الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقال: هب زيدا منطلقا بمعنى احسب، فيعدى إلى مفعولين، ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل. اهـ.
ويتضح مما سبق أن الهبة لا تخرج عن معنى العطية التي لا يقصد منها العوض، ولا يكون فيها ذلك، وظاهر من هذا الإطلاق اللغوي أنه لا مدخل لنية الواهب في تغيير الاسم؛ ولذلك فالتخصيص الذي سيرد في المعنى الاصطلاحي اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح.
المطلب الثاني: في تعريف الهبة شرعا
من خلال تتبع ما ذكره الفقهاء- رحمهم الله في باب الهبة يمكن للباحث أن يميز بين معنيين للهبة:
أ- المعنى الأعم للهبة:
وأكثر تعريفات الفقهاء تتجه لهذا المعنى، فالهبة بالمعنى الأعم تشمل الهدية والصدقة، والعطية، وتشمل الوقف أيضا عند بعضهم؛ ولذلك سأورد ما ذكره الفقهاء مما يندرج تحت هذا النوع.
جاء عند الحنفية أن الهبة تمليك المال بلا عوض.
قال ابن الهمام: كذا في عامة الشروح بل والمتون، ويرد عليه النقض عكسا بالهبة بشرط العوض، ولذا عرف بأنه: تمليك عين بلا شرط عوض.
واعترض عليه بأنه يصدق على الوصية.
واختار ابن الهمام التعريف بالهبة بأنها: تمليك المال بلا عوض في الحال (1).
وعند المالكية عرفت الهبة بأنها: تمليك متمول بغرض عوض إنشائي (2)، فقولهم متمول: أخرج به تمليك غيره كتمليك الإنكاح.
وبغير عوض: أخرج البيع وغيره من المعاوضات.
وإنشائي: أخرج الحكم باستحقاق الوارث؛ لأنه تقرير لا إنشاء.
وعند بعض المالكية: الهبة لا لثواب: تمليك ذي منفعة لوجه المعطى
(1) انظر: فتح القدير9/ 19.
(2)
انظر: مواهب الجليل 6/ 49، وشرح الخرشي 7/ 101.
بغير عوض.
فقولهم: (ذي منفعة) أخرج العارية.
وقولهم: (لوجه المعطى) أخرج الصدقة. وقولهم: (بغير عوض) أخرج هبة الثواب (1).
واقتصر بعضهم على تعريف الهبة بأنها: التمليك بلا عوض (2).
وعند الشافعية عرفت الهبة بأنها تمليك العين بغير عوض.
وزاد بعضهم في الحد: في الحياة لإخراج الوصية (3).
وعند الحنابلة عرفت الهبة عند كثير منهم بأنها: تمليك في حياته بلا عوض (4).
قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية
(1) انظر: شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2/ 552.
(2)
انظر: عقد الجواهر الثمينة 3/ 59، ومواهب الجليل 6/ 49.
(3)
انظر: نهاية المحتاج 8/ 405.
(4)
انظر: المغني 8/ 239، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 17/ 5، والمطلع / 291.
والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بلا عوض، واسم العطية شامل لجميعها وكذلك الهبة) (1).
ومن خلال ما تقدم يظهر أن العموم في هذا المعنى من جهة إغفال قصد المتبرع، فكل ما خرج مرادا به التمليك، سواء كان هذا التمليك لعين أو منفعة أو دين فهو هبة بهذا المعنى، وتقييد بعضهم بكونه في الحياة، يخرج جزءا من هذا العموم، لكن يبقى العموم فيما عداه.
وهذا التعميم في معنى الهبة يساعد عليه المعنى اللغوي، فلا مدخل لغرض المتبرع في التسمية؛ ولذلك جاء في لسان العرب (2) الهبة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض.
ب- المعنى الأخص للهبة:
يرى بعض العلماء أن ما سبق نقله عن الفقهاء يعتبر المعنى الأخص للهبة.
(1) المغني 8/ 239.
(2)
1/ 803 ((وهب)).
يقول ابن حجر رحمه الله (1): (والهبة بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع الإبراء، وهو هبة الدين ممن هو عليه، والصدقة هي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة، والهدية هي ما يكرم به الموهوب له ومن خصها بالحياة أخرج الوصية، وهي أيضا تكون بالأنواع الثلاثة، وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل، وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض). اهـ.
وتمييز الهبة بأنها ما لا يقصد به العوض عن الهدية والصدقة، قال به بعض العلماء (2)، ولكن جعل هذا هو المعنى الأخص للهبة فيه نظر؛ لأن ما سبق ذكره عن الفقهاء مراد به العوض المالي وذلك ليخرج عقود المعاوضات وهبة الثواب كما صرحوا به، وعند تأمل ما ذكروه
(1) فتح الباري 5/ 233.
(2)
انظر: العزيز للرافعي 6/ 305، وروضة الطالبين 5/ 364.
نرى أنهم عمموا هذا التعريف في الأنواع الثلاثة مما يدل على أنهم لم يخصصوا هذا المعنى بالهبة، ولا شك أنها معان متقاربة وقد يطلق أحدها على الآخر (1)، والأظهر أن بين المصطلحات الثلاثة فروقا، وأن العلاقة بينها عموم وخصوص، فأعمها الهبة؛ إذ كل صدقة وهدية هبة ولا عكس، وتشترك في أحكام، وتختلف في أحكام (2).
لكن إن تمحض فيها طلب التقرب إلى الله سبحانه وأريد بها ثواب الآخرة فهي صدقة، ويظهر ذلك بقصد المحتاج إليها، بحيث لا يظهر أي قصد في العوض المالي مقابل هذا المعطى.
أما الفرق بين الهبة والهدية فقيل: إن أريد بها إعظام المعطى وإكرامه والتودد إليه فهي هدية؛ ولذلك قال بعضهم (3): إن الهدية في معنى الهبة إلا أن غالب ما يستعمل لفظ الهدية فيما يحمل إلى إنسان أعلى منه.
لكن انتقد هذا النووي رحمه الله وقال: إنه ليس كما قال، بل تستعمل في حمل الإنسان إلى نظيره ومن فوقه ودونه (4).
ويظهر من ذلك أن التفريق بين الهبة والهدية غير ظاهر؛ ولذلك
(1) انظر: المطلع / 291، وتهذيب الأسماء واللغات، القسم الثاني2/ 197.
(2)
انظر: العزيز 6/ 306، وروضة الطالبين 5/ 364.
(3)
وهو صاحب التتمة المتولي، انظر: تهذيب الأسماء واللغات / القسم الثاني 2/ 197.
(4)
انظر: المرجع السابق.