الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتغفله: دخل إلى عندي يوماً ومداسه في يده فقبل الأرض، وجلس وترك المداس إلى جانبه، وأنا أراه وأراها، وهو بالقرب مني، فلما أراد الانصراف قبل الأرض، وقدم المداس ولبسه، وانصرف. قيل: ذكر هذا في معرض غفلته، وقلة اكتراثه. وكانت وفاته فجأة.
وفيها توفي القدوة أبو الفضل أحمد بن أبي عمران نزيل مكة رحمه الله.
وفيها توفي أحمد بن محمد. الأنطاكي الشاعر ومن شعره قوله في مدح وزير العزيز ابن المعز العبيدي:
قد سمعنا مقاله واعتذاره
…
وأقلنا ذنبه وعثاره
والمعاني لمن عفت ولكن
…
بك عرضت فاسمعي يا جاره
أربع مائة
فيها أقبل الحاكم العبيدي على التأله والدين على مقتضى مذهبه، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين، وعمر الجامع المعروف بجامع الحاكم في القاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل كثير من الخير.
وفيها توفي أبو نعيم الأسفراييني عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح عن الحافظ أبي عوانة، وكان عبداً صالحاً.
وفيها توفي أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي، الشاعر المشهور، صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس، فمن نثره البديع قوله: من أصلح فاسده، أرغم حاسده. ومن أطاع غضبه أضاع أدبه. عادات السادات سادات العادات. من سعادة جدك وقوفك عند حدك. أجمل الناس من كان للإخوان مذللاً وعلى السلطان مدللاً. الفهم شعاع العقل. المنية تضحك من الأمنية. حد العفاف الرضي بالكفاف، بالخرق الرقيع ترقيع. يعني بالرقيع: الأحمق. قلت: ولو قال: على الإحسان مذللاً، عوضاً عن قوله وعلى السلطان، كان أصلح وعند أهل الخير أملح، لكنه ممن لهم رغبة في القرب السلطان، فللرهبة، ولهذا قال أيضاً: الرشوة رشاء الحاجات: ما دخل نجاس النجاسات في جواهر الجناسات. ومن بديع نظمه قوله:
إن هز أقلامه يوماً ليعلمها
…
أنساك كل كمي هن عامله
وإن أمر على رق أنامله
…
أقر بالرق كتاب الأنام له
وقوله:
إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم
…
بما تحدثت من ماض ومن آت
فلا تعد لحديث إن طبعهم
…
مؤكل بمعاداة المعاداة
وقوله:
تحمل أخاك على ما به
…
فما في استقامته مطمع
وإن له خلق واحد
…
وفيه طبائعه الأربع
وكم قدروا له أشعاراً شهيرة تجنيساً وغيره.
وفيها توفي السيد الجليل الفقيه الفاضل الصالح العالم العامل الورع الزاهد جعفر ابن عبد الرحيم التيمي، من حوالي الجند بفتح الجيم والنون سأله والي الجند الإقامة في بعض تلك البلاد لنفع الخلق بالفتوى والتدريس ونشر العلم، فأجابه إلى ذلك بشرطين أحدهما: إعفاؤه من الحكم، والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئاً، فأقام على ذلك مدة، ثم اتفق أنه حضر يوماً عقداً عند الوالي، فأحضر من الطعام ما جرت العادة بإحضاره عند العقد، ثم خص الوالي الفقيه المذكور بشيء من الموز وقال: هذا أهداه لي فلان وذكر إنساناً تطيب به النفس، فكل منه موزتين، ثم خرج، فتقيأهما في دهليز الوالي. ثم لما ملك البلاد ابن الصليحي، سأله أن يتولى القضاء فقال له: لا أصلح لذلك. فأعرض عنه ابن الصليحي مغضباً، فخرج من عنده، فافتقده فلم يجده، فأمر بعض من عنده من الجند أن يلحقوه، ويبطشوا به، فلحقه منهم في بعض الطريق خمسة عشر رجلاً، فضربوه بسيوفهم فلم تقطع فيه شيئاً، ثم كرروا الضرب حتى آلمتهم أيديهم، فلم يؤثر فيه، فرجعوا وأعلموا ما مضى من ابن الصليحي، فأمرهم بكتمان ذلك.
وسئل الفقيه المذكور عن حاله وقت الضرب فقال: كنت أقرأ سورة يس فلم أشعر بالضرب.