المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تمهيد: عن العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة لأهل الضلال - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌الذبح ليلة الإسراء والمعراج معصية

- ‌إذا قامت البينة في أثناء النهار فمتى يصلون العيد

- ‌تناول طعام العيد في الأسواق

- ‌تجول أهل القرى بعضها على بعض وتقديم بعض أنواع الطعام

- ‌مصلى العيد

- ‌افتتاح خطبتهما بالحمد لله

- ‌التكبير في مصلى العيد أفضل

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الكسوف يدرك بالحساب

- ‌الزلزلة، والبراكين

- ‌ البراكين كأنها مواد نارية

- ‌الراجح في صلاتها

- ‌تغليط إمام اكتفى بالفجر عن الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم حضور مجلس العزاء والجلوس فيه

- ‌لا بأس باستقبال المعزين

- ‌حكم جمع أهل الميت في صف واحد حتى تتم تعزيتهم

- ‌حكم تقبيل ومعانقة المعزى

- ‌التعزية في أهل المعاصي

- ‌حكم السفر للتعزية

- ‌ليس للعزاء أيام محدودة

- ‌الكلمات المناسبة للتعزية

- ‌حكم إقامة مراسم العزاء

- ‌حكم جلوس أهل الميت ثلاثة أيام للتعزية

- ‌الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة

- ‌حكم إقامة وليمة يجتمع فيها المعزون

- ‌صنع الطعام لأهل الميت

- ‌أهل الميت لا يصنعون للناس طعاما

- ‌حكم دعوة أهل الميت من يأكل معهم ما بعث لهم

- ‌حكم بعث الذبائح لأهل الميت والدعوة إليها

- ‌حكم دفع النقود لأهل الميت

- ‌حكم إقامة الولائم من تركة الميت

- ‌عادات الاحتفال بعد موت أحد من الناس

- ‌حكم البذخ والإسراف في العزاء

- ‌الأربعينات والسنوات لا أصل لها في الشرع

- ‌من بدع العزاء

- ‌حكم النعي في الجرائد

- ‌ حكم قولهم في التعزية: " انتقل إلى مثواه الأخير

- ‌ حكم لبس اللون الأحمر بالنسبة للنساء

- ‌ الأحق بإمامة المصلين

- ‌ حكم البيع بالتقسيط

- ‌ حكم القرض من المصرف للقيام بمشروع تجاري

- ‌ حكم الاستماع إلى ما يسمى بالأبراج

- ‌ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة قبل دخول وقتها

- ‌ الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس

- ‌ إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة

- ‌ الترتيب بين الصلوات

- ‌ نسي فرض الظهر والعصر وأتى وقت المغرب فما الحكم

- ‌ ستر العورة واجب

- ‌ هل الفخذ عورة

- ‌ستر العورة

- ‌ عورة الرجل في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة بالسراويل

- ‌ ستر رأس الرجل في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة بدون غطاء للرأس

- ‌ حكم تغطية الرأس بالنسبة للرجال

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الوقف

- ‌المبحث الثاني: أهمية الوقف وأدلة مشروعيته

- ‌المبحث الثالث: أركان الوقف وشروطه

- ‌المبحث الرابع: أنواع الوقف

- ‌المبحث الخامس: الطرق والأساليب الداعمة للوقف

- ‌المبحث السادس: حاجة البشرية إلى نور القرآن وهدايته

- ‌المبحث السابع: مشروعية الوقف في خدمة القرآن

- ‌المبحث الثامن: مقاصد الواقفين على القرآن

- ‌المطلب الثاني: الوقف على القراء

- ‌المطلب الثالث: الوقف على تعليم القرآن وتحفيظه

- ‌الخاتمة:

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها في علاج الغلو

- ‌توطئة:

- ‌الخاتمة:

- ‌تطبيق الشريعة الإسلامية ومعوقاتها

- ‌حماية المجتمع المسلممن الانحراف الفكري

- ‌المقدمة:

- ‌الفصل الأول: منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في حماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري

- ‌المبحث الأول: تثبيت العقيدة الصحيحة في النفوس بالدلائل والبراهين

- ‌المبحث الثاني: دفع الشبهات

- ‌المبحث الثالث: بيان فساد العقائد الباطلة وأسباب ذلك

- ‌المبحث الرابع: بيان الأمور المفسدة للاعتقاد والنهي عنها

- ‌المطلب الأول: القول على الله بغير علم:

- ‌المطلب الثاني: الغلو

- ‌المطلب الرابع: الخوض في آيات الله

- ‌المطلب الخامس: اتباع المتشابه

- ‌المطلب السادس: الاطلاع على كتب أهل الضلال ثقة بما فيها أو ثقة بأهلها:

- ‌المطلب السابع: الشكوك والشبه

- ‌المطلب الثامن: مجالسة أهل الأهواء والبدع

- ‌المطلب التاسع: الإنكار والتكذيب

- ‌المطلب العاشر: الاستكبار

- ‌المبحث الخامس: العقوبات الرادعة في الدنيا والآخرة

- ‌تمهيد: عن العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة لأهل الضلال

- ‌الفصل الثاني: التطبيقات العملية للوقاية من الانحراف الفكري في تاريخ المسلمين

- ‌المبحث الأول: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: في عهد الخلافة الراشدة

- ‌المبحث الثالث: نماذج من التطبيقات العملية من قبل الأئمة المجددين من السلف

- ‌الفصل الثالث: سبل حماية المجتمع من الانحراف الفكري في العصر الحاضر

- ‌تمهيد في الأسس المنهجية للوقاية:

- ‌المبحث الأول: الأساليب العملية لعلاج الانحراف الفكري

- ‌المطلب الأول: الحكم بما أنزل الله في جميع جوانب الحياة:

- ‌المطلب الثاني: بناء المساجد وإقامة شعائر الله

- ‌المطلب الثالث: إزالة مشاهد الشرك والبدع

- ‌المطلب الرابع: منع الاحتفالات المبتدعة

- ‌المطلب الخامس: حماية المجتمع من المؤثرات الداخلية والخارجية

- ‌المطلب السادس: القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المبحث الثاني: الأساليب الوقائية للوقاية من الانحراف

- ‌المطلب الأول: العناية بتأصيل ونشر العقيدة الصحيحة في مختلف مجالات التوجيه

- ‌المطلب الثاني: منع المبطلين من نشر مذاهبهم الضالة وعقائدهم المنحرفة والتحذير منها والرد على أصحابها:

- ‌المطلب الثالث: بيان وكشف العقائد والمذاهب الباطلة والأساليب المسببة للانحراف الفكري والتصدي لها:

- ‌المطلب الرابع: التصدي لوسائل التأثير الفكري النظرية والعملية:

- ‌الخاتمة:

- ‌عمل المرأة والاختلاطوأثره في انتشار الطلاق

- ‌نظرة الإسلام إلى المرأة:

- ‌الأسرة ضرورة فطرية نفسية واجتماعية:

- ‌الواقعية والمثالية في نظام الأسرة:

- ‌خطوات في رأب الصدع:

- ‌الطلاق صمام أمان للأسرة:

- ‌كلمة في هذه المعاني للدهلوي:

- ‌كلمة أخرى لفيلسوف قانوني:

- ‌الطلاق ظاهرة اجتماعه قديمة:

- ‌ازدياد نسبة الطلاق:

- ‌العوامل المؤثرة في انتشار الطلاق:

- ‌ظاهرة متميزة بين الظواهر الاجتماعية:

- ‌قبل الدراسة:

- ‌قضايا منهجية:

- ‌المقصود بعنوان الدراسة، وموضوعها:

- ‌ عمل المرأة قسمان:

- ‌أثر هذا العمل في الطلاق:

- ‌الدراسات الميدانية حول الموضوع:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌تمهيد: عن العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة لأهل الضلال

‌المبحث الخامس: العقوبات الرادعة في الدنيا والآخرة

‌تمهيد: عن العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة لأهل الضلال

من منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة في وقاية المجتمع من الانحراف الفكري بيان العقوبات الإلهية لأهل الضلال في الدنيا والآخرة، حيث بين الله عز وجل للناس مؤمنهم وكافرهم عقوباته لمن انحرف عن الحق وآثر الضلال على الهدى، واتبع الباطل وأعرض عن الحق، حيث ذكرهم بأنواع العقوبات التي حاقت بالأمم التي تنكبت طريق الحق، وانحرفت نحو الباطل، وكانت تلك العقوبات أليمة شديدة كما وصفها سبحانه بذلك قي قوله:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (1).

إن عقوبات الله عز وجل لأهل الضلال كثيرة متنوعة في الدنيا والآخرة، ولقد قص الله علينا في كتابه الكريم ما عاقب به أهل الضلال والانحراف عن الحق من العقوبات العظيمة في الدنيا، ومن ذلك إغراقه لقوم نوح بسبب ضلالهم وتكذيبهم لنبيهم، قال تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} (2)، وأرسل على عاد ريحا صرصرا عاتية بسبب ضلالهم قال تعالى:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (3).

(1) سورة هود الآية 102

(2)

سورة الفرقان الآية 37

(3)

سورة الحاقة الآية 6

ص: 283

وإنما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك لخلقه ليتعظوا ويأخذوا العبرة من تلك العقوبات فيجتنبوا أسبابها، ومن أهم أسبابها الإصرار على المعتقدات الخاطئة المنحرفة، وذلك أن تلك الأمم التي أهلكها، جمعت في معتقداتها الباطلة صنوفا من الانحراف، فمن ذلك الإشراك بالله، وإنكار الرسالات الإلهية، والتكذيب بالبعث، ودعوى الربوبية في المخلوقات، كما أن بعض الأمم التي آمنت برسالات بعض الأنبياء قد وقعت في بعض صور الانحراف الفكري فعوقبت أيضا، كما حصل من بني إسرائيل حين اتخذوا العجل إلها، وطلبوا رؤية الرب تعالى في الدنيا جهرة، وطلبهم من موسى أن يجعل لهم إلها غير الله، ووصف الله عز وجل بما لا يليق كقولهم إن الله فقير، وقولهم يد الله مغلولة، فسلط الله تعالى عليهم من أزال ملكهم وشردهم من أوطانهم وسبى ذراريهم، كما هي عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي وتعوضوا عنه بكلام الملاحدة والمشركين.

وحصل أيضا عند المنتسبين للإسلام بعض صور الانحراف الفكري، من جنس التعلق بكلام الفلاسفة في الإلهيات، وظهور التعلق بالقبور من دون الله في كشف الخطوب وشفاء الأمراض وغير ذلك، فعوقبوا بتسلط الأعداء وقهرهم، وفي هذا يقول ابن القيم: كما سلط النصارى على بلاد المغرب لما ظهرت فيها الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها، فاستولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم رعية لهم،

ص: 284

وكذلك في أواخر المائة الثالثة وأول الرابعة لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلحاد سلط عليهم القرامطة الباطنية فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات، واستولوا على الحاج واستعرضوهم قتلا وأسرا، واشتدت شوكتهم، واتهم بموافقتهم في الباطن كثير من الأعيان من الوزراء والكتاب والأدباء وغيرهم، واستولى أهل دعوتهم على بلاد المغرب، واستقرت دار مملكتهم بمصر، وبنيت في أيامهم القاهرة، واستولوا على الشام والحجاز واليمن والمغرب وخطب لهم على منبر بغداد (1).

والخلاصة أن العقوبات الإلهية لأهل الضلال منها عقوبات كونية كما تبين ومنها عقوبات شرعية دنيوية وعقوبات أخروية، ومن هذه العقوبات ما سيتم بيانه في المطالب التالية:

العقوبات الدنيوية:

(1) ابن القيم، إغاثة اللهفان 2/ 269.

ص: 285

لمطلب الأول: عقوبة الردة

من أعظم مظاهر الانحراف الفكري الردة عن دين الإسلام أعاذنا الله من ذلك، ولذلك حذر الله سبحانه وتعالى منها وبين عظيم عقوباته للمرتدين والتي منها:

حبوط العمل في الدنيا والآخرة، والخلود في النار - أعاذنا الله منها - قال تعالى:

ص: 285

{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).

وقد تنازع العلماء في التائب من الكفر إذا ارتد بعد إسلامه ثم تاب بعد الردة وأسلم هل يعود عمله الأول على قولين مبناهما أن الردة هل تحبط العمل مطلقا أو تحبطه بشرط الموت عليها فمذهب أبي حنيفة ومالك أنها تحبطه مطلقا ومذهب الشافعي أنها تحبطه بشرط الموت عليها (2).

ومنها اسوداد الوجوه واستحقاق العذاب يوم القيامة قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (3).

ومنها حرمان المغفرة وعدم الهداية للطريق المستقيم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} (4)

ومنها ضرب الملائكة لهم على الوجوه والأدبار حال الموت، قال تعالى:

(1) سورة البقرة الآية 217

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11/ 700.

(3)

سورة آل عمران الآية 106

(4)

سورة النساء الآية 137

ص: 286

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (1){ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} (2){فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} (3).

هذا بعض ما يتصل من صور العقوبة الأخروية، نسأل الله الثبات على الحق وأن لا يزيغ قلوبنا.

عقوبة المرتد في الدنيا: أما العقوبة الدنيوية التي شرعها الله في حق المرتد فهي القتل حدا كما أجمع على ذلك أهل العلم استنادا إلى السنة الصريحة الدالة على ذلك، وإلى فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، قال ابن قدامة: " أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد (4)، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إجماعا في حق الرجل المرتد، وأما المرأة ففيها خلاف فقد قيل إنه لا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتل، روي ذلك عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال الحسن والزهري والنخعي ومكحول وحماد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق.

(1) سورة محمد الآية 25

(2)

سورة محمد الآية 26

(3)

سورة محمد الآية 27

(4)

ينظر: المغني ج 9 ص 16، بدائع الصنائع ج 7 ص 134، الأم ج 1 ص 257.

ص: 287

وروي عن علي والحسن وقتادة أنها تسترق ولا تقتل، لأن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة وذراريهم وأعطى عليا منهم امرأة فولدت له محمد بن الحنفية وكان هذا بمحضر من الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا.

وقال أبو حنيفة: تجبر على الإسلام بالحبس والضرب، ولا تقتل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، ولأنها لا تقتل بالكفر الأصلي فلا تقتل بالطارئ كالصبي.

وقد استدل القائلون بقتل المرتدة بقوله عليه السلام: «من بدل دينه فاقتلوه (1)» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة (2)» ولأنها شخص مكلف بدل دين الحق بالباطل فيقتل كالرجل، وأما نهي النبي عن قتل المرأة فالمراد به الأصلية، فإنه قال ذلك حين رأى امرأة مقتولة وكانت كافرة أصلية، ولذلك نهى الذين بعثهم إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء، ولم يكن فيهم مرتد، ويخالف الكفر الأصلي الطارئ بدليل أن الرجل يقر عليه، ولا يقتل أهل الصوامع والشيوخ والمكافيف،

(1) رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب استتابة المرتد والمرتدة، رقم الحديث 6411.

(2)

رواه البخاري في كتاب الديات باب قول الله تعالى أن النفس بالنفس رقم الحديث 6270.

ص: 288

ولا تجبر المرأة على تركه بضرب ولا حبس، والكفر الطارئ بخلافه والصبي غير مكلف بخلاف المرأة، وأما بنو حنيفة فلم يثبت أن من استرق منهم تقدم له إسلام، ولم يكن بنو حنيفة أسلموا كلهم وإنما أسلم بعضهم، والظاهر أن الذين أسلموا كانوا رجالا، فمنهم من ثبت على إسلامه منهم ثمامة بن أثال، ومنهم من ارتد مثل الدجال الحنفي.

ص: 289

2 -

عقوبة الساحر:

تعريف السحر: السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه. ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى وليس الأصل على ما يرى، والسحر: الأخذة وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر ورجل ساحر من قوم سحرة (1).

وهو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر، أو يحبب بين اثنين (2).

والسحر من أشد صور الانحراف الفكري التي قرر لها الشارع الحكيم عقوبة رادعة في الدنيا ووعيدا شديدا في الآخرة، نظرا لخطره

(1) لسان العرب 4/ 348.

(2)

ابن قدامة، المغني 9/ 34.

ص: 289

وشدة ضرره وكثرة أنواعه وتلبيس أهله على الناس الحق بالباطل وخفاء أمره على الناس حتى اعتقد كثير من الناس أن من صدرت عنه هذه الأمور فهو ممن لهم التصرف التام المطلق في الكون، وعبد بعضهم السحرة من دون الله.

ومن هذه العقوبات في الدنيا الحكم بقتل الساحر حدا كما جاءت بذلك الأحاديث والآثار.

فعن جندب مرفوعا: «حد الساحر ضربه بالسيف (1)» وفي رواية: «ضربة بالسيف (2)» روي بالهاء وبالتاء وكلاهما صحيح، وبهذا الحديث أخذ أحمد ومالك وأبو حنيفة فقالوا يقتل الساحر، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز.

(1) سنن الترمذي الحدود (1460).

(2)

سنن الترمذي الحدود (1460).

ص: 290

ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر، وبه قال ابن المنذر وهو رواية عن أحمد والأول أولى (1)، للحديث ولأثر عمر الذي رواه بجالة بن عبدة قال: " كنت كاتبا لجزء من معاوية فأتانا كتاب عمر رضي الله تعالى عنه قبل موته بسنة اقتلوا كل ساحر وساحرة

الخ "، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير فكان إجماعا، وهو من حجج الجمهور القائلين بأنه يقتل.

(1) ابن قدامة، المغني 12/ 302.

ص: 291

3 -

عقوبة الذهاب إلى الكهان:

والكهانة بفتح الكاف ويجوز كسرها: ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيه استراق الجن السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أذن الكاهن، والكاهن: لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحصى، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه، والكاهن: القاضي بالغيب، والكهنة: قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه.

ص: 291

وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم، وهي على أصناف منها: ما يتلقونه من الجن فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه، إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (1) وكانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما، وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد (2)

وقد جاء تحريم عمل الكهان وتحريم الذهاب إليهم في السنة المطهرة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد (3)» .

وروى مسلم بإسناده عن صفية عن بعض أزواج النبي عن

(1) سورة الصافات الآية 10

(2)

فتح الباري 10/ 227.

(3)

رواه النسائي 5/ 323 وقال المنذري في الترغيب والترهيب إسناده حسن.

ص: 292

(1) صحيح مسلم 4/ 1751.

ص: 293

4 -

عقوبة الخوض في المتشابه: سبق الحديث عن الخوض في المتشابه باعتباره من أسباب الانحراف الفكري التي ورد النهي عنها في الكتاب والسنة بالتفصيل، ولذا أقتصر هنا على الحديث عن العقوبة، وأقوى الأدلة في عقوبة الخوض في المتشابه فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل " فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر فسأل عمر عن الذاريات ذروا فقال: ما اسمك قال: عبد الله صبيغ فقال: وأنا عبد الله عمر وضربه الضرب الشديد " وكانت هذه العقوبة مثار إعجاب الصحابة رضي الله عنهم " فكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول: ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ.

وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم (1)» . وكما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} (2)

(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4547)، صحيح مسلم العلم (2665)، سنن الترمذي تفسير القرآن (2994)، سنن أبي داود السنة (4598)، مسند أحمد (6/ 256)، سنن الدارمي المقدمة (145).

(2)

سورة آل عمران الآية 7

ص: 293

ومثله الذي يعارض بين آيات القرآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال:«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض (1)» فإن ذلك يوقع الشك في قلوبهم، أو مع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله فكان مقصدهم مذموما ومطلبهم متعذرا مثل أغلوطات المسائل التي نهى رسول الله عنها (2)

وقد يثير بعض الناس هنا موضوع الحرية الفكرية، وحرية إبداء الرأي فنقول: إن هذا متاح فيما للإنسان فيه مصلحة ومعرفة تامة، كالقضايا التي تهمه في معاشه، وما كان ممكنا له فهمه وعلمه كالمسائل الفقهية ونحوها، أما المسائل التي من متشابه القرآن والتي لا يفهمها إلا الراسخون في العلم على قول، فليس لكل أحد أن يخوض فيها بحجة حرية الفكر.

(1) سنن ابن ماجه المقدمة (85)، مسند أحمد (2/ 196).

(2)

مجموع الفتاوى 13/ 311.

ص: 294

التعزير لدعاة الانحراف:

التعزير في اصطلاح الفقهاء: تأديب دون الحد على معصية لا حد فيها ولا كفارة من العزر وهو الزجر والمنع (1)

ويعد التعزير من أوسع أبواب السياسة الشرعية لولي الأمر المسلم لتحقيق مصالح المسلمين، ومن صوره، تقرير بعض العقوبات على المخالفات والجنح التي لا نص في العقوبة عليها في الدنيا، مثل.

(1) ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف، محمد المناوي 2/ 186، التعريفات، الجرجاني 85.

ص: 294

عقوبة المبتدع، والداعي إلى الضلال.

فالمتأمل فيما ذكره الفقهاء في باب التعزير يجد مجالا واسعا لولي الأمر لمعاقبة دعاة الضلال والانحراف، ومن تلك العقوبات المنع من التواصل الإعلامي بالكتابة والحديث بأي وسيلة. وقد يرى البعض أن هذا مما يتنافى مع حرية الرأي، والتعددية الفكرية، ويرون في هذا إرهابا فكريا وغير ذلك من وجوه الذم. وفي الجواب عن هذا يقال: إن هؤلاء المنادين بحرية الرأي سرعان ما يكذبون أنفسهم إذا تعلق الأمر بغيرهم ممن يخالفهم الرأي، فهم في وسائلهم لا ينشرون إلا لمن يوافقهم. ويسكتون على كل قضية تتصل بوأد الحريات إذا كان ذلك يمس الدين ودعاته. بل ربما نادى بعضهم بمنع مخالفيهم من كل وسيلة نشر.

ومن صور التعزير في هذا المجال أيضا: رد الشهادة أو عدم قبول الرواية، فمن العقوبات التي قررها أهل العلم تجاه أصحاب الفكر المنحرف والاعتقاد البدعي أن المبتدع لا تقبل شهادته تأديبا وعقوبة له، غير أن أهل العلم لم يعمموا الحكم، وإنما نظروا بعين البصيرة والعدل للأشخاص ودرجة انحرافهم وأسباب ذلك، ومدى قدرتهم على معرفة الحق " فمن كفر بمذهبه كمن ينكر حدوث العالم وحشر الأجساد وعلم الرب تعالى بجميع الكائنات وأنه فاعل بمشيئته وإرادته فلا تقبل شهادته لأنه على غير الإسلام.

ص: 295

وأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام:

أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق، لا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين كما قال تعالى:{مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (1){فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (2)

القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، وحكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته.

القسم الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويتركه تقليدا وتعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه مع القدرة على ذلك ولم تقبل له

(1) سورة النساء الآية 98

(2)

سورة النساء الآية 99

ص: 296

شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم وكون القضاة والمفتين والشهود منهم ففي رد شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فساد كثير ولا يمكن ذلك فتقبل للضرورة.

وقد نص مالك رحمه الله على أن شهادة أهل البدع كالقدرية والرافضة ونحوهم لا تقبل وإن صلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا.

وإنما منع الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي المعلن ببدعته وشهادته والصلاة خلفه، هجرا له وزجرا، لينكف ضرر بدعته عن المسلمين، ففي قبول شهادته وروايته والصلاة خلفه واستقضائه، وتنفيذ أحكامه رضى ببدعته وإقرار له عليها.

وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد كان ابن أبي ليلى يجيز شهادة كل صاحب بدعة إذا كان فيهم عدلا لا يستحل شهادة الزور، قال أحمد ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية والمعلنة.

وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول من أخاف عليه الكفر مثل الروافض والجهمية لا تقبل شهادتهم ولا كرامة لهم (1)

الأمر بقتال الخوارج: ومن العقوبات الدنيوية لأهل الانحراف الفكري المتمثل في الخوارج الأمر بقتالهم، إذ جاء في السنة الحث على قتالهم من قبل الأئمة، قال صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي اعترض على قسمة الغنائم: «إن من هذا أو في عقب هذا

(1) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص 173، 174.

ص: 297