الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، فأشير عليه في أيام المتوكل أن يقتصر على أبي عبادة، فإنها أشهر ففعل. قال ابن خلكان تاريخه: وأهل الأدب كثيراً ما يسألون عن قول أبي العلاء المعري: وقال الوليد: الينع ليس بمثمر، وأخطأ شرب الوحش من ثمر الينع. فيقولون: من هو الوليد المذكور؟ وأين قال: الينع ليس بمثمر؟ ولقد سألني عنه جماعة كثيرة. والمراد بالوليد هو البحتري المذكور، وله قصيدة طويلة منها:
وعبرتني سجال لعدم جاهلة
…
والينع غير بان، ما في فرعه ثمر
وهذا البيت هو المشار إليه في بيت المعري.
خمس وثمانين ومائتين
فيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طيىء، فانتهبوا الركب العراقي وبدعوا، وسبوا النساء وراح للناس ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها مات الإمام الحبر أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشر الحربي الحافظ أحد الأئمة الأعلام، وله سبع وثمانون سنة، سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما، وتفقه على الإمام أحمد، وبرع في العلم والعمل، وصنف التصانيف الكثيرة، وكان يشبه بأحمد بن حنبل في وقته.
توفي السنة المذكورة توفي إمام أهل النحو في زمانه، صاحب المصنفات النافعات: أبو العباس المبرد محمد بن يزيد الأزدي البصري، أخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني، وتصدر للإشتغال ببغداد. وكان وسيماً مليح الصورة فصيحاً مفوهاً أخبارياً علامة ثقة، إماماً في النحو واللغة. وله التآليف النافعة في الأدب، منها " كتاب الكامل "، ومنها " الروضة "، و " المقتضب " وغير ذلك، وأخذ عنه نفطويه وغيره من الأئمة، وكان في المبرد المذكور أبو العباس الملقب بثعلب صاحب كتاب الفصيح عالمين فاضلين متعاصرين، قد ختم بهما تاريخ الأدباء. وفيهما يقول بعض أهل عصرهما، وهو أبو بكر بن الأزهر، أبياتاً من جملتها قوله:
أيا طالب العلم لا تجهلن
…
وعد بالمبرد أو ثعلب
تجد عند هذين علم الورى
…
فلا تك كالجمل الأجرب
علوم الخلائق مخزونة
…
بهذين في الشرق والمغرب
قالوا: وكان المبرد يحب الإجتماع بثعلب للمناظرة والإستكثار من ذلك، وكان ثعلب يكره ذلك ويمتنع منه.
وحكى أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الفقيه الموصلي قال: قلت لأبي عبد الله الدينوي ختن ثعلب:. لم يأبى ثعلب الإجتماع بالمبرد. فقال: لأن المبرد حسن العبارة، حلو الإشارة، فصيح اللسان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين، فإذا اجتمعا في محفل، حكم للمبرد على الظاهر، إلى أن يعرف الباطن. وكان المبرد كثير الأمالي حسن النوادر.
وحكي عن بعضهم أنه رأى المبرد في المنام، وجرى له معه قصة عجيبة. وذلك أنه كان عنده " كتاب الكامل " للمبرد، و " كتاب العقد " لإبن عبد ربه، وهو يطالع فيها، قال: فرأيت في العقد في فصل ترجمته، قوله: ما غلط فيه على الشعراء، وذكر أبياتاً نسب أصحابها فيها إلى الغلط، وهي صحيحة. وإنما وقع الغلط ممن استدرك عليهم لعدم إطلاعه على حقيقة الأمر فيها، ومن جملة من ذكر المبرد فقال: ومثله قول محمد بن يزيد النحوي في كتاب الروضة، ورده على الحسن بن هانىء، يعني أبا نواس، في قوله:
وما لبكر بن وائل عصم
…
إلا بحمقائها وكاذبها
فزعم أنه بحمقائها رجلاً، ولا يقال في الرجل حمقاً، وإنما أراد " دغه " بضم الدال وفتح الغين المعجمة العجلية، وعجل في بكر، وبها يضرب المثل في الحمق. هذا كلام صاحب العقد، وغرضه أن المبرد نسب أبا نواس إلى الغلط، يتوهمه أنه قصد " هبنقة " بفتح الهاء والباء الموحدة والنون المشددة والقاف وبه يضرب المثل في الحمق، فيقال أحمق من هبنقة، ولم يقصده وإنما قصد المرأة المذكورة، فالغلط حينئذ من المبرد لا من أبي نواس، قال: فلما كان بعد ليال قلائل من وقوفي على هذه الفائدة، رأيت في المنام كأنا قد صلينا الظهر، فلما فرغنا من الصلاة، قمت لأخرج، فرأيت شخصاً واقفاً يصلي، فقال لي بعض الحاضرين: هذا أبو العباس المبرد، فجئت إليه وقعدت إلى جانبه انتظر فراغه، فلما فرغ سلمت عليه وقلت له: أنا في هذا الزمان أطالع في كتابك الكامل، فقال لي: رأيت كتابي الروضة؟ فقلت: لا، وما كنت رأيته قبل ذلك. فقال: قم حتى أريك إياه. وصعد بي إلى بيته، فرأيت فيه كتباً كثيرة، فقعد يفتش عليه، وقعدت أنا ناحية عنه، فأخرج منه مجلداً، فدفعه إلي ففتحته وتركته في حجري، ثم قلت: قد أخذوا عليك فيه، فقال: أي شيء أخذوا؟ فقلت: إنك نسبت أبا نواس إلى الغلط في البيت الفلاني، وأنشدته إياه، فقال: نعم، غلط في هذا. فقلت: إنه لم يغلط بل هو على الصواب، ونسبوك إلى الغلط في تغليطه. فقال: وكيف هذا؟. فعرفته ما قاله صاحب العقد، فعض على رأس سبابته، وبقي
باهتاً ينظر إلي، وهو في صورته خجلان، ولم ينطق بشيء. ثم استيقظت من منامي، وهو على تلك الحال، قال: ولم أذكر هذا المنام إلا لغرابته.
وحكي أنه دخل على المبرد رجل، فأراد القيام، فقال: أنشدك الله أبا العباس، إن قمت، قال: فلم أخبا قيامي؟ وأنشد:
إذا ما بصرنا به مقبلاً
…
حللنا الحبا وابتدرنا القياما
فلا تنكرون قيامي له
…
فإن الكرام تجل الكراما
وكانت ولادة المبرد يوم الإثنين سنة عشر وقيل سبع ومائتين، وتوفي يوم الإثنين سنة خمس، وقيل ست وثمانين. فلما مات نظم فيه وفي ثعلب، ابن العلآف.
ذهب المبرد وانقضت أيامه
…
وليذهبن إثر المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه
…
حزباً وباقي بيت تلك سيخبر
فابكوا لما سلب الزمان ووطنوا
…
الدهر أنفسكم على ما يسلب
وتزودوا عن ثعلب فبكأس ما
…
شرب المبرد عن قريب يشرب
وأرى لكم أن تكتبوا أنفاسه
…
إن كانت الأنفاس مما يكتب
قلت: وهذه الألفاظ جميعاً لفظه، إلا لفظ " بيت تلك سيخرب " فإني أبدلته عن قوله: بيتها فسيخرب، كراهة لإدخال الفاء في سيخرب، وإن كان مما يتجوز فيه، فإن وزان لفظة، نحو قولك: زيد قائم وأبوه فسيقوم، ووزان لفظي: قام زيد وأخوه سيقوم، وهذا هو الجائز على قاعدة العربية، والرجل والمرأة المذكوران المنسوب إليهما الحمق، قيل: لأن الرجل شرد له بعير، فقال: من جاء به فله بعيران. فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ فقال إنكم لا تعرفون حلاوة الوجدان. فنسب إلى الحمق لهذا السبب، فسارت به الأشعار، واكتسب بذلك اشتهاراً، واستشهدوا على ذلك بما أثرت حذفه اختصاراً. وأما المرأة فسبب نسبتها إلى الحمق أنها ولدت، فصاح المولود، فقالت لامرأة: أيفتح الجعر فاه؟. فقالت المرأة: نعم، ويسب أباه، فصارت مثلاً والجعر بفتح الجيم وسكون العين المهملة وهو في الأصل روث كل ذي مخلب من السباع، وقد يستعمل في غيرها بطريق التجوز، فظنت بجهلها ولدت، أنه قد خرج منها المعتاد، فلما استهل المولود عجبت من ذلك وسألت عنه.
وكان سبب نسبتها إلى الحمق، وكانت مزوجة من بني العنبر بن عمرو بن تميم. فبنو العنبر يدعون لذلك بني الجعر. قال ابن خلكان: وهذا كله، وإن كان خارجاً عن المقصود، لكنها فوائد غريبة، فأحببت ذكرها.