الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول بمنزلة الملك العادل الذي قد وضع قانونا لقومه، أو يقولون: إن الرسالة للعامة دون الخاصة، أو في الأمور العملية دون العلمية، أو في الأمور التي يشترك فيها الناس دون الخصائص التي يمتاز بها الكمل.
ولهذا تفرق هؤلاء في الدين، وصارت كل طائفة مبتدعة لدين لم يشرعه الله، ومنكرة لما مع الطائفة الأخرى من دين الله، وصار فيهم شبه الأمم قبلهم، كما قال تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (1).
(1) سورة المائدة الآية 14
المبحث الرابع: بيان الأمور المفسدة للاعتقاد والنهي عنها
بين الله عز وجل في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين محمد صلى الله عليه وسلم الأمور المفسدة للاعتقاد الصحيح، والتي يحدث بوجودها الانحراف الفكري في كل مجتمع، وحذر عباده منها لما لها من آثار سيئة عليهم، ولا ريب أن التعرف على هذه الأسباب من الكتاب والسنة والتحذير منها واجتنابها من أنفع السبل لوقاية المجتمع من الانحراف الفكري بإذن الله تعالى، وهذه أهم الأسباب مرتبة في المطالب التالية:
المطلب الأول: القول على الله بغير علم:
إن القول على الله بغير علم من الكبائر التي حرمها الله عز وجل
وجعله قرينا للشرك به سبحانه، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1).
والمراد بالقول على الله بغير علم: الزعم والكذب عليه سبحانه بالقول بأنه أمر بشيء لم يأمر به حقيقة، أو نهى عن شيء لم ينه عنه، قال الطبري في تفسير الآية (2):" وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعري والتجرد للطواف بالبيت، وحرم عليكم كل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرمه أو أمر به أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم ".
قال ابن القيم: " وقد حرم الله - سبحانه - القول عليه بغير علم، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، كما في هذه الآية، حيث رتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم محرما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع مما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته، وفي دينه وشرعه.
(1) سورة الأعراف الآية 33
(2)
جامع البيان 5/ 476.
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (1){مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام، ولما لم يحله: هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه (3).
لقد نهى الله عز وجل في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن القول على الله بغير علم، وبين سبحانه أن افتراء الكذب عليه من وسائل إفساد المعتقدات وإضلال الناس، فقال:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (4)، أي: مع كذبه وافترائه على الله، قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله بغير بينة منه ولا برهان:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) الذين لا إرادة لهم في غير الظلم والجور والافتراء على الله (6).
وبين سبحانه صورا عدة من ضلال المشركين بسبب قولهم عليه بغير علم، منها ادعاؤهم تحريم الله بعض اللحوم والأنعام، فقال:
(1) سورة النحل الآية 116
(2)
سورة النحل الآية 117
(3)
ابن القيم، إعلام الموقعين 1/ 38.
(4)
سورة الأنعام الآية 144
(5)
سورة الأنعام الآية 144
(6)
ابن سعدي، تيسير الكريم الرحمن، تفسير الآية 144 الأنعام.
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (1)، قال الطبري رحمه الله: قل يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما حرموا من الحرث والأنعام من عبدة الأوثان الذين زعموا أن الله حرم عليهم ذلك الذكرين حرم ربكم أيها الكذبة على الله (2).
وقد بين الله عز وجل أن كثيرا من اعتقادات المشركين المنحرفة وضلالاتهم الفاسدة منشؤها القول على الله بغير علم، وافتراء الكذب عليه سبحانه كما في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (3).
وفي قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (4)، وكما قال تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5).
(1) سورة الأنعام الآية 143
(2)
جامع البيان 5/ 375.
(3)
سورة الزخرف الآية 20
(4)
سورة الأنعام الآية 140
(5)
سورة الأنعام الآية 144