الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بما فيها. وفي مداخل هذه الدراسات، أو في مداخل معظمها، يتناول أصحابها بعض أحكام الأسرة والطلاق بالبحث، ويظهر أن كثيرين منهم لا يعرفون من أحكام الفقه الإسلامي إلا شيئا يسيرا أخذوه من بعض الكتب، خلطوا أوله بآخره، فوضعوه في غير موضعه، أو فهموه على غير وجهه، فتناقض أوله مع آخره، وجاءت نتائجه غير متفقة مع مقدماته. وهذا يشير إلى أهمية مراجعة هذه البحوث والدراسات - وأغلبها بحوث جامعية - من قبل العلماء والفقهاء، أو إشراكهم في الإشراف على إعدادها.
المقصود بعنوان الدراسة، وموضوعها:
من الأهمية بمكان في البحث العلمي، وفي الحوار والجدل: أن يكون موضوع البحث محددا تحديدا دقيقا، بعيدا عن اللبس والغموض. وموضوع عمل المرأة ينبغي أن يكون محددا محررا، فإن الجدل الطويل العريض حول عمل المرأة في العصر الحديث، قد سار في غير وجهته وعلى غير منهج صحيح، نتيجة الخلط بين الأمور، فوقع الخلاف واشتد النزاع فيما لا خلاف فيه ولا نزاع حوله، أو هكذا ينبغي أن يكون الحال. والله المستعان.
وذلك أن
عمل المرأة قسمان:
(الأول) ما تقوم به في بيتها من عناية، ورعاية، وتدبير منزلي لأفراد أسرتها. فهذا لا غبار على سلامته من ناحية العقل،
والنقل، وما تعارف عليه الناس على اختلاف مشاربهم في حياتهم المعيشية. فهو من أهم واجبات المرأة السوية، ومن أولويات مسئولياتها تجاه أسرتها، وبيتها (1) وهذا العمل فوق كونه التزاما دينيا للمرأة المسلمة، هو في الوقت نفسه ذو قيمة مادية كبيرة في المجتمع، فقد قامت شركة تأمين بريطانية بدراسة للتقييم الاقتصادي لعمل المرأة المتفرغة لإدارة شؤون الأسرة، وكانت نتيجة الدراسة: أن عمل مثل هذه المرأة من حيث الحجم، يبلغ معدل تسع عشرة ساعة في اليوم، ومن حيث التقييم المادي هو أثمن شيء تملكه أي أسرة.
وكذلك ما تقوم به المرأة من أعمال تشارك فيها زوجها وأهلها أو تساعدهما في ذلك أو تقوم بها منفردة - لظروف تقتضي ذلك - كالرعي والعمل في الفلاحة والزراعة ونحوهما
…
في كثير من البلاد في العالم، فهذا أيضا له قيمته وجدواه الاقتصادية، ويبعد المرأة من أن تكون عاطلة عن العمل، أو أن تكون نصفا مشلولا في المجتمع - كما يحلو لبعض المتحذلقين أن يصفوها به - وهذا النوع من العمل - بجانبيه - ليس مقصودا بالبحث هنا.
(1) انظر: قوامة الرجل وخروج المرأة للعمل، د. محمد بن سعد بن عبد الرحمن، ص 65 وما بعدها.
(الثاني) ما تقوم به المرأة من نشاط وظيفي خارج بيتها، بعيدا عن أفراد أسرتها، الأمر الذي يتطلب منها، ويلزمها وفق قوانين العمل الخروج المبكر إلى المقر، والمكث فيه مدة الدوام المقرر الذي يمتد إلى قبيل وقت صلاة العصر في الغالب، وقد تكلف بأعمال إدارية، تحضر لها، أو تنجزها، الأمر الذي يضطرها إلى شغل جزء كبير من وقتها في بيتها وذلك على حساب أفراد أسرتها (1) وهو ما عنون له بعض العلماء الباحثين بـ:" قضية أن تكون المرأة أجيرة "، كما تقدم.
ومن الأهمية بمكان هنا: أن نلحظ الفرق بين عمل المرأة تحت قوامة زوجها وبين عملها المأجور في سوق العمل، فعمل المرأة تحت قوامة زوجها: هامش حرية المرأة في أدائه واسع أو غير محدود، وصيغة التشاور فيه أظهر من صيغة الأمر والنهي، يظله فيء العاطفة وندى المشاعر، وعلاقة المرأة بمن له القوامة علاقة المودة والرحمة. وأما عملها المأجور في سوق العمل، فتؤديه تحت قوامة الرئيس الإداري أو رب العمل (ذكر أو أنثى)، وحرية الاختيار فيه محدودة، ولا مجال فيه للعاطفة الإنسانية، وإنما تحكمه صرامة الأوامر،
(1) قوامة الرجل وخروج المرأة للعمل، ص 65 - 68.
ويظله جفاف الروتين. وعلاقة المرأة بمن له القوامة علاقة الأمر بالمأمور (1).
وخروج المرأة من بيتها ليس أمرا محظورا، ولا مرفوضا من الرجل على الإطلاق، ولا مرغبا فيه على الإطلاق.
بل يحتاج إلى ترتيب في نوعه، ووقته، ووفق حاجة الأسرة له، وعندما تخرج المرأة للعمل خارج بيتها، فإن مراقبتها ومعرفة مكانها تشغلان بال جميع أفراد أسرتها؛ إذ أن أي تعرض لها بسوء، يلحق بأفراد أسرتها العار، ويتوجب عليهم الانتقام.
وطبيعة عمل المرأة اليوم قد ابتعد كثيرا عن طبيعته الأولى التي كان يغلب عليها الحشمة والوقار، والابتعاد عن مواطن الشبه. ويأتي في مقدمة ذلك عدم الاحتكاك بأي طريقة كانت بالرجال، وبالتالي لا تقع الخلوة بين الجنسين، فينجو معظم المجتمع من الوقوع في الرذيلة وكان للرجال - حينذاك - من الشهامة، والمروءة، والأخلاق ما يردعهم عن محاولة التحرش بالنساء بقول يخدش
(1) انظر المرجع نفسه.