الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن لتعليم الصغار العلم ثوابا وأجرا، ولتعليمهم القرآن مضاعفة الثواب بقدر الحروف المقروءة منه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه (1)» ، وغير هذا من الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي فيها فضل العناية بالقرآن الكريم، وقد ظل هذا الحافز الأكبر للمسلمين في غابر الزمان وحاضره ومستقبله، ليصبح الإنفاق على خدمة القرآن أعظم الأعمال أجرا، وتقربا إلى المولى جل وعلا.
إن التاريخ الإسلامي يحتفظ بصفحات مشرقة من سخاء الخلفاء، والملوك، والسلاطين، وأثرياء المسلمين بما رصدوه من الأموال والعقارات على التعليم بعامة، وعلى تعليم القرآن ونشره بخاصة، فمنه يتشعب علم الأولين والآخرين، فهو الأحق بالعناية والاهتمام، وأجدر أن يسخو الموسرون بأموالهم لتعليمه، ونشره للمسلمين، خدمة له، وإذاعة لهديه وفضائله، ليستقيم أمر الأمة، ويعلو شأنها بين الأمم، فهو سبيل إسعادهم في الدنيا والآخرة.
(1) رواه البخاري في صحيحه 9/ 66، 67.
المبحث الثامن: مقاصد الواقفين على القرآن
أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أهمية الأوقاف لاستمرار أعمال البر وديمومتها، خصوصا في المرافق التعليمية والدينية كالمدارس والمساجد، والاجتماعية كالملاجئ والمستشفيات.
هذه الأوقاف على تلك المرافق تكفل لها الاستمرار تبعا لرغبات الواقفين ومقاصدهم المشروعة، فأهم مورد مالي رصد لحياة المسجد ليستمر بكل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية ودور تحفيظ القرآن الكريم هو الوقف، فمؤسسة (الوقف) كانت وما تزال أهم مورد لشؤون الدين، وللتعليم الإسلامي على الإطلاق، وأكثرها دخلا وإدرارا، وإليها يرجع الفضل في بقائه واستمراره أحقابا وقرونا، وفي انتظام الحياة العلمية والدراسية في جامعات الإسلام وكلياته ومؤسساته.
ويثبت الاستقراء التاريخي أن مقاصد الواقفين على خدمة القرآن الكريم متنوعة ومتعددة، وهي لا تخلو أن تكون واحدا من المقاصد التالية:
أولا: الوقف على المدارس القرآنية.
ثانيا: الوقف على القراء.
ثالثا: الوقف على تعليم القرآن وتحفيظه.
وفيما يلي تفصيل القول في هذه المقاصد، من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: الوقف على المدارس القرآنية
الهدف الأساس من إنشاء المدارس القرآنية هو تعليم أبناء المسلمين للقرآن الكريم حفظا، وتلاوة وتجويدا، وفهما لمعانيه،
ويكاد أن يكون هذا هو المقصد الوحيد والأمل المنشود من قبل المؤسسين لهذه المدارس طمعا في الأجر والثواب من الله عز وجل.
انتشر هذا النوع من المدارس المتخصصة بالقرآن الكريم، وأسهم في تأسيسها القادرون من أبناء المجتمع الإسلامي، كل على قدر استطاعته وإمكاناته، وكان للعواصم العلمية الإسلامية: مكة، والمدينة، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة، وفاس، وتونس وغيرها الحظ الأوفر من هذه المدارس، وقد خصصت لها أوقاف من العقارات والضياع والقرى مما يغني القائمين عليها والدارسين فيها عن الحاجة، والانشغال بأمور المعاش.
وفي صدر الحديث عن هذا الجانب بالنسبة للحرمين الشريفين في مكة والمدينة يتملك المرء الإعجاب والتقدير لعظم الأموال الثابتة والمنقولة والموقوفة المخصصة لهذه المدارس في بلاد الحرمين الشريفين، وخارجها في البلاد الإسلامية الأخرى.
يقول العلامة المؤرخ الأستاذ محمد عمر رفيع المكي، وشهادته في هذا الصدد عن رؤية ومشاهدة: (. . . ولنعد الآن نذكر ما وفق الله إليه المسلمين وملوكهم، وأولي الثراء منهم من بناء المدارس، والمساكن لطلبة العلم، والمجاورين بمكة، بل ولمن يفد من ممالكهم ليسكنوها زمن أدائهم للفريضة مجانا، ولو أردنا استيعاب ذلك كله لطال بنا القول، ولكن سأذكر بعض ما شهدته قائما من دور