الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، وورد النهي عن الاستمرار في التساؤل عن الخلق، في حديث عروة بن الزبير قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته (1)» ، وهذا دليل على أن جانب الاعتقاد والفكر يتناوله الأمر والنهي، ولذا فإن انتشار الأمر بالحق والنهي عن الباطل من المعتقدات والأفكار يقلل من الانحراف عن الحق والتأثر بالباطل وأهله.
ومما يدخل في ذلك النهي عن القراءة في كتب الباطل والضلال، ولا سيما من قبل من يخشى عليهم التأثر بها ممن قل علمه وتمييزه.
وقد نهى الأئمة عن كل ما يؤدي إلى فساد الاعتقاد وضلال الفكر، ومن ذلك نهي الأئمة عن علم الكلام. ومخالطة أهل البدع والضلالات. فالعمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبيل المؤمنين، وهو سفينة النجاة للمجتمع المسلم من الانحراف بأنواعه بإذن الله.
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده 3034.
المبحث الثاني: الأساليب الوقائية للوقاية من الانحراف
وفيه أربعة مطالب وهي:
المطلب الأول: العناية بتأصيل ونشر العقيدة الصحيحة في مختلف مجالات التوجيه
. إن العناية بتأصيل وترسيخ العقيدة الصحيحة
في نفوس أبناء المسلمين من أعظم وسائل الوقاية من الانحراف الفكري ومن طرق ذلك:
أ- العناية بتفسير القرآن الكريم وبيان معانيه على نحو يراعي مستوى الدارسين بحسب المراحل العمرية، إذ من المعلوم عناية المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية بتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، حتى في البلاد التي لا يتكلم أهلها اللغة العربية، وهذا شيء محمود، إلا أن العناية بفهم القرآن وتدبره ضعيفة جدا إن لم تكن معدومة، وقد التقيت بعدد من أبناء المسلمين في بعض دول إفريقيا وآسيا ممن يحفظ بعضهم القرآن كاملا، أو كثيرا من سوره، وبسؤالهم عن بعض المعاني وجدتهم لا يفقهون شيئا منها البتة، وهذا ولا شك قصور في هذا التعليم الذي يتلقونه إذ لا يتأثرون بهذا القرآن، ولا يتربون على ما فيه من الاعتقاد والعمل، وهذا موجود حتى في الدول العربية أيضا، وهذا ولا شك أمر يحتاج إلى نظر ومراجعة لتغيير طريقة تعليم القرآن الكريم، لأن الطالب إذا لم يفهم القرآن الكريم ويتدبره ويفهم ما فيه من العقيدة الصحيحة فإنه لن يكون مؤثرا في مناعته وحصانته إزاء دعاة الباطل والضلال.
2 -
العناية بتدريس العقيدة الإسلامية القائمة على التوحيد الخالص من شوائب الشرك والبدع والخرافات، وتعميق وترسيخ هذه العقيدة بشتى السبل العلمية لأن المسلم ذا العقيدة الصحيحة سد
منيع أمام دعاة الانحراف الفكري، ومنهم دعاة التنصير وغيره من العقائد الفاسدة، ومما يؤكد ذلك في الواقع أن المنصرين في دول الخليج بالرغم مما بذلوه من جهود وأموال ووقت طويل في محاولات التنصير، لم ينجحوا في تنصير عدد يكافئ الجهود التي بذلوها والمال الذي أنفقوه، إذ يذكر المؤرخون المتابعون لحركة التنصير أنه لم يتنصر في منطقة الخليج بأسرها سوى أربعة أشخاص، غير أن أحد الباحثين في هذا المجال ذكر عددا أكبر لمن تنصروا في البحرين وحدها منذ بداية عمل المنصرين فيها في نهاية القرن الثالث عشر الهجري إلى وقت كتابة البحث عام 1414 هـ حيث ذكر سبعة عشر فردا بين نساء ورجال غير أن معظمهم من اللقطاء الذين ربتهم الكنائس وهم صغار، وبعضهم من النساء الجاهلات الفقيرات جدا احتجن لمعونة المنصرين وتابعنهم على دينهم (1)، مقارنة بما بذل من جهود كبيرة استمرت لأكثر من نصف قرن، وسبب ذلك وضوح العقيدة وسلامتها لدى السكان، بينما لاقت الجهود التنصيرية نجاحا واضحا في البلاد التي يكثر فيها الجهل بالدين مثل بعض الجزر الإندونيسية التي يغلب على أهلها الجهل بالعقيدة الصحيحة، ويكون
(1) إبراهيم الخدري، التنصير في البحرين ج 2 ص 420 - 423.
انتسابهم إلى دين الإسلام انتسابا شكليا، وينبغي أن يكون هذا التعليم للتفسير والعقيدة شاملا لكل مجالات التوجيه والتعليم ومن ذلك المساجد، والمدارس، والوسائل الإعلامية، ودور النشر.
حماية الأطفال من المؤثرات الفكرية السيئة:
من صور التأثير السلبي على الأطفال التأثير عبر الألعاب الإلكترونية التي انتشرت بكثافة وتنوع وإغراء شديد للناشئة ذكورا وإناثا.
ولم يكتف صانعو تلك الألعاب ومصدروها بالتأثير على السلوك العملي للأطفال عبر ألعابهم بل انتقلوا إلى مرحلة أكثر خطورة حينما اتجهوا للتأثير على الفكر والمعتقد. وعلى سبيل المثال (فقد لفت نظر أبوين متابعة ولدهما للعبة من تلك الألعاب بشغف أدى إلى شبه عزلة لأكثر من يوم، وحين أعلن الولد بصوت عال فوزه في اللعبة توجه والداه إلى الشاشة لمشاهدة ما تم إنجازه، وإذا بالنتيجة تصيبهم بصدمة شديدة، فقد وجدوا نتيجة لم تكن ضمن حساباتهم، قلعة كبيرة جدا، ارتفع فوقها عدد كبير من الصلبان، وقصاصات الورق الملون تنزل من السماء بكثافة إعلانا للنصر الكبير الذي أحرزه هذا الفتى المسلم، وهو رفعه لراية الصليب عاليا، وعبارة في الأسفل كتبت باللغة الإنجليزية بشكل ملون وجميل تقول له بكل امتنان: أنت فائز، لقد ربحت، لقد وصلت إلى الهدف).
لكن الحقيقة أن أصحاب هذه التقنية هم الذين وصلوا إلى الهدف، الذي سعوا هم لتحقيقه سنوات طويلة، حققوه من خلال فلذات الأكباد، ارتفع الصليب حقيقة في كثير من البيوت المسلمة، قد لا يكون ارتفاعه ملموسا في البيوت ولكن رفع النشء له من خلال الألعاب الإلكترونية له دلالات خطيرة، فقد تكون غفلتنا عن تفسيرها تعطيها شيئا من البساطة، ولكن السبب الذي جعلهم يروجون لمثل هذه الألعاب والنتائج دون غيرها يعطينا دافعا قويا للبحث الجاد في الأسباب والملابسات ومن ثم النتائج، فالمجال واسع أمامهم لصنع ألعاب أخرى في أي شيء آخر، ولكنهم يريدون هذه اللعبة بالذات، ويريدون الوصول إلى هذه النتيجة تماما، ويعملون على غرس مبادئ معينة في النفوس تسهم بشكل كبير في توصيل أفكارهم إلى أبنائنا بالرغم من كل شيء.
وهذه الألعاب الإلكترونية التي غزت أسواق المسلمين بأفكارها الخطيرة تحتاج إلى وقفة صارمة من الجميع، ويجب أن تتكاتف الجهود للوقوف أمام غزوها لعقول أبنائنا، حيث إن المسؤولية منوطة بعدة جهات وليست جهة واحدة، ولنذكر الجهات على حسب تسلسل المسؤولية:
أ- الجهات الرقابية المشرفة على التجارة والاستيراد: ومهمتها أن تضع مواصفات وشروطا لاستيراد الألعاب ينص فيها على منع الألعاب ذات المضامين المفسدة للعقيدة والأخلاق.
ومن المعلوم أن ثمة منظمات خارج العالم الإسلامي ترفع قضايا ضد الشركات المصنعة تصل أحيانا إلى تعويضات بملايين الدولارات، خاصة عندما يتضرر أبناؤها من أفكارها، وطريقة تصميمها (1).
فكيف لا يعنى المسلمون بما يؤثر على أبنائهم، ويدفعون الضرر الناتج عن هذه الألعاب وذلك بمنع دخول الألعاب التي تروج للعنف، أو تتضمن دعوة أو تحسينا لأفكار اليهود والنصارى، أو غيرهم من أصحاب العقائد المنحرفة والأفكار الضالة، أو التي تربي النشء على مظاهر العري والانحلال.
ب- دور الوالدين يأتي الدور الأهم وهو دور الأب الذي يجب عليه أن يكون متابعا لما يشتريه ابنه، حيث يكون عونا له - بعد الله - على الانتقاء بشكل يوفر له بعض المتعة، ويبعد عنه كثيرا من الشرور.
ج- المربين الأفاضل من معلمين وموجهين، حيث إن لكلامهم تأثيرا قويا على الأبناء، خاصة عندما يتحدثون عن الأضرار التي يتعرض لها الطلاب من جراء البقاء ساعات طويلة أمام الكومبيوتر للعب، فهناك أضرار صحية، وأضرار أخرى أكثر أهمية وهي إضاعة أوقات ثمينة من حياة الإنسان المسلم، بالإضافة إلى تلقي كثير من الأفكار، ورؤية صور تؤثر على دين المرء دون أن يشعر.
(1) قبل أن يرفع أبناؤنا الصليب هيا الرشيد، مقال منشور بموقع الإسلام اليوم، بتاريخ 19/ 4/1425 هـ.