الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأوقاف وتنميتها، التي تعطلت عن العطاء خلال العصور المتأخرة لأسباب تاريخية كثيرة، وتوفير فرص التمويل المناسبة لها.
13 -
تكليف وزارة الأوقاف في كل بلد بالعمل على تشجيع إنشاء أوقاف جديدة، وإقامة الهيكل المؤسسي اللازم للمساعدة في إنشاء أوقاف جديدة، وتشجيع الأفراد على إقامتها وتقديم التسهيلات الضريبية والإدارية وغيرها، وكذلك الإعانات الإدارية والمالية لها حتى تتمكن من أداء دورها الاجتماعي والاقتصادي.
المبحث السادس: حاجة البشرية إلى نور القرآن وهدايته
إن رسالة القرآن عالمية، وهذا من مميزاتها وخصائصها، فليست مقصورة على قوم أو جنس أو عصر أو مكان، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1)، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (2)، وقال تعالى:{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (3){لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (4).
فمتى ما بلغت العبد رسالة القرآن ودعوته إلى توحيد الله عز وجل وإخلاص العمل له والحذر من الشرك والقيام بفرائضه وأداء
(1) سورة سبأ الآية 28
(2)
سورة الفرقان الآية 1
(3)
سورة يس الآية 69
(4)
سورة يس الآية 70
حقوقه فقد قامت عليه الحجة وزالت عنه المعذرة، قال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (1)، قال ابن كثير في تفسير الآية:(هو نذير لكل من بلغه، وعن محمد بن كعب في قوله: {وَمَنْ بَلَغَ} (2) قال: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه، وكأنما أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم، وعن قتادة في قوله تعالى:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله (4)» ، وقال الربيع بن أنس:(حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذي أنذر)(5).
ومع استمرارية رسالة القرآن وخلودها بحفظ الله تعالى لها كما قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (6)، فإنها تحتاج إلى جهود متواصلة لتبليغ رسالته للعالمين وبيان هداياته للناس أجمعين، والبشرية الآن أحوج ما تكون إلى نوره وهداه،
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2)
سورة الأنعام الآية 19
(3)
سورة الأنعام الآية 19
(4)
رواه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 2 / 205، والطبري في تفسيره 11/ 290، وابن أبي حاتم في تفسيره 4/ 1272 عن قتادة مرسلا.
(5)
تفسير القرآن العظيم 2/ 126.
(6)
سورة الحجر الآية 9
لتخرج به من الظلمات بجميع صنوفها وأشكالها إلى نوره ورحمته وبركته، وأولى الناس بالقيام بذلك أهله المحبون له المعظمون إياه العاملون به.
وقد جاء في القرآن الكريم التعبير عن معنى تبليغ رسالته بكلمات كثيرة منها:
1 -
(أنذر) كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (1){قُمْ فَأَنْذِرْ} (2)، وقوله:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (3)، وقوله:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (4).
2 -
(ادع) قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (5)، وقوله:{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (6).
3 -
(اصدع) كقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (7).
4 -
(بين) كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (8)،
(1) سورة المدثر الآية 1
(2)
سورة المدثر الآية 2
(3)
سورة الشعراء الآية 214
(4)
سورة الأنعام الآية 19
(5)
سورة النحل الآية 125
(6)
سورة الشورى الآية 15
(7)
سورة الحجر الآية 94
(8)
سورة النحل الآية 44
وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1).
وهذه الكلمات على تفاوت معانيها الخاصة بها إلا أنها تتفق في معناها العام، وهو وجوب تبليغ القرآن وبيان هداياته ودعوة الناس إلى العمل به واتباعه، وإن كان الخطاب فيها موجها للرسول صلى الله عليه وسلم فلأنه الأصل المبلغ عن الله سبحانه القدوة لأمته، وهم شركاء معه في هذه المهمة العظيمة، وبذلك نالوا الخيرية والفضل، قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)، وقال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (3).
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في كل زمان ومكان على تبليغ رسالة القرآن الكريم للناس كافة، فقال عليه الصلاة والسلام:«بلغوا عني ولو آية (4)» ، وعن ابن مسعود
(1) سورة النحل الآية 89
(2)
سورة آل عمران الآية 104
(3)
سورة آل عمران الآية 110
(4)
رواه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، 6/ 496 برقم 3461 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع (1)» ، وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2)» ، وحذر من التكاسل في ذلك بكتم ما أوجب الله بيانه وتعليمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار (3)» ، وفي رواية لابن ماجه:«ما من رجل يحفظ علما فيكتمه إلا أتي به يوم القيامة ملجما بلجام من نار (4)» .
إن الإسلام لا يرضى من المسلم أن يكون صالحا مهتديا في نفسه، بل يريد منه أن يكون مصلحا هاديا لغيره، فالنفع المتعدي أولى وأفضل من النفع الخاص، وإذا تخلى المسلمون عن حمل هذه
(1) رواه أحمد في مسنده 1/ 437، وابن حبان في صحيحه 1/ 271 برقم 69، قال محققه شعيب الأرناؤوط (إسناده حسن).
(2)
رواه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره 13/ 38، 39.
(3)
رواه أحمد في مسنده 2/ 263، وأبو داود في سننه كتاب العلم، باب كراهية منع العلم 3/ 321 برقم 3658، والترمذي في سننه كتاب العلم باب كراهية كتمان العلم 5/ 28 برقم 2649 وحسنه.
(4)
رواه ابن ماجه في سننه أبواب المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه 1/ 49 برقم 261 وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/ 49.
الرسالة وتكاسلوا في أداء هذه الأمانة تفاقمت الشرور وظهرت الفتن واستشرى الفساد بجميع أنواعه وتكالب الأعداء على الأمة، والله تعالى يقول:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1)، ويقول سبحانه:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2).
إن الداعي إلى القرآن المبلغ رسالته لا بد له كي يؤدي واجبه على الوجه الأكمل أن يكون عنده إيمان صادق بأن القرآن كلام الله عز وجل أفضل الكلام وأتمه وأصدقه، من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، لا خير ولا فلاح ولا هدى إلا في اتباعه والعمل به والتحاكم إليه، يدرك أن رسالة القرآن هي الحق المهيمنة على ما قبلها المصدقة لها، وما عداها فهو باطل، مع وجوب تعظيم كتاب الله تعالى وإجلاله ومحبته بكل القلب والتفاني من أجله، فيعيش له ويموت في سبيله، يعلم علم اليقين أنه بالقرآن حاز كل شيء وبدونه فقد كل شيء، هو مصدر سعادته وقوته وطريقه الواحد لنيل رضا ربه ودخول جنته، ويحتاج مع هذا إلى الصبر الذي هو نصف الإيمان وقد ذكر في القرآن في
(1) سورة الأنفال الآية 25
(2)
سورة الروم الآية 41
أكثر من ثمانين موضعا، وأمرنا أن نستعين به بعد الله عز وجل لتحقيق الأهداف ونيل المقاصد، فقال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (1)، ولأهله المعية الخاصة والمحبة الخالصة، يقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2)، ويقول عز وجل:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (3)، ومن لوازم تلك المعية الخاصة النصرة والتأييد والتوفيق والتسديد، به وباليقين تنال الإمامة في الدين كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (4).
بهذا كله وغيره يؤدي أهل القرآن المتأثرون به حقا وصدقا واجبهم المنوط بهم تجاه كتاب ربهم ورسالته وهداياته ومقاصده في العالمين.
لقد وصف ربنا تعالى كتابه العزيز بأنه هدى في سبعة وأربعين موضعا من القرآن، فهو هدى من الكفر والشرك إلى الإسلام والإيمان، وهو هدى من الظلم والجور والاعتداء إلى العدل والقسط والإنصاف، وهو هدى من الحيرة والشك والقلق إلى اليقين والطمأنينة، وهو هدى من العناء والشقاء إلى السعادة والراحة، وبهذا امتن الله تعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام والأمة من بعده فقال تعالى:
(1) سورة البقرة الآية 45
(2)
سورة البقرة الآية 153
(3)
سورة آل عمران الآية 146
(4)
سورة السجدة الآية 24
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1)، كما أن هذه الهداية متى تحققت لم يضل صاحبها في الدنيا ولم يشق في الآخرة، قال تعالى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:(ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة)(3).
ولكن هذه الهداية خاصة بمن آمن به واتبعه وتمسك به، كما قال تعالى:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (4)، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (5)، وقال تعالى:{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (6)، وقال تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (7)، يقول الإمام السعدي في تفسير
(1) سورة الشورى الآية 52
(2)
سورة طه الآية 123
(3)
الجامع لأحكام القرآن، 11/ 258.
(4)
سورة النحل الآية 89
(5)
سورة البقرة الآية 97
(6)
سورة آل عمران الآية 138
(7)
سورة البقرة الآية 2
الآية: (الهدى ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبهة وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة، وقال سبحانه: (هدى) وحذف المعمول فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ولا للشيء الفلاني، لإرادة العموم وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأخراهم) (1).
إن هداية القرآن كما تكون لأهلها في الدنيا فهي الموصلة لهم أيضا إلى جنات النعيم، يقول تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (2){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3)، فهداية القرآن لا تتحقق وتحصل إلا لمن اتبعه وتمسك به، يقول الحافظ ابن كثير:(ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم فقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (4){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (5)، أي: طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة، {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (6)،
(1) تيسير الكريم الرحمن 23.
(2)
سورة المائدة الآية 15
(3)
سورة المائدة الآية 16
(4)
سورة المائدة الآية 15
(5)
سورة المائدة الآية 16
(6)
سورة المائدة الآية 16
أي: ينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك، فيصرف عنهم المحذور ويحصل لهم أحب الأمور، وينفي عنهم الضلالة ويرشدهم إلى أقوم حالة) (1)، ويقول الإمام السعدي:(ثم ذكر من الذي يهتدي بهذا القرآن؟ وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك؟ فقال: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (2) أي: يهدي من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله وصار قصده حسنا سبل السلام، التي يسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا، {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (3) ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة، {إِلَى النُّورِ} (4) نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم والذكر.
وكل هذه من الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (5).
إن هداية القرآن الكائنة لمن انتفع به دالة على كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (6)، يقول الإمام الشنقيطي: (ذكر جل وعلا في هذه الآية
(1) تفسير القرآن العظيم 2/ 34.
(2)
سورة المائدة الآية 16
(3)
سورة المائدة الآية 16
(4)
سورة المائدة الآية 16
(5)
سورة المائدة الآية 16
(6)
سورة الإسراء الآية 9
الكريمة أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية وأجمعها لجميع العلوم وآخرها عهدا برب العالمين جل وعلا يهدي للتي هي أقوم، أي: الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب. . .، وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة) (1)، ثم أطال في تفصيل ما تضمنه القرآن من الهدايات في حوالي خمسين صفحة.
وقد ذكر الزرقاني أن هداية القرآن امتازت بأنها تامة وعامة وواضحة حيث قال: (وهداية القرآن تمتاز بأنها عامة وتامة وواضحة.
أما عمومها: فلأنها تنتظم الإنس والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان، قال سبحانه وتعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2)، وقال جلت حكمته:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (3)، وقال عز اسمه:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (4).
(1) أضواء البيان 3/ 409.
(2)
سورة الأنعام الآية 19
(3)
سورة الأنعام الآية 92
(4)
سورة الأعراف الآية 158