الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ز- قوة حجته وحسن جداله بالحق مع المخالفين للعقيدة الصحيحة.
الفصل الثالث: سبل حماية المجتمع من الانحراف الفكري في العصر الحاضر
تمهيد في الأسس المنهجية للوقاية:
قبل البدء في الحديث عن الأساليب الوقائية والعلاجية لا بد من بيان الأسس المنهجية التي لا بد من التزامها لمواجهة الانحراف الفكري والتصدي له حتى تكون هذه المواجهة مفيدة ومؤثرة بإذن الله، والأسس المقصودة هي:
أولا: التزام الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة: هو الأساس العاصم من الانحراف الفكري في الأمة على المستوى الفردي والجماعي، وذلك بدلالة الكتاب والسنة، وإجماع السلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان على ذلك، قال تعالى:{الم} (1){ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (2) وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (3) أما دلالة السنة على هذه الحقيقة فواضحة من خلال الأحاديث الكثيرة الحاضة على التزام الوحيين والاستمساك بهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا
(1) سورة البقرة الآية 1
(2)
سورة البقرة الآية 2
(3)
سورة الإسراء الآية 9
عليها بالنواجذ (1)» وأقوال الصحابة رضي الله عنهم كثيرة في هذا منها القول المأثور عن الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود قالا: إنما هما اثنتان الكتاب والهدي فخير الكتب كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم (2).
ولو قدر اتفاق المنتسبين للعلم الشرعي والدعوة والإرشاد في كافة البلاد الإسلامية على التزام هذا الأساس، التزاما صادقا نابعا من اقتناع جازم، لقل الانحراف الفكري خصوصا شيئا فشيئا إلى أن يذهب بالكلية، غير أن هذا غير متصور واقعا في الأمة كلها، لأنه مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من سلوك أمته مسلك الأمم السابقة في الافتراق عن المنهج الصحيح بقوله:«وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه (3)» ، ولكن من الممكن حصوله في بلد دون آخر وفي طائفة من الأمة لا في جميعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي على الحق (4)» الحديث.
ولذلك فإنه لا سلامة من الانحراف عن الطريق المستقيم إلا
(1) رواه الترمذي في كتاب السنة باب في لزوم السنة رقم الحديث 2991.
(2)
الشاطبي، الاعتصام 1/ 69.
(3)
رواه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في فراق هذه الأمة، رقم الحديث 2564، وقال حديث حسن، ورواه أصحاب السنن.
(4)
متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، قول النبي: لا تزال. . رقم الحديث 6767، ومسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة. . برقم: 1920.
باتباع هذا المسلك العظيم، ولا يمكن أن تكون طائفة على الحق ما لم تلزم هذا الأصل علما وعملا فهما وسلوكا.
ثانيا: العناية بالعلم الشرعي فهو من أهم طرق الوقاية من الانحراف الفكري، وضعف العلم وذهاب العلماء من أعظم أسباب الانحراف، كما دلت على ذلك السنة المطهرة بقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا (1)» .
فهذا الحديث يؤكد أهمية وجود العلماء كضمانة للاستقامة على الحق، وأن فقدهم سبب عظيم من أسباب انحراف الناس وضلالهم، ولا ريب أن هذا يؤكد ضرورة العناية بالعلم الشرعي واستمرار وجود العلماء في الأمة، واستمرار وجود من يأخذ عنهم ويتتلمذ عليهم، ليكون خليفة لهم، وقد كان هذا بحمد الله مستمرا في الأمة الإسلامية طوال قرون، وإن ضعف الالتزام به في بعض الأزمنة والأمكنة وفي بعض الأحوال.
وقد نبه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى أهمية العلم وكونه مضادا لمظاهر الانحراف وعاملا من عوامل
(1) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم الحديث 98، ومسلم في كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل رقم 2673.