الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهل المذموم في شرح ألسنة العلوم، وهي المعاني والبيان والبديع والعروض والقافية والسلوك، أعني سلوك منازل الطريقة للسائرين إلى الحضرة من أولي الحقيقة.
خمس وثلاث مائة
فيها قدم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، فاحتفل للمقتدر بجلوسه له، وأقام الجيش بالسلاح، وكانوا عامة وستين ألفاً. ثم الغلمان وكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجاب سبع مائة. وعلقت ستور الديباج، وكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر من البسط وغيرها، ومما كان في الدار سبعمائة سلسلة. ثم أدخل الرسول دار الشجرة، وفيها بركة وفيها شجرة لها أغصان عليها طيور مذهبة، وورقه ألوان مختلفة، وكل طائر يصفر لوناً بحركات مصنوعة، ثم أدخل الفردوس، وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوم. قلت: هذه التسمية بالفردوس تشبيهاً بما سماه الملك القدوس من الضلال وطغيان النفوس.
وفي السنة المذكورة توفي مسند العصر أبو حنيفة البصري الجمحي الفضل بن الحباب، وكان محدثاً متقناً أخبارياً عالماً.
ست وثلاث مائة
فيها أو قبلها: أمرت أم المقتدر في أمور الأمة، ونهت لركالة حال ابنها، فإنه لم يركب للناس ظاهراً منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاث مائة، ثم ولي ابنه علياً إمرة مصر وغيرها، وهو ابن أربع سنين، وهذا من الوهن والخلل الذي دخل على الأمة. ولما كان في السنة المذكورة أمرت أمه القهرمانة أن تجلس للمظالم، وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة، وكانت تبرز التواقيع عليها خطها.
وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد، ثم رجع.
وفيها توفي القاضي الفقيه الإمام، علم الأعلام، الطراز المذهب الملقب بالباز الأشهب، حامل لواء مذهب الشافعي وناشره، ومؤيده في زمانه وناصره، أبو العباس أحمد بن عمر بن شريح، شيخ الشافعية، فقيه في زمانه، صاحب التصانيف الكثيرة
والفضائل الشهيرة. يشمل فهرست كتبه على أربعمائة مصنف، أخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي عن المزني، والمزني عن الشافعي. قيل وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني. قال أهل الطبقات: وعنه أخذ فقهاء الإسلام من الشافعية، واشتهر مذهب الشافعي في الآفاف. وانتشر، وقام بنصرة المذهب والرد على المخالفين، وفرع على كتب محمد بن الحسن الحنفي وكان شيخ طريقة العراق أبو حامد الأسفراييني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه.
قلت: وسمعت من بعض شيوخنا أنه سأله إنسان: كيف يلبي المحرم؟. فقال: يقول لبيك، اللهم لبيك، اللهم لبيك، إلى آخر التلبية المعروفة، فقال السائل. صرت محرماً فقال ابن سريج " تزببت حصرماً "، قلت: قاله تحكماً، لأن الحصرم لا يجيء منه زبيب وإنما قال السائل: صرت محرماً، لأنه قيل أن ابن سريج كان يقول: يلزم الحكم بالحكا والله أعلم، وكان يناظر محمد بن داود الظاهري. حكى أنه قال له ابن داود يوماً: أبلعني ريقي، قال ابن سريج أبلعتك دجلة. وقال له يوماً: أمهلني ساعة، فقال: أمهلتك الساعة إلى أن تقوم الساعة، وقال له يوماً: أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس. فقال هكذا البقر إذا خفيت أظلافها وهنت قرونها.
وقال الشيخ الإمام المعروف بالفقه والإتقان أبو علي بن خيران: سمعت أبا العباس سريج يقول: رأيت كأنا مطرنا كبريتاً أحمر، فملأت أكمامي وحجري منه، فعبر لي أن أرزق علماً عزيزا كعزة الكبريت الأحمر. وكان يقال له في عصره: إن الله تعالى بعث عمر عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة، فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة، ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشافعي، حتى أظهر السنة وأخفى البدعة. ومن الله تعالى رأس الثلاثمائة بك حتى قويت كل سنة، وضعفت كل بدعة.
قلت: هكذا ذكر في التاريخ، ولكن الذي صرح به الحافظ الإمام أبو القاسم عساكر أن الصحيح أنه كان على رأس الثلاثمائة الإمام أبو الحسن الأشعري، لأنه الذي على أئمة المبتدعة، ونصر مذهب أهل الحق والسنة. والناس في ذلك الزمان إلى إقامة الحق والذب عن السنة وإبطال مذاهب البدعة بقواطع الأدلة والبراهين المقحمة المقررة في علم الأصول، أحوج منهم إلى معرفة الفروع. وكان الشيخ أبو الحسن الأشعري أولى بأن يكون من المجددين الذين على رأس كل مائة سنة المشار إليهم في الحديث على وجه الإبهام دون التعيين. وسيأتي ذكر من على رأس المائتين اللاتي بعد إن شاء تعالى.