الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللام، نزيل نيسابور.
قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: لم نر مثله في علو الحال وصون الوقت. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله سمعت الأستاذ أبا بكر بن فورك رحمه الله يقول: كنت عند أبي عثمان المغربي حين قرب أجله، فلما تغير عليه الحال أشرنا على علي بالسكوت، ففتح الشيخ أبو عثمان عينيه وقال: لم لا يقول على شيء. فقلت لبعض الحاضرين: سلوه، وقولوا: علام يسمع المستمع، فإني أحتشمه في هذه الحالة؟ فسألوه فقال: إنما يسمع من حيث يسمع.
ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: التقوى هي الوقوف على الحدود، لا يقصر فيها ولا يتعداها، وقال: من أثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء، ابتلاه الله تعالى بموت القلب.
قلت: وقد سمعت من أهل العلم والفضل بيتين في مدح سعيد بن سلم، لا أدري: أهو هذا المذكور أو غيره، وقد تضمنا لمدح عظيم بالغ، وهما:
ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة
…
سعيد بن سلم ضوء كل بلاد
لنا سيد أربى على كل سيد
…
جواد، حثى في وجه كل جواد
قلت: وقوله: حتى في وجه كل جواد: يحتمل معنيين: أحدهما وهو الأظهر والله أعلم أنه بمعنى: حثى التراب في وجهه معناه حقره. والثاني: أن يكون جاد على كل جواد، وحثى في وجهه من المال ما يراد.
لما أمليت هذين الوجهين ذكر بعض من حضرني من الأصحاب أنه يحتمل معنى ثالثاً، وهو أن الجواد السابق من الخيل إذا سبق حثى التراب بحافره في وجه المسبوق. وهو معنى حسن غريب يحتمل أن قائله مصيب.
وفيها توفي الفضل بن جعفر الرجل الصالح المؤذن بدمشق: أبو القاسم التميمي.
أربع وسبعين وثلاثمائة
فيها توفي العلامة أبو سعيد، عبد الرحمن بن محمد بن خشكا الحنفي الحاكم بنيسابور.
وفيها توفي خطيب الخطباء أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل ابن نباتة " بضم النون وبالموحدة وفتح المثناة من فوق بعد الألف " الفارقي اللخمي، العسقلاني المولد، المصري الدار، مصنف الخطب المشهورة. ولي خطابة حلب. لسيف الدولة، كان
إماماً في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها، وفيها دلالة على غزارة علمه، وجودة قريحته. وذكروا أنه سمع على المتنبي بعض ديوانه في خدمة سيف الدولة، وكان سيف الدولة كثير الغزوات، فلهذا أكثر من خطب الجهاد ليحض الناس، ويحثهم على الجهاد. كان رجلاً صالحاً، ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المقابر، فأشار بيده إلى القبور وقال: كيف قلت يا خطيب؟ كيف قلت يا خطيب؟: لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقاد لقالوا، قد شربوا من الموت كأساً مرة، فلم يفقدوا من أعمالهم ذرة، والى عليهم الدهر إليه برة أن لا يجعل لهم إلى دار الدنيا كرة كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعهدوا في الأحياء مرة، أسكتهم الله الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجددهم كما خلقهم، ويجمعهم كما فرقهم.
ثم نقل صلى الله عليه وآله وسلم في فيه، فاستيقظ من منامه على وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل. وقص رؤياه على الناس، وقال: سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً. وعاش بعد ذلك ثمانية عشر يوماً لا يستطعم طعاماً ولا شراباً من أجل تلك التفلة وبركتها. وهذه الخطبة التي فيها هذه الكلمات: تعرف بالمناسبة لهذه الواقعة.
وذكر بعضهم أنه ولد في سنة خمسين وثلاثمائة، وتوفي في السنة المذكورة، أعني سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
وعن بعضهم أنه قال: رأيت الخطيب ابن نباتة في المنام بعد موته، وقلت له: ما فعل الله تعالى بك. فقال: رفع لي ورقة، وفيها سطران بالأحمر. وهما: قد كان أمن لك من قبل ذا، واليوم أضحى لك أمنان، والصفح لا يحسن عن محسن، وإنما يحسن عن جان. قال: فانتبهت من النوم وأنا كررهما.
وفيها توفي تميم بن معز بن المنصور بن القائم بن المهدي، كان أبوه صاحب الديار المصرية والمغرب، وهو الذي بنى القاهرة. وكان تميم المذكور فاضلاً شاعراً ماهراً لطيفاً ظريفاً، ولم يل المملكة، لأن ولاية العهد كانت لأخيه العزيز، تولاها بعد أبيه. وللعزيز أيضاً أشعار جيدة، ذكرها أبو منصور الثعلبي في اليتيمة. ومن شعر تميم المذكور:
أما والذي لا يملك الأمر غيره
…
وهو بالسر المكتم أعلم
لئن كان كتمان المصائب مؤلماً
…
فأعد أنها عندي أشر وآلم
وفي كل ما تبكي العيون أقله
…
وإن كنت منه دائماً أتبسم
ومنه:
وما أم خشف ظل يوماً وليلة
…
ببلقية بيداء ظمآن صاديا