الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند المسلمين، ومنها دعواهم بحصر الهدى في الملتين اليهودية والنصرانية، فذكرهم بملة أبي الأنبياء السابق لهاتين الملتين، وأن الهدى في تلك الملة وأنها أولى بالاتباع، فقال جل وعلا:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1).
(1) سورة البقرة الآية 135
المبحث الثالث: بيان فساد العقائد الباطلة وأسباب ذلك
.
بين الحق تبارك وتعالى أن الدين الحق هو دين الإسلام، وحكم على سائر الأديان والمعتقدات بالبطلان وعدم القبول، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1)، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2)، كما كذب الله أهل تلك المعتقدات في دعوى الإيمان وبين كفرهم وأسبابه، ومن ذلك حكمه سبحانه على اليهود والنصارى بالكفر لأسباب منها: زعم اليهود أن عزيزا ابن الله، واتخاذهم العجل إلها من دون الله، وقول النصارى بألوهية عيسى عليه السلام أو بنوته لله، وقولهم: إن الله ثالث ثلاثة.
كما حكم جل وعلا على عقائد المشركين بمختلف أصنافهم
(1) سورة آل عمران الآية 19
(2)
سورة آل عمران الآية 85
بالبطلان والفساد، لتسويتهم غير الله به سبحانه وتكذيبهم للرسل، وإنكارهم للبعث، وغير ذلك من أسباب الكفر والضلال.
ولا ريب أن هذا البيان لفساد تلك العقائد فيه تثبيت للمؤمنين، وزعزعة لمعتقدات الكافرين، حيث لم يكن الحكم على تلك العقائد بالفساد والضلال مجردا من ذكر الأسباب.
ومن الأسباب التي ذكرت في القرآن الكريم:
1 -
تقليد ومضاهاة الكافرين من قبل:
حيث ورد في القرآن الكريم ما يؤكد أن دعوى اليهود ببنوة عزير لله، ودعوى النصارى أن عيسى ابن الله - تعالى الله عما يقولون -، إنما هو مضاهاة لقول بعض من سبقهم من الكافرين، قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (1).
كما بين سبحانه أن ما يطلبه الكفار من الآيات والمعجزات إنما ساروا فيه على سيرة من سبقهم من الأمم الكافرة، فقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2)، ولذا نهاهم سبحانه عن هذا المسلك المضل
(1) سورة التوبة الآية 30
(2)
سورة البقرة الآية 118
وقد بين الحق تبارك وتعالى الطبيعة الإنسانية الراغبة في تقليد السابقين فيما حدث من قوم موسى عليه السلام حينما مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (2).
2 -
اتباع خطوات الشيطان:
أوضح الكتاب الكريم والسنة المطهرة خطر الشيطان على الإنسان، وحرصه الشديد على إغوائه وإضلاله، وإقسامه بعزة الله أنه سيسعى لإغواء بني آدم بكل السبل، وأنه سيقعد لهم على صراط الله المستقيم ليضلهم ويصرفهم عنه، قال تعالى:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (3){ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (4).
ولقد صدق ظن إبليس في غالب بني آدم، فاستطاع إغواءهم وإضلالهم عن الدين الحق، وصرفهم إلى الأديان الباطلة والمعتقدات الفاسدة، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ} (5).
(1) سورة المائدة الآية 77
(2)
سورة الأعراف الآية 138
(3)
سورة الأعراف الآية 16
(4)
سورة الأعراف الآية 17
(5)
سورة سبأ الآية 20
قال القرطبي في تفسير الآية: وقيل: هذا عام، أي: صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى، قاله مجاهد، وقال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه، وإن أضلهم أطاعوه، فصدق ظنه فاتبعوه.
قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا، وإنما ظن ظنا، فإن قيل: كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب؟ قيل له: لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته، وقد وقع له تحقيق ما ظن، وجواب آخر وهو: ما أجيب إليه في قول الله سبحانه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (1)، فأعطي القوة والاستطاعة، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك، فلما رأى أنه تاب على آدم، وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة، وقال الله له:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (2)، علم أن له تبعا ولآدم تبعا، فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم؛ لما وضع في يديه من سلطان الشهوات، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم، وزين في أعينهم تلك الشهوات، ومدهم إليها بالأماني والخدائع، فصدق عليهم الظن الذي ظنه، والله أعلم
(3)
.
(1) سورة الإسراء الآية 64
(2)
سورة الحجر الآية 42
(3)
الجامع لأحكام القرآن 14/ 239 دار الشعب، القاهرة، ط 2/ 1372 هـ.
3 -
اتباع الهوى:
من أسباب الفساد في العقائد الباطلة بناؤها على الهوى لا على الوحي والعلم، ولذلك بين الله عز وجل أن معارضة الكفار لدعوة الحق وعدم استجابتهم لها إنما هو بسبب اتباعهم لأهوائهم فيما اعتقدوه من عقائد، قال تعالى:{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1).
4 -
البغي بالعلم:
ومن أسباب الفساد في العقائد الفاسدة التي بينها الله في كتابه الكريم البغي بالعلم، حيث ذكره عن أهل الكتاب بقوله:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (2).
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسير الآية: " ولما قرر سبحانه أنه الإله المعبود بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له به، وهو الإسلام، الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله، وحثت عليها كتبه، وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه، وهو دين الرسل كلهم، وكل من تابعهم فهو على طريقهم، وإنما اختلف أهل الكتاب بعدما جاءتهم كتبهم تحثهم
(1) سورة القصص الآية 50
(2)
سورة آل عمران الآية 19
على الاجتماع على دين الله بغيا بينهم، وعدوانا من أنفسهم.
5 -
الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض:
وهو من أسباب الفساد في العقائد، وقد حذر الله عز وجل منه وسماه كفرا، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (1).
فمن الناس من آمن ببعض ما جاءت به الرسل وكفر ببعض، كمن آمن ببعض المرسلين دون بعض، كحال اليهود والنصارى حيث آمنوا بموسى أو موسى والمسيح معه دون محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا يخاطب الله في القرآن الأميين الذين لم يتبعوا رسولا، وأهل الكتاب المصدقين ببعض الرسل، كما في قوله:{وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} (2)، وفى قوله:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} (3).
وكمن آمن ببعض صفات الرسالة وكفر ببعض من الصابئين والفلاسفة ونحوهم، الذين قد يقرون بأصل الرسالة، لكن يجعلون
(1) سورة البقرة الآية 85
(2)
سورة آل عمران الآية 20
(3)
سورة البينة الآية 1