الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى بن يحيى، ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون، وبمصر عن أصبغ.
خمس وخمسين ومائتين
فيها خرج العلوي بالبصرة ودعا إلى نفسه، فبادر إلى إجابة دعوته عبيد أهل البصرة والسودان، ومن ثم الزنج، والتفت إليه كل صاحب فتنة حتى استفحل أمره، وهزم جيوش الخليفة واستباح البصرة وغيرها، وفعل الأفاعيل، وامتدت أيامه إلى أن قتل في سنة سبع وسبعين.
وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي، صاحب المسند المشهور، ورحل وطوف وسمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وطبقتهما.
وفيها قتل المعتز بالله، أبو عبد الله محمد بن المتوكل، خلعوه وأشهد على نفسه كرهاً، ثم أدخلوه بعد خمسة أيام حماماً فعطس حتى عاين الموت، وهو يطلب الماء بمنع، ثم أعطوه ماء بثلج فشربه. فسقط ميتاً. واختفت أمه وكانت ذات أموال عظيمة، منها ياقوت وزمرد وغيرهما من الجواهر، قوموها بألفي ألف دينار، ولم يكن في خزاين خلافة شيء، فطلبوا من أمه مالاً فلم تعطهم، فأجمعوا على خلعه، ولبسوا السلاح، أحاطوا بدار الخلافة، وهجم على المعتز طائفة منهم فضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس حافياً ليخلع فيه نفسه فأجاب، وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد، فأول من بايعه معتز بالله، ولقبوا محمداً بالمهدي بالله.
وفيها توفي ذو النوادر والغرائب والظرف والعجائب من حوادث الزمان العوارض، أبو عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ الكناني الليثي المعتزلي البصري العالم المشهور صاحب التصانيف المفيدة في فنون عديدة، له مقالة في أصول الدين، وإليه تنسب الفرقة معروفة بالجاحظية من المعتزلة، وهو تلميذ إبراهيم بن سيار البلخي المتكلم المشهور، ومن أحسن تصانيفه وأوسعها " كتاب الحيوان "، لقد جمع فيه كل غريبة، وكذلك " كتاب بيان والتبيين ". وكان مع فضائله مشوه الخليفة. وإنما قيل له الجاحظ، لأن عينيه كانتا جاحظتين، أي ناتئتين، ومن جملة أخباره أنه قال: ذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده، فلما رآني استبشع منظري، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني، فخرجت من عنده ولقيت محمد بن إبراهيم يعني إبراهيم بن المهدي، وهو يريد الإنصراف إلى مدينة السلام، فعرض
علي الخروج معه والإنحدار في حراقته، وكان بسر من رأى، فركبنا في الحراقة، فلما انتهينا إلى فم نهر القاطوع نصب ستارة، وأمر بالغناء، فاندفعت عوادة فغنت:
كل يوم قطيعة وعتاب
…
ينقضي دهرنا ونحن غضاب
ليت شعري أنا خصصت بهذا
…
دون ذا الخلق أم كذا الأحباب
وسكتت فأمر الطنبور فغنت:
وارحمنا للعاشقين
…
ما أن أرى لهم مغنيا
كم يهجرون ويصرمون
…
ويقطعون ويضربونا
قال فقالت لها العوادة: فيصنعون ماذا. قالت: هكذا يصنعون، وضربت بيدها إلى الستارة فهتكتها، وبرزت كأنها فلقة قمر، فألقت نفسها في الماء، وعلى رأس محمد غلام يضاهيها في الجمال، وبيده مذبة، فأتى الموضع ونظر إليها وهي تصير بين الماء فأنشد:
أنت التي عرفتني
…
بعد القضاء لو تعلمينا
وألقى نفسه في الماء في إثرها، فأدار الملاح الحراقة، فإذا بهما معتنقين، ثم غاصاً فلم يريا، فاستعظم محمد ذلك، وهاله أمره، ثم قال: يا عمرو لتحدثني ما يسليني عن فعل هذين، وإلا ألحقتك بهما، قال: فحضرني حديث يزيد بن عبد الملك، وقد قعد للمظالم وعرضت عليه القصص، فمرت به قصة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يخرج إلى جارية حتى تغني ثلاثة أصوات فعل. فاغتاظ يزيد من ذلك، وأمر أن يخرج إليه، ويأتيه برأسه، أتبع الرسول رسولاً آخر، يأمره أن يدخل إليه الرجل، فأدخله، فلما وقف بين يديه قال له: ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: الثقة بحلمك والإتكال على عفوك. فأمره بالجلوس حتى لم يبق أحد من بني أمية إلا خرج، ثم أمر بالجارية فأخرجت ومعها عودها، فقال له الفتى: غني:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل
…
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
فغنته، فقال له يزيد: قل، قال: غني:
تألق البرق نجدياً فقلت له
…
يا أيها البرق إني عنك مشغول
فغنته، قال له يزيد: قل، قال: تأمر لي برطل شراب؟ فأمر له به، فما استتم شرابه حتى وثب وصعد على أعلى قبة ليزيد ورمى نفسه على دماغه فمات. فقال يزيد: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتراه الأحمق الجاهلي ظن أني أخرج إليه جاريتى،. وأردها إلى ملكي؟ يا غلمان، خذوا بيدها، واحملوها إلى أهله إن كان له أهل وإلا فبيعوها وتصدقوا بثمنها
عنه. فانطلقوا بها إلى أهله، فلما توسطت الدار نظرت إلى حفرة في وسط دار يزيد قد أعدت للمطر، فجذبت نفسها من أيديهم وأنشدت:
من مات عشقاً فليمت هكذا
…
لا خير في عشق بلا موت
فألقت نفسها في الحفيرة على دماغها فماتت، فسري عن محمد، وأجزل صلتي، وقال أبو القاسم السيرافي: حضرنا مجلس الأستاذ أبي الفضل ابن العميد، فجرى ذكر جاحظ، فقص عنه بعض الحاضرين وأزرى به، وسكت الوزير عنه، فلما خرج الرجل قلت: اسكت أيها الأستاذ عن هذا الرجل في قوله مع عادتك في الرد على أمثاله، فقال: لم أجد في مقابلة مقالته أبلغ من تركه على جهله، ولو وافيته وبينت له النظر في كتبه صار لك إنساناً يا أبا القاسم. فكتب الجاحظ: تعلم العقل أولاً والأدب ثانياً. ولم أستصلحه لذلك، قلت: يعني لم أره أهلاً لذلك. وكان الجاحظ في أواخر عمره قد أصابه الفالج، وكان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور لشدة حرارته، والنصف الأيسر لو قرض مقاريض لما أحس به من خدره وشدة برده. وكان يقول في مرضه: اصطلحت على جسدي الأضداد: إن أكلت بارداً أخذ برجلي، وإن أكلت حاراً أخذ برأسي. أنا من جانبي الأيسر مفلوج، لو قرض بالمقاريض ما علمت، ومن جانبي الأيمن منقرس، فلو مر به. الذباب لتألمت، وبي حصاة لا ينشرح لي البول معها، وأشد ما علي ست وتسعون سنة. وكان ينشد:
أترجو أن تكون وأنت شيخ
…
كما قد كنت أيام الشباب
لقد كربتك نفس لبس ثوب
…
دريس كالجديد من الثياب
وحكى بعض البرامكة قال: كنت توليت السند، فأقمت بها ما شاء الله ثم اتصل بي، انصرفت عنها وكنت قد كسبت ثلاثين ألف دينار، فخشيت أن يفجأني الصارف فيسمع بمكان المال فيطمع فيه، فصنعته عشرة آلاف أهليلجة، وكل أهليلجة ثلاثة مثاقيل. ولم يمكث الصارف أن أتى، فركبت البحر وانحدرت إلى البصرة، فخبرت أن الجاحظ بها أنه عليل بالفالج، فأحببت أن أراه قبل وفاته، فصرت إليه، فأفضيت إلى باب دار لطيف، فقرعته فخرجت إلي خادمة صفراء فقالت: من أنت. فقلت رجل غريب، وأحب أن أسر بالنظر إلى الشيخ، فبلغته الخادمة ما قلته، فسمعته يقول: قولي له: وما تصنع بشق مائل ولعاب سائل ولون حابل؟ فقلت للجارية: لا بد من الوصول إليه، فلما بلغته قال: هذا رجل اجتاز بالبصرة وسمع بعلتي فأراد الإجتماع بي ليقول: قد رأيت الجاحظ. ثم أذن لي