الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأغراضها، ولا ذهب أحد مذهبه فيه، ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به. انتهى كلام ابن صاعد.
قال ابن خلكان: ولم يزل أبو نصر ببغداد مكباً على الاشتغال بهذا العلم والتحصيل له إلى أن برز، أو قال: برع فيه، وفاق أهل زمانه. قال: ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف فأدخل عليه، وهو بزي الأتراك وكان ذلك دأبه دائماً فوقف، فقال له سيف الدولة اقعد فقال: حيث أنا أم حيث أنت؟ فقال حيث أنت، فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة، وزاحمه فيه، حتى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، ولهم معهم لسان خاص يسارهم به، قل أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان: أن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني سائله في أشياء، إن لم يعرف بها فأحرقوا به. فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير، اصبر، فإن الأمور بعواقبها، فتعجب سيف الدولة وقال له: أتحسن بهذا اللسان. فقال: نعم، أحسن بأكثر من سبعين لساناً، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء حاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو، وكلامهم يسفل، حتى صمت الكل، وبقي يتكلم وحده. ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، وصرفهم سيف الدولة، وخلا به فقال: هل لك أن تأكل؟ قال: لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ قال: نعم فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل من هو من أهل هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر، وقال له: أخطأت، فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصنعة شيئاً؟ قال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة، وفتحها، وأخرج منها عيداناً، فركبها، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، ثم فكها غير تركيبها، وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وركبها تركيباً آخر، وضرب بها فنام من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج.
ويقال إن الآلة المسماة بالقانون من وضعه، وهو أول من ركبها هذا التركيب، وكان منفرداً بنفسه لا يجالس الناس، وكان زاهداً في الدنيا، لا يحتمل بأمر مكسب، ولا مكف، ولم يزده سيف الدولة على أربعة دراهم في كل يوم لقناعته.
أربعين وثلاث مائة
فيها جمع سيف الدولة جيشاً عظيماً، ودخل في بلاد الروم، فغنم وسبى سبياً كثيراً وعاد سالماً. وذلت القرامطة، فأمن الوقت، وحج الركب.
وفيها توفي ابن الأعرابي المحدث الصوفي القدوة أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد
البصري، نزيل مكة، روى عن إسحاق الزعفراني. وخلق كثير، وجمع وصنف، ورحل إليه.
وفيها توفي الفقيه الإمام الكبير أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، إمام عصره في الفتوى والتدريس، أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج، وبرع فيه، وانتهت إليه الرئاسة بالعراق بعد ابن شريح، وصنف كتباً كثيرة وشرح مختصر المزني وأقام ببغداد زمناً طويلاً يدرس ويفتي، ونجب من أصحابه خلق كثير، وإليه ينسب درب المروزي ببغداد. ثم ارتحل إلى مصر في آخر عمره، فأدركه أجله فيها، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي.
وفيها توفي العلامة شيخ الحنفية بما وراء النهر، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري، وكان محدثاً رأساً في الفقه، صنف التصانيف. وقال الحاكم: هو صاحب عجائب عن الثقات، وقال أبو زرعة: هو ضعيف.
وفيها توفي أبو القاسم الزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي، صاحب التصانيف، أخذ عن اليزيدي وابن دريد وابن الأنباري، وصحب أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، وإليه نسب، وبه عرف. وسكن دمشق، وانتفع به الناس، وانتفع بكتابه خلق لا يحصون.
فقيل: إنه جاور بمكة مئة، كان إذا قرع الباب طاف أسبوعاً، ودعا بالمغفرة، وأن ينتفع بكتابه قارئه. قلت: وأخبرني بعض فضلاء المغاربة أن عندهم لكتابه مائة وعشرين شرحاً، قال ابن خلكان: وهو كتاب نافع، لولا طوله بكثرة الأمثلة.
قلت: ولعمري إن كتابين قد عظم النفع بهما، مع وضوح عبارتهما، وكثرة أمثلتهما، وهما " جمل الزجاجي " المذكور، و " الكافي في الفرائض " للصروفي، من أهل اليمن رضي الله تعالى عنه، هما كتابان مباركان ما اشتغل أحد بهما إلا انتفع خصوصاً أهل اليمن بكتاب الكافي المذكور، وبالجمل في بلاد الإسلام على العموم، وما ذكر عن مصنفه من الطواف والدعاء قد ذكر عن غير واحد من المصنفين، ومنهم الإمام الشيخ شهاب الدين السهروردي في تصنيف عقيدته، وبعضهم جعل الصلاة عوضاً عن الطواف بعد كل مسألة، على ما قيل.
ومنهم الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابه التنبيه، والله أعلم بصحة ذلك عنهم ولعمري إن صح ذلك وهو من الهمم العالية في الاهتمام بصلاح الدين، والنفع العام للمسلمين، والتوفيق الخاص من رب العالمين.
توفي الزجاجي رحمه الله في شهر رمضان، وقيل في رجب في طبرية، وقيل في