الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا (1)».
وأما المنع من الموعظة والتذكير بعد صلاة الجمعة فلا أعلم له أصلا، بل قد روي عن جماعة من الأئمة كالشيخ تقي الدين أنه كان يقرأ الحديث بعد صلاة الجمعة، وكذلك يذكر الشيخ عبد الغني بن سرور صاحب العمدة وغيرهم، قال الإمام أحمد: إذا كانوا يقرءون الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب إلي أن يسمع إذا كان فتحا من فتوح المسلمين. أو كان فيه شيء من أمور المسلمين، وإن كان إنما فيه ذكرهم فلا يسمع.
أما قبل صلاة الجمعة فقد صرح العلماء بكراهة التحلق، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة (2)» ، رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
(ص- ف- 201 في 29 - 4 - 1375 هـ)
(1) صحيح البخاري العلم (70)، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2821)، سنن الترمذي الأدب (2855)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 377).
(2)
سنن الترمذي الصلاة (322)، سنن النسائي المساجد (714)، سنن أبو داود الصلاة (1079)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 179).
حكم إقامة الموالد، وذكريات الأيام والأحداث،
والوقائع في الهجرة والفتح، وهل هي من علامة حب الرسول
1 -
السؤال الأول: مجمع الموالد والجلوس فيها ثم القيام فيها وإيقاد العود واللبان وفرش البساط وغير ذلك: هل هذا
جائز، أو منهي عنه؟ وكذلك تعيين يوم معلوم لذلك؟
ج: الحمد لله، إقامة الموالد وذكريات الأيام والأحداث والوقائع مما شرعه النصارى واليهود، وقد نهينا عن أعياد أهل الكتاب والأعاجم؛ لما في ذلك من الابتداع ومشابهة الكفار. وسائر ما استحدث من الأعياد والمواسم منكر مستكره، حتى وإن لم تكن فيه مشابهة لأهل الكتاب والأعاجم، لدخوله في مسمى البدع والمحدثات. حتى ولو كانت إقامتها لذكرى (مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأن الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره. وأصل الضلال في الأرض إنما قام على اتخاذ دين لم يشرعه الله، أو تحريم ما لم يحرمه، ومن هنا بنى الأئمة انقسام الأعمال إلى عبادات تتخذ دينا وعادات ينتفع بها. والأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره.
والمواسم المحدثة إنما استكرهت وأنكرت ونهي عنها؛ لما يحدث فيها مما يتقرب به كدين، ولدخولها في مسمى البدع والمحدثات. وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خطب يقول: أما بعد فإن خير
الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1)». وروى مسلم كذلك في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» وفي حديث صحيح من رواية أهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة (3)» .
وكما أن هذه القاعدة مدلول السنة ومدلول الإجماع فهي كذلك مدلول كتاب الله تعالى، قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (4) فمن ندب إلى شيء يتقرب به، أو أوجبه بقول أو فعل من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله فيما أوجبه عليه من طاعة، ومن أطاع أحدا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الإثم ما يلحق الآمر الناهي؛ أخذا من قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (5). وقد أثر في تفسيرها «أن عدي بن حاتم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما عبدوهم قال: ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم (6)» .
(1) صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).
(2)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
(3)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(4)
سورة الشورى الآية 21
(5)
سورة التوبة الآية 31
(6)
سنن الترمذي تفسير القرآن (3095).
هذا والذهاب إلى انقسام البدع والمحدثات إلى حسن وقبيح، أخذا من قول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه، واستدلالا بما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال مما استحسن ولم يستكره أخذا من الأدلة الدالة عليه من الإجماع والقياس - الذهاب إلى ذلك مدفوع بإطلاق نص رسول الله صلى الله عليه وسلم «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1)» فلا يحل لأحد أن يقيد إطلاق دلالة هذا النص، والمنازع في ذلك مراغم، على أنه يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع، فيبقى العموم محفوظا لا خصوص فيه. أو يقال: ما ثبت حسنه: مخصوص من هذا العموم. فيبقى فيما عداه على عمومه. والمخصص إنما هو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع نصا واستنباطا، لا عادات بعض البلاد ولا الأقوال ولا الآراء مهما كثر أصحابها، فإن شيئا من ذلك لا ينهض أبدا، ولا يصلح معارضا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فتخصيص يوم من الأيام وتمييزه على غيره بشيء من الطاعات أمر توقيفي إنما يصار في معرفته إلى الشريعة المطهرة، ولم تخصص الشريعة يوما من الأيام باتخاذه عيدا للإسلام، سوى يومي العيدين، عيد الفطر وعيد النحر وما يتبعه من أيام التشريق
(1) صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).
الثلاثة، وسوى العيد النسبي وهو يوم الجمعة، فإنه عيد الأسبوع فليس للمسلمين أن يتخذوا عيدا سواها.
على أن الوقائع المتعددة وأبرزها (الهجرة) و (الفتح) لم تتخذ أعيادا، فاتخاذ الذكريات والموالد أعيادا حدث في الإسلام منكر مستكره لم يشرعه الله وليس من دين الحق في شيء، ولو كانت إقامتها خيرا محضا أو راجحا لسارع إليها السلف الصالح فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير أخذا به وسبقا إليه.
ولو كانت إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم من أعلام حبه أو تعظيمه لأقاموها، فإنهم كانوا أعلم الناس بما يصلح له صلى الله عليه وسلم، ومن أشدهم تعظيما له وحبا فيه، ولو كانت خيرا لسبقونا إليها، لكنه لم يؤثر شيء من ذلك أصلا عن أحد من خلفائه أو صحابته أو أئمة آله المرضيين المهديين، وإنما الذي أثر عنهم هو ما عرفوه من الحق من محبته وتعظيمه وهو متابعته وطاعته وإحياء سنته ونشر ما بعث به، وهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
(ص- ف-178 في 11 - 4 - 1375 هـ)