الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنين، ثم رخص لهم في الردة كونهم مكرهين، وقال: تنزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام.
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني الأديب العلامة بديع الزمان، صاحب المقامات الفائقة التي هي بالاختراع سابقة، وعلى منوالها نسج الحريري مقاماته، واحتذى حذوه واقتفى أثره، واعترف في خطبته بفضله، وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج، وإلى ذلك أشار بقوله:
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة
…
بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا
…
بكاها، فقلت الفضل للمتقدم
والبديع المذكور أحد الفضلاء الفصحاء، وله رسائل بديعة ونظم مليح، سكن هراة من بلاد خراسان. فمن رسائله الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرك نتنه. فكذلك الضيف، يسمح لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام.
ومن رسائله أيضاً: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لا كعبة الحجاج، ومشعر الكرام لا مشعر الحرام، ومنى الضيف لا منى الخيف، وقنبلة الصلاة لا قبلة الصلاة وله من تعزية الموت خطب قد عظم حتى هان، ومس خشن حتى لان، والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها، وجنت حتى صار أصغر ذنوبها، فانظر يمنة، هل ترى إلا محنة، ثم انظر يسرة هل ترى إلا حسرة؟! ومن شعره من جملة قصيدة طويلة:
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكباً
…
لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا
والدهر لو لم يحن والشمس لو نطقت
…
والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر توفي رحمة الله مسموماً بهراة.
وقال بعضهم: سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة، وعجل دفنه، فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، ونبش عنه، فوجد قد قبض على لحيته، ومات من هول القبر والله أعلم.
تسع وتسعين وثلاثمائة
فيها رجع الركب العراقي خوفاً من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد.
وأما ركب البصرة فأجازه بنو زغب الهلاليون. وقال ابن الجوزي: أخذوا للركب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن محمد الدارمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء عصره
وخواص مداح سيف الدولة بن حمدان. وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة، وله معه وقائع ومعارضات في أناشيد. ومن شعره في القاضي أبي طاهر صالح بن جعفر الهاشمي:
أمير العلا إن العوالي كواسب
…
علاك في الدنيا وفي جنة الخلد
يمر عليك الحول سيفك في الطلى
…
وطرفك ما بين الشكيمة والورد
ويمضي عليك الدهر، فعليك للعلى
…
وقولك للتقوى وكفك للرفد
قلت هذا هو في الأصل المنقول منه، وصوابه علاك من الدنيا ومن جنة الخلد والطلى: بضم الطاء المهملة وتشديدها: الأعناق، وهو مراده في هذا البيت وبكسرها: القطران وما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، والخمر عند بعض العرب وبفتحها: الولد من ذوات الظلف. والطلي بكسر اللام: الصغير من أولاد الغنم والطرف بكسر الطاء: الكريم من الخيل.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي بضم الصاد المنجم المصري صاحب الزيج بكسر الزاي وسكون المثناة من تحت، وفي آخره جيم الحاكمي، المشهور المعروف بزيج ابن يونس، وهو زيج كبير في أربع مجلدات، بسط القول والعمل فيه، وما أقصر في تحريره، وذكر أن الذي أمره بعمله وابتدأه للعزيز بن الحاكم صاحب مصر.
قال بعضهم كان ابن يونس المذكور أبله مغفلاً يعتم على طرطور طويل، ويجعل رداءه فوق العمامة، وكان طويلاً، إذا ركب ضحك منه الناس لشهرته ورثاثة لباسه وسوء حالته، وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النخامة، لا يشاركه فيها أحد، وكان متفنناً في علوم كثيرة، وقد أفنى عمره في النجوم والسير والتوليد، ولا نظير له في ذلك، وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به، وله شعر حسن منه قوله:
أحمل نشر الريح عند هبوبه
…
رسالة مشتاق لوجه حبيبه
بنفسي من تحيى النفوس بقربه
…
ومن طابت الدنيا به وبطيبه
لعمري لقد عطلت كأسي بعده
…
وغيبتها عني لطول مغيبه
وجدد وجدي طائف منه في الكرى
…
سرى موهناً في خفية من رقيبه
ويحكى أن الحاكم العبيدي صاحب مصر قال وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس