الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ركن الدولة ابن بويه، وكان متوسعاً في علوم الفلسفة والأجرام، وإمام الأدب والترسل، فلم يقاربه فيه أحد في زمانه، وكان كامل الرئاسة، جليل المقدار. ومن بعض أتباعه الصاحب ابن عباد، ولأجل صحبته قيل له: الصاحب، وكانت له في الرئاسة اليد البيضاء، وفي براعته في الكتابة قيل: بدأت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وقصده جماعة من مشاهير الشعراء بالمدائح، منهم المتنبي، مدحه بقصيدته التي أولها:
باد هواك صبرت أو لا تصبرا
…
وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى
وقلت وفي إعراب قافية هذا البيت وقع بحث، وحاصله أن الألف هنا منقلبة عن نون التأكيد الخفيفة. فأعطاه ثلاثة آلاف دينار. ولما مات ابن العميد رتب ركن الدولة مكانه ابنه ذا الكتابتين: أبا الفتح علياً، وكان جليلاً نبيلاً ثرياً. ثم قبض عليه ركن الدولة في آخر الأمر، وصادره حتى بلغة عتاب العذاب. نسأل الله تعالى العافية من غرور الدنيا، وما فتنت به كل مصاب.
وفيها توفي الحافظ أبو محمد الرامهرمزي والجابري عبد الله بن جعفر الموصلي.
وفيها توفي أبو عبد الرحمن: عبد الله بن عمر المروزي الجوهري، محدث مرو.
وفيها توفي أبو جعفر الدراوردي محمد بن عبد الله بن بردة. حدث بهمدان.
إحدى وستين وثلاث مائة
فيها أخذ ركب العراق، اعترضته بنو هلال، وقتلوا خلقاً. وبطل الحج إلا طائفة نجت، ومضت مع أمير الركب الشريف أبي أحمد الموسوي، والد الشريف المرتضى.
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله: محمد بن الحارث بن أسد الخشني القيرواني مصنف " كتاب الاختلاف والافتراق " في مذهب مالك و " كتاب الفتيا " و " كتاب تاريخ الأندلس "، و " كتاب تاريخ إفريقية "، و " كتاب النسيب ".
اثنتين وستين وثلاث مائة
فيها توفي عالم البصرة الإمام الكبير أبو حامد المروزي: أحمد بن عامر الشافعي
صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي. تفقه به أهل البصرة.
وفيها توفي أبو إسحاق المزكي النيسابوري قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العباد المجتهدين المحاجين المنفقين على العلماء والفقراء، وكان مثرياً متمولاً، دفن بنيسابور.
وفيها توفي الأمير الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد: إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكائيل.
وفيها توفي أبو جعفر البلخي الهندواني، الذي كان من براعته في الفقه يقال له أبو حنيفة الصغير. توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه.
وفيها توفي ابن فضالة المحدث الأموي، مولاهم الدمشقي.
وفيها توفي حامل لواء الشعر بالأندلس أبو الحسن محمد بن هانىء الأزدي الأندلسي الشاعر المشهور. قيل: إنه من ولد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقيل: بل هو من ولد أخيه روح، وكان أبوه هانىء من قرية من قرى المهدية بإفريقية. وكان شاعراً أديباً، فانتقل إلى الأندلس، فولد بها محمد المذكور بمدينة أشبيلية، ونشأ بها واشتغل، وحصل له حظ وافر من الأدب، وعمل الشعر فمهر فيه. وكان حافظاً أشعار العرب وأخبارهم، واتصل بصاحب أشبيلية، وحظي عنده. وكان منتهكاً للحرمات منهمكاً في اللذات، متهماً بالعقائد الفلسفيات. ولى اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل أشبيلية، وساءت المقالة في حق الملك بسببه، واتهم بمذهبه أيضاً، فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة، ينسى فيها خبره، فانفصل عنها وعمره يومئذ سبعة وعشرون عاماً. وحديثه طويل، وخلاصته أنه خرج فلقي جوهراً القائد، مولى المنصور، فامتدحه، ولم يزل يرحل ويمتدح ولاة الأمر إلى أن نمي خبره إلى المعز أبي تميم معد بن المنصور العبيدي، ما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه، ثم توجه المعز إلى الديار المصرية كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فشيعه ابن هانىء المذكور، ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به، فتجهز وتبعه. فلما وصل إلى برقة، أضافه شخص من أهلها، فأقامه عنده أياماً في مجلس الأنس، فيقال أنهم عربدوا عليه، فقتلوه، وقيل: خرج من تلك الدار وهو سكران، فنام في
الطريق، وأصبح ميتاً ولم يعرف سبب موقه. وقيل أنه وجد في ساقية من سواقي برقة مخنوقاً بتكة سرواله، وكان ذلك في بكرة يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من رجب سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، وعمره ست وثلاثون سنة، وقيل اثنتان وأربعون سنة رحمه الله هكذا قيده صاحب كتاب أخبار القيروان، وأشار إلى أنه كان في صحبة المعز، وهو مخالف لما ذكرته أولاً من تشيعه للمعز ورجوعه لأخذ عياله. ولما بلغ المعز وفاته بمصر أسف عليه كثيراً وقال: هذا الرجل كنانة جود إن تفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك. وله في معز عزيز المدائح ونحت الشعر، فمن ذلك قصيدته النونية التي أولها:
هل من أعتقه عالج بيرين
…
أم منهما بقر الحدوج العين
ولمن ليالي باذ منا عهدها
…
مذكر إلا أنهن شجون
والمشرقات كأنهن كواكب
…
والناعمات كأنهن غصون
أومى لها المجان صفحة خده
…
وبكى عليها اللؤلؤ المكنون
قلت قوله: الحدوج المراد بالحدوج هنا جمع: حدج وهو مركب من مراكب النساء مثل المحفة.
قال ابن خلكان: وديوانه كبير، ولولا ما فيه من الغلو في المدح والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين. وليس للمغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن كان في المتنبي مع أبي تمام من الاختلاف ما فيه. قال: ويقال أن أبا العلاء المعري، كان إذا سمع شعره يقول: ما أشبهه إلا برحى يطحن قروناً، لأجل القعقعة في ألفاظه، ويزعم أنه لا طائل تحت تلك الألفاظ. قال: ولعمري ما أنصفه في هذا المقال وما حمله على هذا إلا فرط تعصبه للمتنبي، قال: وبالجملة فما كان إلا من المحسنين في النظم، والله أعلم، انتهى.
وقال في أول ترجمته " أبو نواس الأندلسي " فكناه بكنية أبي نواس الحسن بن هانىء الحكمي العراقي، وهذا محمد بن هانىء الأزدي الأندلسي، فقد اتفقا في اسم الأبوين، وهو هانىء، وقد يتوهم من لا يدري التاريخ والنسب أنهما أخوان، كما ذكر ذلك في بعض الناس فيما مضى متوهماً لاتفاق اسم الأبوين، أو مقلداً متوهماً، ولو اطلع على التاريخ لعلم بطلان ذلك، فإن هذا المغربي توفي في سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، وذلك المشرقي توفي في سنة ست وتسعين ومائة، فبينهما مائة وست وستون سنة، والأخوان لا يتباعد ما بينهما هذا التباعد في مثل زمانهما، هذا من حيث التاريخ.