير، لمصطلح (المال) فإن كثيرا من الفقهاء ليس لديه حقيقة تحديد واضح لمفهوم المال، بل تجد أن
مفهومه يختلف؛ فيتسع في مقام، بينما يتحدد في مكان آخر، وفقا للباب الذي ورد استعماله فيه، ومما يؤكد ذلك أنك تجد كثيرا من الفقهاء لم يلتفت أصلا لتعريف المال؛ بوضع حد جامع مانع له، بل يورد هذه المفردة، وكأنها ذات مفهوم معهود في الذهن سلفا. ولقد واجهت صعوبة في جمع التعريفات الاصطلاحية له لندرتها. ولعل مرادهم أن يحيلوا مفهومه على العرف، باعتباره المعول عليه فيما لا حد له لغة ولا شرعا.
4 -
مع ما سبق إلا أن بعض الفقهاء - وهم قلة - قد اهتم بذلك وحاول أن يعرف المال بتعريف حاصر جامع مانع، يميز المال عما يشبهه، ويجعل له مفهوما واضحا.
5 -
هناك عنصران يتفق الفقهاء على اعتبارهما لصفة المالية، هما: عنصر الانتفاع (أي كونه منتفعا به) وعنصر إمكان المعاوضة (أي كونه ذا قيمة يعاوض بها عنه) وجرت عادتهم أن يحترزوا من الأول بالحشرات، وأنها ليست مالا لعدم النفع فيها، ويحترزوا من الثاني بحبة القمح أو الشعير، أو التراب. . .
وهنا يجب ملاحظة أن هذه المحترزات ليست مقصودة بالحكم بعينها، بل حكم بعدم ماليتها لعدم توفر الوصف الذي جعلوه مناطا للمالية فيها، وهو النفع وإمكان المعاوضة، فحيثما تغير الحال
فصارت الحشرات مثلا منتفعا بها - كما هو الحال اليوم - صارت أموالا عندهم أيضا، والعكس بالعكس؛ لأنه لم يكن مقصودهم المثال، بل الوصف الجامع.
6 -
هناك ثلاثة عناصر يختلف الفقهاء في اعتبارها لصفة المالية؛ هي: عنصر العينية، وعنصر إمكان الادخار، وعنصر حل الانتفاع، فيشترط الحنفية لوصف المالية الأولين دون الثالث، ويشترط الجمهور الثالث دون الأولين؛ ولأجل عدم اشتراط الحنفية حل الانتفاع قسموا المال إلى متقوم وغير متقوم، ويعنون بالمال غير المتقوم ما لا يباح في حال السعة والاختيار؛ كالخمر والخنزير للمسلم، وأما الجمهور فليست المحرمات عندهم أموالا مطلقا، لاشتراطهم حل الانتفاع للمالية، فلم يكونوا بحاجة إلى هذا التقسيم.
7 -
بناء على اختلافهم السابق في العناصر الثلاثة اختلف الحنفية مع الجمهور في مالية بعض الأشياء، وهي: الدين والمنفعة، والآدمي الرقيق، والخمر والخنزير، والكلب، وبنوا على ذلك فروعا كثيرة؛ ولذا تجد تعليلاتهم في هذه الفروع تدور حول العناصر المذكورة.
8 -
أن اكتساب المال وطلب الرزق مطلب شرعي، وما ورد في النصوص من ذم المال ليس منصرفا إلى ذاته، بل إلى تصرفات
الآدمي غير الشرعية فيه. ومن جهة أخرى فليس اكتساب المال مطلقا في الشرع من أي سبيل وبأي كيفية، بل له آداب وطرق يجب الالتزام بها. وكذلك فهي تثمير المال وتنميته.
هذه هي أبرز النتائج في هذا البحث، ويبقى عملا بشريا يعتريه القصور، فما أحسنت فيه فبفضل الله وتوفيقه، وما أخطأت فيه فمن نفسي، وحسبي أن يكون مرادي الحق، وغايتي الصواب. والله هو الغفور الرحيم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
صفحة فارغة
التورق المصرفي
عن طريق بيع المعادن
لفضيلة الدكتور / خالد بن علي المشيقح (1).
تقديم:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد نشأت المصارف الإسلامية لترفع عن الأمة مصيبة الربا وتزيل عنها آثاره وتبعاته، وقد اجتهدت هيئات شرعية مشكورة تابعة لهذه المصارف في إيجاد بدائل تلبي احتياجات النشاط الاقتصادي وفق القواعد والضوابط الشرعية. ومع مرور الوقت، تطورت هذه المصارف وتطور معها التمويل الذي تقدمه لعملائها. ففي عام 1421 هـ بدأت بعض المصارف بما يسمى بعملية
(1) الأستاذ المشارك بقسم الفقه، في كلية الشريعة بالقصيم.
"التيسير" ثم تبعتها مصارف أخرى بما يسمى بـ "التورق المبارك"، أو "تورق الخير"، أو "مال"، أو "التورق"، وهي عبارة عن التورق عن طريق بيع المعدن غالبا. وسلكت مصارف أخرى عملية التورق لكن عن طريق بيع الأسهم. وكانت أغلب معاملات تلك المصارف قبل ذلك بالتورق عن طريق بيع السيارات.
وإنما لجأت تلك المصارف إلى التعامل بالمعادن لأسباب من أهمها: سرعة عملية البيع والشراء لتلك السلع، وخلوها من الشروط النظامية التي قد توجد في سلع أخرى والتخفف من الإجراءات والتكاليف التي قد توجد في غير تلك السلع، وغير ذلك، واختارت تلك المصارف سلعة المعدن لتعاملها؛ لكونها من السلع التي يكثر عليها العرض والطلب عالميا، ولكثرة تساؤلات الناس عن شرعية تلك المعاملات كتبت في التورق المصرفي عن طريق بيع المعدن، وقد جعلته مقتصرا على شرطه وحكمه.
فاشتمل البحث على ما يلي:
مقدمة.
تمهيد، واشتمل على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف مفردات العنوان.
المطلب الثاني: وصف عملية بيع المعدن في التورق المصرفي.
المطلب الثالث: حكم التورق غير المصرفي.
المطلب الرابع: الفرق بين التورق غير المصرفي، والتورق المصرفي.
المبحث الأول: شرط صحة التورق المصرفي، وفيه مطالب: المطلب الأول: الشرط الأول: أن يكون المصرف مالكا للسلعة.
المطلب الثاني: الشرط الثاني: ألا يبيع المشتري السلعة إلا بعد قبضها.
المطلب الثالث: الشرط الثالث: ألا يبيع المشترى السلعة على المصرف.
المطلب الرابع: الشرط الرابع: ألا يكون المعدن ذهبا أو فضة. المطلب الخامس: الشرط الخامس: أن يكون المعدن حالا.
المطلب السادس: الشرط السادس: أن يكون الأجل معلوما.
المطلب السابع: الشرط السابع: أن تكون السلعة معلومة.
المبحث الثاني: حكم التورق المصرفي.
الخاتمة.
منهج البحث:
سلكت في كتابة هذا البحث المنهج العلمي في كتابة البحوث، كما يلي:
أولا: اقتصرت في بحثي هذا على المذاهب الأربعة، كما أذكر رأي غيرهم أحيانا.
ثانيا: أقوم بعرض المسألة الخلافية بذكر القول أولا، فالقائل به، ثم أتبعه بالاستدلال، وما ورد عليه من مناقشة، وما أجيب به عنها، وهذا في جملة البحث، وقد يختلف المنهج تبعا لاختلاف المسألة.
ثالثا: اعتمدت في نسبة كل قول لكل مذهب على أمهات كتب المذهب.
رابعا: رجحت ما ظهر لي رجحانه، بناء على قوة الأدلة، وبما يتمشى مع قواعد الشريعة، ومقاصدها العامة.
خامسا: عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها في كتاب الله، بذكر السورة ورقم الآية.
سادسا: خرجت جميع الأحاديث الواردة في البحث، وما كان منها في صحيح البخاري، أو مسلم: اكتفيت به، وما لم يخرجه أحدهما، أو كلاهما خرجته من الصحاح، والسنن، والمسانيد المتبقية، مع بيان درجة الحديث.
سابعا: خرجت الآثار الواردة في البحث من مصادرها، مع بيان درجة الأثر غالبا.
ثامنا: وضحت معنى ما يرد في هذا البحث من كلمات وألفاظ غريبة (1).
(1) لم أترجم لشيء من الأعلام خشية الإطالة.