الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سقي له الترياق فبرىء، وصح ورجع إلى إسماع تلامذته، ثم عاوده الفالج، فبطلت حركته، وكان إذا دخل عليه الداخل ضج وتألم. قال تلميذه ابن القالي: فكنت أقول في نفسي: عاقبه الله تعالى لقوله في مقصورته.
مارست من لو هوت الأفلاك
…
من جوانب الحق عليه ما شكا
وما كان يصيح صياح من يغشى، أو يسأل بالمسائل، والداخل بعيد منه، ومع ذلك ثابت الذهن كامل العقل، يرد فيما يسأل عنه رداً صحيحاً، وعاش بعد ذلك عامين وكان كثيراً ما يتمثل:
فواحزني أن لا حياة لذيذة
…
ولا عمل يرضى به الله صالح
وتوفي يوم توفي فيه أبو هاشم الجبائي المعتزلي. فقال الناس: مات اليوم علم والكلام " ودريد " تصغير درد، وهو الذي ليس فيه سن، كسويد في تصغير أسود. وكان قد قام مقام الخليل بن أحمد، وأورد أشياء، وكان يذهب بالشعر كل مذهب، " ومقصورته " خلق من المتقدمين والمتأخرين، ومن أجود شروحها شرح الفقيه محمد بن أحمد اللخمي السبتي، وعارضه جماعة، ورثاه بعضهم فقال:
فقدت بابن دريد كل فائدة
…
لما عدا نالت الأحجار والتراب
وكنت أبكي لفقد الجود منفرداً
…
فصرت أبكي لفقد الجود والأدب
وفيها توفي مؤنس الخادم الملقب بالمظفر، وعمره نحو تسعين سنة، وكان معظماً شجاعاً منصوراً، وقد تقدم ذكر قتله، ولم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور الأخشيدي صاحب مصر. وسيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى قلت يعنون ولايات الدنيا ورفعتها عند أهلها.
اثنتين وعشرين وثلاث مائة
فيها قبض المماليك القاهر، هجموا عليه وهو سكران نائم، فقام مرعوباً، وهرب فتبعوه إلى السطح، وبيده سيف، ففوق واحد منهما سهماً وقال: انزل وإلا قتلتك، فقبضوا عليه بعد أن قال: انزل فنحن عبيدك. وأخرجوا محمد بن المقتدر، ولقبوه الراضي بالله، وكحل القاهر، ووزر ابن مقلة قال الصولي: كان القاهر أهوج سفاكاً للدماء، السيرة، مدمن الخمر. كان له حربة يحملها، فلا يضعها حتى يقتل إنساناً، ولولا جودة
حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل.
وفيها اشتهر محمد بن علي الشلغماني " بالشين والغين المعجمتين وقيل ياء النسبة نون "، موضع ببغداد، وشاع أنه يدعي الألوهية وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه، وأحضره ابن مقلة عند الراضي، وسمع كلامه، فأنكر الألوهية وقال: إن لم ينزل العقوبة بعد ثلاثة، وكثره سبعة أيام وإلا فدمي حلال. وكان قد أظهر الرفض، ثم قال بالتناسخ والحلول. وتخرق على الجهال، وضل به طائفة. وأظهر شأنه الحسين بن روح، زعيم الرافضة. فلما طلب هرب إلى الموصل، وغاب سنتين، ثم عادوا دعى الألوهية، فتبعه فيما قيل جماعة، منهم إبراهيم بن عون، فقبض عليه ابن مقلة، وكنس بيته، فوجد فيه رقاعاً وكتباً فيما قيل، يخاطبونه في الرقاع بما لا يخاطب به البشر، وأحضر فأصر على الإنكار، فضعفه ابن عبدوس. وأما ابن أبي عون فقال: إلهي وسيدي ورازقي، فقال الراضي: للشلغماني: أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية، فما هذا؟ فقال: وما علي من قول ابن أبي عون. ثم أحضروه غير مرة، وجرت لهم فصول، وأحضرت الفقهاء والقضاة، ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه، فأحرق، ثم ضربت رقبة ابن أبي عون، ثم أحرق، وكان فاضلاً مشهوراً صاحب تصانيف أدبية، من رؤساء الكتاب، أعني ابن أبي عون، وشلغمانة من أعمال واسط. ولم يحج أحد إلى سنة سبع وعشرين خوفاً من الفرامطة.
وفيها توفي حافظ الأندلس أحمد بن خالد، قال القاضي عياض: كان إماماً في وقته في مذهب مالك، وفي الحديث لا ينازع.
وفيها توفي السيد الكبير الولي الشهير القدوة العارف، بحر المعارف أبو الحسين خير النساج البغدادي، وكانت له حلقة يتكلم فيها، وعمر دهراً، قيل إنه لقي سريا السقطي، وله أحوال كبيرة وكرامات شهيرة.
وفيها توفي المهدي عبيد الله، والد الخلفاء الباطنية العبيدية المقبري، المدعي. أنه من ولد جعفر الصادق، وكان بسلمية من بلاد الشام، فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب، وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب، وامتدت دولته بضعاً وعشرين سنة، ومات