الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يحل لمسلم يسمع في حق الله ما لا يليق بكماله وعظمته وجلاله، أو يسمع من يلحد في آياته ويخوض في معاني كتابه العزيز بباطل تأويلاته، ويحرفه عن مواضعه أو يخرجه في الأحكام عن مواقعه، كتحليل حرامه أو تحريم حلاله، أو تغيير كلامه، أو مناقضة شيء من أحكامه، أو يسمع من يتنقص رسله الكرام، أو يرد قولا من أقوال نبيه عليه الصلاة والسلام أو يغض من قدره بصريح لفظ معلوم، أو بتلويح مشعر بذلك لأرباب الفهوم ثم يسكت إن أمكنه الكلام، بل من واجبه الرد والإنكار أو الإعراض والبعد، وكان هذا هو منهج أئمة السلف وتابعيهم بإحسان، فقد كانوا قدوة في هجر مجالس الخوض في آيات الله والنهي عن الجلوس فيها لما يعلمون من أثرها السيئ على الاعتقاد.
وبهذا يتضح نهي الكتاب والسنة عن الخوض في آيات الله وبيان خطره.
المطلب الخامس: اتباع المتشابه
ومن الأمور المفسدة للاعتقاد التي حذر الله عز وجل منها في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم اتباع المتشابه وترك المحكم، إذ بين سبحانه أن المنحرفين الذين في قلوبهم زيغ هم الذين يتبعون المتشابه وأنهم بهذا المسلك يبتغون الفتنة، فقال تعالى:
وقد اختلفت عبارات أهل العلم في المراد بالمتشابه الذي ذم الله اتباعه، إلا أن الطبري رجح أن الصواب " قول من قال: معناه إرادة الشبهات واللبس، فمعنى الكلام إذا: فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وحيف عنه، فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه، واحتمل صرفه في وجوه التأويلات، باحتماله المعاني المختلفة إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه " (2)، وهذه الآية معني بها كل مبتدع في دين الله بدعه، فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن، ثم حاج به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آية المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنا من كان، وأي أصناف البدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سبئيا، أو حروريا، أو قدريا، أو جهميا (3)،
(1) سورة آل عمران الآية 7
(2)
جامع البيان 3/ 181.
(3)
المصدر نفسه (3/ 181).
كالذي قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم (1)» .
وأورد رحمه الله أقوالا أخرى في المراد بالمتشابه، أذكر منها قولا واحدا يتضح به المقصود:
وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد، والمتشابه منها: ما احتمل من التأويل أوجها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثنى محمد بن جعفر بن الزبير: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} (2)، فيهن حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه. وأخر متشابهة في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق (3).
وقد أوضح علماء السلف عموم مجال اتباع المتشابه وأنه لا يقتصر على آيات الصفات كما قد يتوهمه من لا يعلم حقيقته،
(1) رواه البخاري، الجامع الصحيح كتاب التفسير، باب منه آيات محكمات 5/ 166.
(2)
سورة آل عمران الآية 7
(3)
جامع البيان 3/ 174.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " قد ثبت أن اتباع المتشابه ليس في خصوص الصفات بل في صحيح البخاري: فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم وهذا عام، وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا، فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن، حتى رآه عمر فسأل عمر عن الذاريات ذروا، فقال ما اسمك قال عبد الله صبيغ، فقال: وأنا عبد الله عمر، وضربه الضرب الشديد، وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول: ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ.
وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه (1)» . وكما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} (2)، فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد.
ومثله الذي يعارض بين آيات القرآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال:«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض (3)» فإن ذلك يوقع الشك في قلوبهم ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله، فكان مقصدهم مذموما ومطلبهم متعذرا، مثل أغلوطات المسائل التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها (4).
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4547)، صحيح مسلم العلم (2665)، سنن الترمذي تفسير القرآن (2994)، سنن أبي داود السنة (4598)، سنن ابن ماجه المقدمة (47)، مسند أحمد (6/ 256)، سنن الدارمي المقدمة (145).
(2)
سورة آل عمران الآية 7
(3)
سنن ابن ماجه المقدمة (85)، مسند أحمد (2/ 196).
(4)
مجموع الفتاوى 13/ 311.