الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د- دور الإعلام فله أثر مهم في هذا المجال فقد يكون الآباء والمعلمون في غفلة عن المخاطر، ودور الإعلام هنا الحديث عنها لبيان الطريقة المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة، والعمل الذي يجب أن يقوم به كل مسئول حسب قدرته، وقد يكون للحديث عن الأثر السلبي الذي يعود على النشء من جراء هذه الألعاب هو الطريق الأمثل لإقناع الآباء والمعلمين بخطورة الوضع، وأهمية التصدي لهذه الظاهرة.
المطلب الثاني: منع المبطلين من نشر مذاهبهم الضالة وعقائدهم المنحرفة والتحذير منها والرد على أصحابها:
لا ريب أن من عوامل سلامة المجتمع المسلم من الانحراف الفكري، سلامته من دعاة الضلال والانحراف، ذلك أن وجودهم وكثرتهم وإتاحة الفرصة لهم لنشر ضلالاتهم وانحرافاتهم مؤذن بالخطر، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم ووصفهم بأنهم دعاة على أبواب جهنم. فمنعهم من نشر مذاهبهم المنحرفة وآرائهم المشككة، وشبهاتهم المضللة من أعظم العون على الثبات على الحق.
وإن كان هذا يكاد يكون شبه معدوم في هذا الوقت الذي تكالبت مضلات الفتن على المجتمعات المسلمة من داخلها وخارجها عبر القنوات الفضائية المتعددة والمتنوعة. وهو ما تعتذر به الجهات المسئولة في البلدان المحافظة وتنفي به إمكان المنع أو السيطرة. غير أننا نلاحظ أنه حينما يكون الأمر متعلقا بمؤثر سياسي فإن أمر المنع والحجب يتيسر بكل سهولة؟!
ولعل من طرق نشر البدع والضلالات في هذا الوقت عبر القنوات الفضائية، البرامج الحوارية التي تستهدف جذب المشاهدين وإثارتهم عن طريق " المناظرة في قضية ما بين اتجاهين متعاكسين في المبدأ والفكر والرأي، حيث يؤتى بسني وبدعي، وإسلامي وعلماني، فتلقى الشبه على الناس على شكل حوار يخيل للمشاهد أنه مثمر هادف يثري المشاهد بالمعلومات والمعارف، فيشككون في العقيدة والشريعة بطريقة عجيبة ملتوية، فيها إثارة واستمتاع للمشاهد.
وليست الخطورة في هذا الأمر، فإن الذرة لا تجر الصخرة، والحق لا يخشى الباطل بل يدمغه فإذا هو زاهق، ولكن البلية والرزية تكمن في أمور وراء ذلك، من أدركها وعلم غورها أدرك خطورتها. فمن ذلك: أن الشخصية الإسلامية المختارة قد تكون ليست مؤهلة شرعيا لهذه المناظرة فينقصها العلم بالشريعة أصولا وفروعا، وينقصها العلم بحال المناظر ومعرفة زيف معتقده وضلال منهجه، وقد تفتقر هذه الشخصية إلى الفصاحة والبيان والحجة الدامغة (1)، وقد كان السلف ينهون عن المناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل (2)، ويشتد الأمر خطورة في أنه قد يواجه شخصية منحرفة متمرسة على إلقاء الشبه، وتجيد فن
(1) مبارك عامر بقنة، اتجاهين متعاكسين، مجلة البيان، عدد 140 ص 128.
(2)
ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، 7/ 173.
المراوغة واللعب بالألفاظ. قال علي بن حرب الموصلي: كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي (1)، فيظهر الحق باطلا، ويقلب الباطل حقا، فيضل الناس ويضل.
ومن أخطار هذا النوع من البرامج: أن فيها ترويجا للبدعة والشبه الشيطانية، فيسمعها الناس فيزينها الشيطان في قلوبهم، وينميها في عقولهم، وقد لا يجدون من يبين لهم فساد هذه الشبه وبطلانها، فتتعلق بأفئدتهم فيتشربونها لجهلهم بدينهم، فيفسد القلب. وقد ذكر الغزالي في خطر مناظرة أهل البدع والكلام بما فيها من: إثارة الشبهات، وتحريك العقائد، وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل في الابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه.
وله ضرر آخر وهو تأكيد اعتقاد المبتدعة للبدعة وتثبيتها في صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم، ويشتد حرصهم على الإصرار عليها. ومن المحال لمن عاش في دهاليز الظلمة والحيرة أن يحصل من كلامه الهدى واليقين، فما عندهم إلا لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى، فأقوالهم تسقم القلب، وتقتل السنن وتزاحمها، فالشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن (2).
(1) المعلمي، التنكيل. كلا في تأنيب الكوثري من الأباطيل 1/ 44.
(2)
الغزالي، إحياء علوم الدين 1/ 136.