الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا ريب أن اتباع المتشابه كان ولا يزال سببا من أسباب الانحراف عن الحق قديما وحديثا، وهو من أسباب تجدد نماذج الانحراف عن الحق، ولذا وجب على المسلمين اجتنابه والبعد عنه، انتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، واتقاء للفتنة، وبعدا عن أسباب الانحراف.
المطلب السادس: الاطلاع على كتب أهل الضلال ثقة بما فيها أو ثقة بأهلها:
من أسباب الانحراف عن الحق والوقوع في الباطل الولع بكتب أهل الضلال، ولذا أنكر الحق تبارك وتعالى على من لم يكتف بالقرآن الكريم مصدرا للهداية، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1).
وإنه لمن الكفر بنعمة الله والغفلة عن فضله والإعراض عن شكره، أن يبحث أحد عن الحق والهداية الدينية والرحمة والذكرى في غير هذا القرآن العظيم، والكتاب الكريم، إذ فيه الهدى والفرقان بين الحق والباطل، فهذا النهي الذي جاء في صيغة تعجب واستنكار يدل على نهي الرب جل وعلا عن البحث عن الهداية الدينية في غير هذا الكتاب العظيم.
(1) سورة العنكبوت الآية 51
كما جاعت السنة النبوية بالنهي الشديد عن الاطلاع على كتب أهل الكتاب حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النظر في التوراة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، «أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه السلام كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني (1)»، فقد غضب النبي من فعل عمر، وجعله تهوكا، والتهوك التحير والتهور والوقوع في الشيء بغير مبالاة (2)، ويمكن القول من جهة أخرى إن ضعف إسناد هذا الحديث يضعف النتيجة المستفادة منه، وإن قوة وسلامة المعتقد لدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس مردها إلى منع الاطلاع على كتب الأديان الأخرى وغيرها من مصادر الفكر والثقافة، بقدر ما هو الحصانة الذاتية للصحابة رضي الله عنهم الناتجة عن قوة تربيتهم على العقيدة الصحيحة وتمسكهم الثابت بها، بدليل وجود فئات أخرى في المجتمع المدني منحرفة الاعتقاد فاسدة التدين هي فئة المنافقين، أظهرت الإسلام نفاقا وخوفا، وتقربت من
(1) مسند الإمام أحمد بتحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين 23/ 349، وإسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد راويه عن الشعبي.
(2)
القاموس المحيط، مادة (هوك).
الكفار وسمعت منهم الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى عن المنافقين وولائهم للكفار: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (1)، كما أن شبهات أهل الكتاب والمشركين كانت تتردد في مجتمع المدينة ولذا جاء الرد عليها في القرآن الكريم.
ومثل الاطلاع على كتب الضلال ثقة بما فيها في الحكم، سؤال أهل الضلال عن الحق والتماسه منهم، وهو أمر متفاوت الدرجات.
فقد كان يحصل من بعض المسلمين في الصدر الأول سؤال أهل الكتاب عن بعض الأخبار عن الرسالات والأمم السابقة، أو عن بعض أحوال الآخرة ونحو ذلك، فأنكر عليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه قائلا: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم لا والله ما رأينا منهم رجلا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم (2)
(1) سورة المائدة الآية 52
(2)
رواه البخاري كتاب الشهادات باب لا يسأل المشرك عن الشهادة وغيرها 2685.