الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثنتين وثلاث مائة
فيها عاد المهدي إلى الإسكندرية، فوقعت وقعة كبيرة، قتل فيها نائبه، فرداً إلى القيروان.
وفيها أخذت طيىء الركب العراقي، وتمشرق الوفد في البرية، وأسروا من النساء مائتين وثمانين.
وفيها توفي العلامة فقيه المغرب أبو عثمان بن حداد الإفريقي المالكي. أخذ عن سحنون وغيره. برع في العربية والنظر. ومال إلى مذهب الشافعي، وجعل يسمي المدونة المزورة، فهجره المالكية، ثم أحبوه لما قام على أبي عبد الله السيفي، وناظره ونصر السنة.
وفيها توفي العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأصبهاني، إمام جامع أصبهان، أحد العباد والحفاظ.
ثلاث وثلاث مائة
فيها توفي الحافظ أحد الأئمة الأعلام، صاحب المصنفات، أبو عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي، إمام عصره في الحديث، وله كتاب السنن وغيره، سكن مصر وانتشرت بها تصانيفه، وأخذ عنه الناس، وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضل؟. وفي رواية أخرى: ما أعرف له فضيلة إلا: لا أشبع بطنك. وكان يتشيع، فما زالوا يدفعون في خطبته حتى أخرجوه من المسجد. وفي رواية أخرى: يدفعون في خطبته، وداسوه، ثم حمل إلى الرملة فمات بها.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: لما امتحن النسائي بدمشق قال: احملوني إلى مكة، فحمل إليها فتوفي بها. وهو مدفون بين الصفا والمروة، وقال الحافظ أبو نعيم: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو مقتول.
قال: وكان قد صنف " كتاب الخصائص " في فضل علي رضي الله تعالى عنه، وأهل البيت. فقيل له: ألا تصنف كتاباً في فضائل الصحابة؟. فقال: دخلت دمشق، والمتحرف عن علي كثير، فأردت أن يهديهم الله تعالى بهذا الكتاب، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان موصوفاً بكثرة الجماع.
قال الحافظ ابن عساكر: كان له أربع زوجات، يقسم لهن وجواري، وقال الدارقطني: أدرك الشهادة، وتوفي بمكة ونسبته إلى نسا مدينة بخراسان.
وفيها توفي الحافظ الكبير أبو العباس الحسين بن سفيان الشيباني بفقه على أبي ثور. وكان يفتي بمذهبه قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره، مقدماً بالثبت والكثرة والفهم والأدب.
وفيها توفي أبو علي الجبائي، محمد بن عبد الوهاب، شيخ المعتزلة.
وفيها توفي يموت بن المزرع بن يموت العبدي البصري، قال الخطيب هو ابن أخت أبي عثمان الجاحظ، قدم يموت المذكور بغداد في سنة إحدى وثلاث مائة، وهو شيخ كبير، وحدث بها عن أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وجماعة كثيرة. وروى عنه أبو بكر الخرائطي، وأبو بكر بن مجاهد المقرىء، وأبو بكر الأنباري وغيرهم. وكان أديباً أخبارياً، وله ملح ونوادر، وكان لا يعود مريضاً خوفاً من أن يتطير من اسمه، ويقول: بليت بالأسم الذي سماني به أبي فإذا عدت مريضاً فاستأذنت عليه، فقيل: من هذا؟ قلت: أنا ابن المزرع، وأسقطت اسمي. وقيل إنه كان قد سمى نفسه محمداً، ومدحه منصور بن الضرير فقال:
أنت تجيء والذي
…
يكره أن تجيء يموت
أنت ضوء النفس بل
…
أنت لروح النفس قوت
أنت للحكمة بيت
…
لا خلت منك البيوت
ومن أخباره ما رووه عن الأصمعي قال: كنت عند الرشيد، وقد أتي بعبد الملك صالح الباسي، وهو يرفل في قيوده. فلما نظر الرشيد إليه قال: هيه يا عبد الملك كأني والله أنظر إلى شؤبوبها قد همع وإلى عارضها قد تبلع، وكأني بالوعيد أقلع عن براجم بلا عاصم، ورؤوس بلا عاصم، مهلاً مهلاً بني هاشم، فتى والله سهل لكم الوعر، وصفى الكدر، وألقت إليكم الأمور أزمتها، فخذوا حذاركم مني قبل حلول داهية، خيوط باليد والرجل.
قال عبد الملك: أفرداً أتكلم أم توأماً؟ فقال: بل توأماً، فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين
فيما ولآك، وراقبه في رعاياك التي استرعاك، فقد سهلت والله لك الوعور، وجمعت على خوور، ورجا بك الصدور. وكنت كما قال أخو جعفر بن كلاب: ومقام ضيق فرجته بلسان وبيان، وجدل لو يقوم القيل أو قياك في مقام كمقامي لرجل، أو قال: نفسك فأراد يحيى بن خالد البرامكي أن يضع مقدار عبد الملك عند الرشيد فقال له: بلغني أنك حقود، فقال عبد الملك: إن يكن الحقد هو بقاء الخير والشر عندي فإنهما لباقيان في قلبي، قال. الأصمعي: فالتفت الرشيد إلي وقال: يا أصمعي، والله لو نظرت إلى موضع السيف من عنقه مراراً، يمنعني من ذلك إبقائي على قومي في مثله.
ومما روى يموت أيضاً أن أحمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن المدبر الكاتب أن إذا مدحه شاعر، ولم يرض شعره قال لغلامه: امض به إلى المسجد ولا تفارقه حتى يصلي مائة ركعة، ثم أطلقه. فتحاماه الشعراء من الأفراد المجيدين، فجاءه أبو عبد الله الحسن بن عبد السلام المعروف بالجمل، فاستأذنه في النشيد فقال: قد عرفت الشرط؟. قال: نعم، ثم أنشده.
أردنا في أبي حسن مديحاً
…
كما بالمدح ينتجع الولاة
فقلنا: أكرم الثقلين طراً
…
ومن كفاه دجلة والفرات
فقالوا: يقبل المدحات لكن
…
جوائزه عليهن الصلاة
فقلت لهم: وما تغني صلاتي
…
عيالي إنما الشأن الزكاة
فتأمرني بكسر الصاد منها
…
وتصبح لي الصلاة هي الصلات
فضحك ابن المدبر واستطرفه، وقال: من أين أخذت هذا؟ فقال: من قول أبي تمام الطائي:
هن الحمام وإن كسرت عناقه
…
من جابهن فإنهن حمام
فاستحسن ذلك، وأحسن صلته، وحدث ابن المزرع أيضاً عن خاله أبي عثمان الجاحظ أنه قال: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود بن الحسن الشاعر المعروف بالوراق وكانت تسمى بشنوى، وكان شديد الغرام بها، وبذل في ثمنها سبعة آلاف دينار، فامتنع محمود من بيعها، لأنه كان يهواها أيضاً. فلما مات محمود بيعت الجارية للمعتصم تركته بسبعمائة دينار، فلما دخلت عليه قال لها: كيف رأيت تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلاف دينار بسبعمائة دينار؟. فقالت: أجل. إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث فإن سبعين ديناراً لكثيرة في ثمني، فضلاً عن سبعمائة، فخجل المعتصم.
وقال ابن المزرع: حدثني من رأى قبراً بالشام عليه مكتوب: لا يغترن أحد بالدنيا،
فإني ابن من كان يطلق الريح إذا شاء ويحبسها. وبحذائه قبر عليه مكتوب: كذب الماص بظر أمه. لا يظن أحد أنه ابن سليمان بن داود عليه السلام، إنما هو حداد يجمع الريح في الزق، ثم ينفخ بها الجمر.. قال: فما رأيت قبرين قبلهما يتشابهان. قلت: وفي هذا المعنى خطر لي وقت وقوفي عليه إنشاء بيت على طريق اللغز معيراً بارتحاله عن لسان حاله نائباً عنه في مقاله:
أنا ابن الذي للريح يمسك إن يشا
…
ويرسلها إن شاء للنفع ثارها
ومما يناسب هذا مقال اثنين، مشهور لغزهما، ضمنته نظماً وآخرين اخترتهما لغزاً لفظاً ومعنى، وعن لغز الأربعة أشرت في بعض القصيدات بهذه الأبيات.
من اللغز قول اثنين كل مجاوب
…
لبعض ولاة ناظماً مترفعاً
أنا ابن الذي ذلت رقاب الورى له
…
ومخزومها منهم وهاشمها معا
إلى نحوها تأتي لأمر مطيعة
…
فمرد بها والمال يأخذ خضعا
وقال الفتى الثاني له في جوابه
…
وقد شام برق المجد من ذاك شعشعا
أنا ابن الذي لا ينزل الأرض قدره
…
وإن نزلت تغلو وتعلا بمشبعا
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره
…
وقد ملؤوا الرحب الفسيح الموسعا
وخذ ثالثاً قال اعتز متفاخراً
…
لمجد وجد كي يصان ويرفعا
أنا ابن الفتى دباج كل سمينة
…
ومزهق أرواح تماض مصرعا
ومفن بشجعان القرون محصنا
…
لسفرك أقران التسفك ضجعا
ورابعهم قال افتخار أمنا هيا
…
بأصل وفصل للسناء متطلعا
أنا ابن الذي يكسو الأنام صنيعه
…
بها وزينا من له الغير صنعا
يوصل وقطع مبرم في فعاله
…
لما لم يصل في الدهر غير ويقطعا
عن الأولين استنجزوا وترحلوا
…
وقد سمعوا المجد الأثيل المرفعا
فقيل ابن حجام وطباخ اعتزل
…
إلى المجد كل باحتيال ليخدعا
وقل ثالثاً يحل الجزار فرية
…
ومن حائك من للثلاثة ربعا
أعني أن الأولين وردا على بعض الولاة، فسألهما عن أصلهما، فأجابا بالجوابين المذكورين اللذين بين كثير من الناس مشهورين. ثم عبرت عن مقالهما بنظمي المذكور، ثم أنشأت على وجه الإختراع لغزاً لإثنين آخرين ليس له عند أحد من الناس سماع، وأشرت إلى ذلك بقولي:" وخذ ثالثاً إلى الآخر "، ثم أوضحت وصف الأربعة يكون الأولين ابني حجام وطباخ، والآخرين ابني جزار وحائك. وقصيدتي المذكورة هي الموسومة بنزهة النطار، مشتملة على ستة من العلوم، ثم شرحتها شرحاً موسوماً بمنهل الفهوم المروي من صدى