المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الغلو - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌الذبح ليلة الإسراء والمعراج معصية

- ‌إذا قامت البينة في أثناء النهار فمتى يصلون العيد

- ‌تناول طعام العيد في الأسواق

- ‌تجول أهل القرى بعضها على بعض وتقديم بعض أنواع الطعام

- ‌مصلى العيد

- ‌افتتاح خطبتهما بالحمد لله

- ‌التكبير في مصلى العيد أفضل

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الكسوف يدرك بالحساب

- ‌الزلزلة، والبراكين

- ‌ البراكين كأنها مواد نارية

- ‌الراجح في صلاتها

- ‌تغليط إمام اكتفى بالفجر عن الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌حكم حضور مجلس العزاء والجلوس فيه

- ‌لا بأس باستقبال المعزين

- ‌حكم جمع أهل الميت في صف واحد حتى تتم تعزيتهم

- ‌حكم تقبيل ومعانقة المعزى

- ‌التعزية في أهل المعاصي

- ‌حكم السفر للتعزية

- ‌ليس للعزاء أيام محدودة

- ‌الكلمات المناسبة للتعزية

- ‌حكم إقامة مراسم العزاء

- ‌حكم جلوس أهل الميت ثلاثة أيام للتعزية

- ‌الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة

- ‌حكم إقامة وليمة يجتمع فيها المعزون

- ‌صنع الطعام لأهل الميت

- ‌أهل الميت لا يصنعون للناس طعاما

- ‌حكم دعوة أهل الميت من يأكل معهم ما بعث لهم

- ‌حكم بعث الذبائح لأهل الميت والدعوة إليها

- ‌حكم دفع النقود لأهل الميت

- ‌حكم إقامة الولائم من تركة الميت

- ‌عادات الاحتفال بعد موت أحد من الناس

- ‌حكم البذخ والإسراف في العزاء

- ‌الأربعينات والسنوات لا أصل لها في الشرع

- ‌من بدع العزاء

- ‌حكم النعي في الجرائد

- ‌ حكم قولهم في التعزية: " انتقل إلى مثواه الأخير

- ‌ حكم لبس اللون الأحمر بالنسبة للنساء

- ‌ الأحق بإمامة المصلين

- ‌ حكم البيع بالتقسيط

- ‌ حكم القرض من المصرف للقيام بمشروع تجاري

- ‌ حكم الاستماع إلى ما يسمى بالأبراج

- ‌ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ الصلاة قبل دخول وقتها

- ‌ الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس

- ‌ إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة

- ‌ الترتيب بين الصلوات

- ‌ نسي فرض الظهر والعصر وأتى وقت المغرب فما الحكم

- ‌ ستر العورة واجب

- ‌ هل الفخذ عورة

- ‌ستر العورة

- ‌ عورة الرجل في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة بالسراويل

- ‌ ستر رأس الرجل في الصلاة

- ‌ حكم الصلاة بدون غطاء للرأس

- ‌ حكم تغطية الرأس بالنسبة للرجال

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الوقف

- ‌المبحث الثاني: أهمية الوقف وأدلة مشروعيته

- ‌المبحث الثالث: أركان الوقف وشروطه

- ‌المبحث الرابع: أنواع الوقف

- ‌المبحث الخامس: الطرق والأساليب الداعمة للوقف

- ‌المبحث السادس: حاجة البشرية إلى نور القرآن وهدايته

- ‌المبحث السابع: مشروعية الوقف في خدمة القرآن

- ‌المبحث الثامن: مقاصد الواقفين على القرآن

- ‌المطلب الثاني: الوقف على القراء

- ‌المطلب الثالث: الوقف على تعليم القرآن وتحفيظه

- ‌الخاتمة:

- ‌وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها في علاج الغلو

- ‌توطئة:

- ‌الخاتمة:

- ‌تطبيق الشريعة الإسلامية ومعوقاتها

- ‌حماية المجتمع المسلممن الانحراف الفكري

- ‌المقدمة:

- ‌الفصل الأول: منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في حماية المجتمع المسلم من الانحراف الفكري

- ‌المبحث الأول: تثبيت العقيدة الصحيحة في النفوس بالدلائل والبراهين

- ‌المبحث الثاني: دفع الشبهات

- ‌المبحث الثالث: بيان فساد العقائد الباطلة وأسباب ذلك

- ‌المبحث الرابع: بيان الأمور المفسدة للاعتقاد والنهي عنها

- ‌المطلب الأول: القول على الله بغير علم:

- ‌المطلب الثاني: الغلو

- ‌المطلب الرابع: الخوض في آيات الله

- ‌المطلب الخامس: اتباع المتشابه

- ‌المطلب السادس: الاطلاع على كتب أهل الضلال ثقة بما فيها أو ثقة بأهلها:

- ‌المطلب السابع: الشكوك والشبه

- ‌المطلب الثامن: مجالسة أهل الأهواء والبدع

- ‌المطلب التاسع: الإنكار والتكذيب

- ‌المطلب العاشر: الاستكبار

- ‌المبحث الخامس: العقوبات الرادعة في الدنيا والآخرة

- ‌تمهيد: عن العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة لأهل الضلال

- ‌الفصل الثاني: التطبيقات العملية للوقاية من الانحراف الفكري في تاريخ المسلمين

- ‌المبحث الأول: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: في عهد الخلافة الراشدة

- ‌المبحث الثالث: نماذج من التطبيقات العملية من قبل الأئمة المجددين من السلف

- ‌الفصل الثالث: سبل حماية المجتمع من الانحراف الفكري في العصر الحاضر

- ‌تمهيد في الأسس المنهجية للوقاية:

- ‌المبحث الأول: الأساليب العملية لعلاج الانحراف الفكري

- ‌المطلب الأول: الحكم بما أنزل الله في جميع جوانب الحياة:

- ‌المطلب الثاني: بناء المساجد وإقامة شعائر الله

- ‌المطلب الثالث: إزالة مشاهد الشرك والبدع

- ‌المطلب الرابع: منع الاحتفالات المبتدعة

- ‌المطلب الخامس: حماية المجتمع من المؤثرات الداخلية والخارجية

- ‌المطلب السادس: القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المبحث الثاني: الأساليب الوقائية للوقاية من الانحراف

- ‌المطلب الأول: العناية بتأصيل ونشر العقيدة الصحيحة في مختلف مجالات التوجيه

- ‌المطلب الثاني: منع المبطلين من نشر مذاهبهم الضالة وعقائدهم المنحرفة والتحذير منها والرد على أصحابها:

- ‌المطلب الثالث: بيان وكشف العقائد والمذاهب الباطلة والأساليب المسببة للانحراف الفكري والتصدي لها:

- ‌المطلب الرابع: التصدي لوسائل التأثير الفكري النظرية والعملية:

- ‌الخاتمة:

- ‌عمل المرأة والاختلاطوأثره في انتشار الطلاق

- ‌نظرة الإسلام إلى المرأة:

- ‌الأسرة ضرورة فطرية نفسية واجتماعية:

- ‌الواقعية والمثالية في نظام الأسرة:

- ‌خطوات في رأب الصدع:

- ‌الطلاق صمام أمان للأسرة:

- ‌كلمة في هذه المعاني للدهلوي:

- ‌كلمة أخرى لفيلسوف قانوني:

- ‌الطلاق ظاهرة اجتماعه قديمة:

- ‌ازدياد نسبة الطلاق:

- ‌العوامل المؤثرة في انتشار الطلاق:

- ‌ظاهرة متميزة بين الظواهر الاجتماعية:

- ‌قبل الدراسة:

- ‌قضايا منهجية:

- ‌المقصود بعنوان الدراسة، وموضوعها:

- ‌ عمل المرأة قسمان:

- ‌أثر هذا العمل في الطلاق:

- ‌الدراسات الميدانية حول الموضوع:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الثاني: الغلو

ومن صور القول على الله بغير علم التي هي من أسباب الانحراف في الاعتقاد ما أشار إليه ابن القيم بقوله: ويلي ذلك في كبر المفسدة القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، فهذا أشد شيء منافاة ومناقضة لكمال من له الخلق والأمر (1).

وكثير من صور الانحراف الفكري الواقع في هذا الوقت ممن يلوون أعناق النصوص، أو يتأولونها على غير وجهها إنما هو قول على الله بغير علم.

وبهذا يتبين أن القول على الله بغير علم من أسباب الانحراف الفكري التي بينها الله في كتابه وحذر منها، وبه تتضح أهمية اجتناب هذا السبب الخطير والتحذير منه.

(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي 100.

ص: 258

‌المطلب الثاني: الغلو

الغلو مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك.

وعرفه الحافظ ابن حجر رحمه الله بأنه " المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد "(1).

ومن المعلوم أن الغلو المقصود في الشرع له صور متعددة

(1) فتح الباري 13/ 278.

ص: 258

منها: الغلو في الأشخاص بتجاوز الحد في حقهم ورفعهم إلى ما لا يستحقونه من الأوصاف وكذلك الغلو في الأحكام والغلو في الأفعال التي هي مشروعة في الأصل.

ومن صور الغلو ترك المباح أو المشروع تعبدا.

- غير أن الحكم على عمل ما بأنه غلو يجب التثبت فيه، وينظر إلى العمل بدقة لئلا يحكم عليه بأنه غلو مع أنه سليم، ولكن الوسيلة إليه قد تكون من باب الغلو فيقع الخلط من هذا الباب.

- ومن صور الغلو الأخرى:

أ- تفسير النصوص تفسيرا متشددا.

ب- تكلف التعمق في معاني التنزيل.

- أن يكون الغلو متعلقا بالأحكام وذلك بأحد أمور:

أ- إلزام النفس أو الآخرين ما لم يوجبه الله عز وجل تعبدا وترهبا.

ب- تحريم الطيبات التي أباحها الله عز وجل على وجه التعبد.

ج- ترك الضروريات أو بعضها.

- أن يكون الغلو متعلقا بالموقف من الآخرين وذلك بأحد أمرين:

أ- أن يقف الإنسان من البعض موقف المادح الغالي الذي يوصل بشرا ما سواء كان فردا أم جماعة إلى درجة لا يستحقها كادعاء

ص: 259

صفات الألوهية لبعض الصالحين والأولياء الذين ماتوا من القدرة على شفاء المرض أو ادعاء العصمة لشخص وجعله مصدر الحق.

ب- أن يقف الإنسان من بعض الناس أفرادا أو جماعات موقف الذام الغالي فيصم المسلم بالكفر والمروق من الدين أو يصم المجتمع المسلم بأنه مجتمع جاهلي (1).

خطر الغلو:

للغلو مخاطر عدة منها:

1 -

الخروج عن جادة الحق مع ظن الإنسان الغالي بأنه على الحق كما هو الشأن في أولئك الذين يدعون البشر مع الله أو من دون الله ويطلبون منهم ما لا يجوز طلبه إلا من الله كمغفرة الذنوب، ورزق الأولاد، ونحو ذلك.

وكما هو شأن الذين يتخذون الشفعاء الذين لم يأذن بهم الله، وكما هو شأن الذين يكفرون المسلمين بالكبائر ويغلون في العبادة، ويخرجون على جماعة المسلمين.

وهم الخوارج الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (2)» .

(1) د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، ص 83.

(2)

متفق عليه رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب والمؤلفة قلوبهم، رقم الحديث 4299 ورواه مسلم في كتاب الزكاة، رقم الحديث 1762.

ص: 260

2 -

تفريق كلمة المسلمين وإضعاف شوكتهم على عدوهم، فالغلو الذي يترتب عليه قتال لمسلمين وتكفيرهم من أعظم أسباب الفرقة والشتات والنزاع، مما تضعف معه شوكة الأمة.

3 -

إيجاد رد فعل سيئ في واقع الأمة، فإن الغلو قد يحدث بعد التفريط كرد فعل عليه، ومعلوم أن الإرجاء نشأ في الأمة كرد فعل على غلو الخوارج.

4 -

قد يترتب عليه استحقاق العذاب والوعيد الوارد على الغلاة بالنسبة للفرد الغالي.

وقد نهى الله عز وجل أهل الكتاب عن الغلو وتقليد الأمم السابقة فيه لما له من أثر عظيم في الضلال عن الحق والانحراف عن الصراط المستقيم، فقال سبحانه:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (1).

قال ابن كثير رحمه الله (2): ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثر قي النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه.

(1) سورة المائدة الآية 77

(2)

تفسير القرآن العظيم 1/ 590، دار الفكر بيروت 1401 هـ.

ص: 261

كما نهى عنه النبي بقوله: «أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (1)» ، وهذا النهي عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال (2).

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلو فيه خاصة ورفعه فوق منزلته عليه الصلاة والسلام كما فعلت النصارى بعيسى عليه السلام فقد روى البخاري أن رسول الله قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (3)» .

قوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم (4)» الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه قاله أبو السعادات، وقال غيره: لا تطروني بضم التاء وسكون الطاء المهملة من الإطراء: أي لا تمدحوني بالباطل أو لا تجاوزوا الحد في مدحي.

قوله: «إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (5)» أي لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد لله فصفوني بذلك كما وصفني به ربي وقولوا عبد الله ورسوله.

(1) رواه مسلم 2/ 944، والنسائي 5/ 268، وأبو داود 2/ 435.

(2)

ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 106.

(3)

البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم، 4/ 142.

(4)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445)، مسند أحمد (1/ 23).

(5)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445).

ص: 262

وإنما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهي في أكثر من موضع ومقام لما علمه في هذا الإطراء من وسيلة وطريق للغلو، ولعنايته عليه الصلاة والسلام بحماية جناب التوحيد، وسد أبواب الشرك، ومع ذلك فقد سلكت طوائف من الأمة سبيل الغلو حيث أبى عباد القبور إلا مخالفة لأمره وارتكابا لنهيه وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى، ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته، وأنه ليس له من الأمر شيء، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، أن في ذلك هضما لجنابه وغضا من قدره، فرفعوه فوق منزلته وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبا منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، والعجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته (1).

وهذا الحال الذي صار إليه بعض المنتسبين للإسلام، يظهر حكمة عناية القرآن والسنة بالنهي عن الغلو لكونه من أعظم أسباب الانحراف عن الاعتقاد الصحيح.

الفرع الثاني: التفريط

والتفريط: هو الترخص الذي يجفو بصاحبه عن كمال الامتثال.

(1) تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد، ص 272، وما بعدها.

ص: 263

وهو سبب من أسباب فساد الاعتقاد، ويظهر ذلك في باب الإرجاء ومنه ظن المسلم " بأن الإيمان هو نفس التصديق فلا تقدح فيه الأعمال، وربما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق وهي قوله:(لا يضر مع التوحيد ذنب كما لا ينفع مع الشرك حسنة) قال وكيع مبينا أثر بدعة الإرجاء: أحدث هؤلاء المرجئة والجهمية، والجهمية كفار، والمريسي جهمي وعلمهم كيف كفروا قال: يكفيك المعرفة وهذا كفر، والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا عمل وهذا بدعة.

وقال الحميدي: سمعت وكيعا يقول: وأهل السنة يقولون الإيمان قول وعمل، والمرجئة يقولون الإيمان قول والجهمية يقولون الإيمان المعرفة، وصح عن الحسن أنه قال: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل " (1).

(1) الصواعق المرسلة 4/ 1402.

ص: 264

المطلب الثالث: الابتداع

تعددت ألفاظ أهل العلم في تعريف البدعة مع اتحاد المعنى أو تقاربه، ومن أجمع تعاريفها قول الإمام الشاطبي:" طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى "(1)

(1) الاعتصام 1/ 37.

ص: 264

وأوجز منه تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للبدعة بقوله: البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ولا رسوله فمن دان دينا لم يأمر الله به ورسوله فهو مبتدع " (1).

وقد ذم الله عز وجل في كتابه الابتداع في الدين وسماه تشريعا لم يأذن به الله فقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).

وقد أوضحت السنة النبوية خطر الابتداع في الدين بوصفه شر الأمور، وأنه يعني الضلال والهلاك، بقول النبي في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته (3)» . . . الحديث وفيه يقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (4)» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الحلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة (5)» .

(1) الاستقامة 1/ 5.

(2)

سورة الشورى الآية 21

(3)

صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن ابن ماجه المقدمة (45).

(4)

رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة حديث رقم 1435.

(5)

رواه أبو داود 4607، واللفظ له، والترمذي 1676، وقال حسن صحيح.

ص: 265

ولقد صدق واقع الأمة قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يحدث فيها الضلال والانحراف الفكري إلا بسبب البدع في الدين، وكلما ازداد الناس من البدع في الدين ازدادوا ضلالا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ولم يفسد على الأمة دينها شيء مثلما أفسدته البدع، ولم تتسع دائرة الانحراف عن الدين الحق إلا بسبب البدع " ولهذا قال أئمة الإسلام كسفيان الثوري وغيره: إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها، ومعنى قولهم إن البدعة لا يتاب منها: أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسنا فهو لا يتوب ما دام يراه حسنا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه أو بأنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنا وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب.

ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق، كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين ".

ومما يؤكد خطر البدعة أن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المبتدعة كان مختلفا عن موقفه من العصاة، ويوضح ذلك ما رواه البخاري في صحيحة (عن عمر بن الخطاب «أن رجلا كان يدعى

ص: 266

حمارا وكان يشرب الخمر وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم جلده الحد فلعنه رجل مرة وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله (1)» (2).

فهذا رجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه.

وأما المبتدع فمثل ما أخرجه البخاري (3)، وغيره عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس بين عينيه أثر السجود وقال ما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود (4)» وفى رواية «لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل (5)» ، وفى رواية «شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه (6)» .

(1) صحيح البخاري الحدود (6780).

(2)

رواه البخاري في كتاب الحدود باب ما يكره من لعن شارب الخمر.

(3)

الجامع الصحيح، كتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب رقم الحديث 4004.

(4)

صحيح البخاري المغازي (4351)، صحيح مسلم الزكاة (1064)، سنن النسائي تحريم الدم (4101)، سنن أبي داود السنة (4764)، مسند أحمد (3/ 73).

(5)

صحيح البخاري المناقب (3611)، صحيح مسلم الزكاة (1066)، سنن النسائي تحريم الدم (4102)، سنن أبي داود السنة (4768)، سنن ابن ماجه المقدمة (167)، مسند أحمد (1/ 160).

(6)

سنن الترمذي تفسير القرآن (3000)، سنن ابن ماجه المقدمة (176)، مسند أحمد (5/ 256).

ص: 267