الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالذنوب الموبقات، فقال: قلت: يا رب، ما هكذا بلغني عنك. قال: وما الذي بلغك عني؟ قلت: العفو والكرم، قال: صدقت، أدخلوه الجنة أو كما قال.
ولما ذكرت هذه الحكاية عند ولد له وكيل أيضاً في الخصومات قال: نعم وهو وكيل ما يعجزه الجواب يعني أباه ما أجاب به. قلت: وكلامه هذا، إن كان مزاحاً فهو قبيح، وإن كان جداً فباطل غير صحيح، لأن الثبات في الآخرة ليس إلا بتوفيق الله، وما ينعم به من نوال لا بفصاحة اللسان وما يعرفه الإنسان في الدنيا من الجدال. نعوذ بالله من الإغترار والزيغ والضلال.
ثلاث وأربعين ومائتين
فيها توفي الشيخ الكبير العارف معدن الأسرار والحكم والمعارف وإمام الطريقة ولسان الحقيقة الحارث بن أسد المحاسبي " بضم الميم " البصري الأصل، ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، والفضائل الفاخرة، وجميل المحاسن. وله تصانيف في السلوك والمواعظ والأصول. ومن كتبه المشهورة النفيسة " كتاب الرعاية "، ومن دقيق ورعه أنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئاً لأن أبان كان يقول بالقدر. قال: وقد صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا يتوارث أهل ملتين شتى "، ومات وهو محتاج إلى درهم، خلف أبوه ضياعاً وعقاراً، فلم يأخذ منه شيئاً.
ومن المشهور أنه كان محفوظاً إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة يتحرك في إصبعه عرق، فيمتنع من تناوله، وكان يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع صيانة، وحسن القبول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء. وهو أحد شيوخ الجنيد.
وقيل له المحاسبي: لكثرة محاسبة نفسه، وهو من الخمسة الشيوخ الجامعين بين علم الظاهر والباطن في عصر واحد، وهم:" هو " و " أبو القاسم الجنيد "، و " أبو محمد رويم "، و " أبو العباس عطاء "، و " عمرو بن عثمان المكي " رحمهم الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الإمام أبو حفص حرملة بن يحيى التجيبي المصري الحافظ مصنف " المختصر والمبسوط " رحمه الله، روى عن ابن وهب مائة ألف حديث، وتفقه بالإمام الشافعي، قيل: وكان أكثر أصحابه اختلافاً إليه واقتباساً منه و " التجيبي ": بضم المثناة من فوق وكسر الجيم وسكون الياء المثناة من تحت وبعدها موحدة. نسبة إلى امرأة نسبت أولادها إليه.
وفيها توفني إبراهيم بن عباس الصولي الشاعر المشهور، كان من الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر، كله نحت وهو صغير، ومن رقيق شعره:
ثنت بانا من عزتنا زيارة
…
وشط بليلي عن دنو مزارها
وإن مقيمات بمنسرج اللوى
…
لأقرب من ليلى، وهاتيك دارها
وله:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
…
ورعاً وعند الله منها مخرج
كلمت فلما استحكمت حلقاتها
…
فرجت وكنا نظنها لا تفرج
أولى البرية طراً أن تواسيه
…
عند السرور الذي واساك في الحزن
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا
…
من كان بالفهم في المنزل الخشن
وله هذان البيتان، وقيل هما في ديوان الوليد الأنصاري مجردان:
لا يمنعك خفض العيش في دعة
…
نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها
…
أهلا بأهل وجيراناً بجيران
وفيها توفي محمد بن يحيى بن أبي عمرو العداني الحافظ صاحب المسند، روى عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى.
وفي السنة المذكورة توفي ابن الراوندي أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي، وله مقالة في علم الكلام، وينسب إلى الزيغ والإلحاد. وله مائة وبضع عشرة كتاباً، وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام.
قال ابن خلكان بعدما أثنى على فضله، وقد انفرد بمذاهب نقلها عنه أهل الكلام في كتبهم قال: وكان من فضلاء عصره، ومن تصانيفه " كتاب فضيحة المعتزلة "، قلت: وهو رد عن المعتزلة، فأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أضل وأفظع من مذهب المعتزلة. عاش نحواً من أربعين سنة. ونسبته إلى راوند. قرية من قرى قاسان بالسين المهملة بنواحي أصفهان غير التي بالشين المعجمة المجاورة لقم بضم القاف، و " راوند " أيضاً ناحية ظاهر نيسابور، وراوند هذه هي التي ذكرها أبو تمام في كتاب الحماسة في باب المراثي.
قلت: وذكر أصحابنا في باب النسخ من كتب الأصول أنة هو الذي لقن اليهود الإحتجاج على عدم جواز النسخ بزعمهم بنقل مفترى بأن قال لهم: قولوا أن موسى عليه السلام أمرنا أن نتمسك بالسبت، ما دامت السموات والأرض، ولا يجوز أن يأمر الأنبياء، إلا بما هو حق، وهذا القول بهت وافتراء على موسى صلى الله عليه وآله وسلم وعلى نبينا وعلى جميع النبيين والمرسلين.